خاص ــ الاقتصاد

ما بين صاحبة مكتب لإستقدام العاملات في الخدمة المنزلية، وطبيبين نسائيين وعاملات فيليبينيات، وثلاث سيدات لبنانيات لم يرزقن بالأولاد، تشكّلت قضية يغلب عليها الطابع الانساني المؤثر، لكنها بمفهوم القانون تعدّ جريمة جنائية، حيث إتهم القضاء الأشخاص المذكورين بالاتجار بالبشر، وبيع أطفال حديثي الولادة، والتزوير في أوراق رسمية عائدة للأحوال الشخصية، لتسجيل الأطفال على أسماء سيدات لم يلدهنّ.

خيوط هذه القضية تكشّفت من خلال قرار إتخذته وزارة الدخلية ومديرية الأخوال الشخصية، بإلغاء وثيقة ولادة منظّمة خلافاً للأصول، ولدى تعقّب أسباب القرار، تبيّن أن المدعى عليها "ح .ع" تملك مكتباً للخدم، وبحكم عملها أخذت تتواصل مع عاملات أجنبيّات أغلبهنّ من التابعية الفيليبينيّة، اللواتي يحملن بطرق غير مشروعة، حيث تعرض عليهنّ التكفّل بعمليات ولادتهنّ وتسجيل الجنين على اسماء نسوة لا يمكنهنّ الإنجاب بينهنّ المدعى عليهنّ "م. ش" و"ف. ل" و"ن. ل".

هذا الأمر استدعى تحقيقات موسّعة، أظهرت أنّ "م. ش" هي سيدة لبنانية تقيم في فرنسا قد حضرت إلى لبنان وتواصلت مع صاحبة مكتب الخدم المعروفة بإسم "زينة"، فاجتمعت معها في عيادة طبيب نسائي بحضور فيلبينيّة حامل تدعى "راشال"، حيث تمّ الإتفاق معها على إتمام الولادة في اليوم التالي في مستشفى تقع ضمن نطاق محافظة جبل لبنان، على أن ينظّم الطبيب المدعى عليه وثيقة ولادة للمولود على اسم السيدة اللبنانية وهذا ما تمّ فعله، حيث أشرف الطبيب على ولادة "راشال" واستلمت المولود صاحبة مكتب الخدم، التي بدورها سلّمته للأم غير الحقيقية "م. ش" التي دفعت لصاحبة المكتب مبلغ 1350 دولاراً، ثمّ قصدت طبيب التوليد لاحقاً، الذي نظّم لها وثيقتين على أنّها والدة الطفل واحدة باللغة العربيّة واخرى بالفرنسيّة، وسجّل المولود بإسم "توماس" ونسبه عائلته الى الأسرى التي اشترته ليكون ولدها.

لم تقتصر الأمور على هذه الحالة، إذ تواصلت سيدة أخرى تدعى "ن. د" من مواليد العام 1972 ، على التواصل مع "زينة"، بعدما أرشدها إليها أحد الأشخاص ورودها برقم هاتفها، فأعلمتها برغبتها تسجيل مولود على إسمها، فأفادتها بوجود فتاة فيليبينية وضعت مولودها حديثاً، وسلّمتها إيّاه وطلبت منها التوجّه الى عيادة طبيب نسائي آخر تمّ الإدعاء عليه أيضاً، فنظّم الطبيب لها وثيقة تفيد بأنّ "ن. د" هي والدة الطفل وأّنه أشرف على عملية توليدها وسلّمته مبلغ 1500 دولارمقابل ذلك.

العملية حصلت مع امرأة ثالثة هي "ف. ل" التي لم ترزق بأطفال ولم تستطع الانجاب، حيث أرشدتها صاحبة مكتب الخدم الى الفيلبينية "ألفيرا" الحامل في شهرها الأخير، فتمّ الإتفاق معها على أن تضع مولودها في مستشفى معروف، وقد تواصل مع صاحبة مكتب الخدم شقيق السيدة الراغبة بشراء الطفل وهو رجل دين، فطمأن "ألفيرا" الى رعاية المولود والإهتمام به بشكل جيد، علما أن الولادة تمت بإشراف الطبيب أوّل وهنا تمّ تنظيم وثيقة الولادة لدى قابلة قانونيّة جرى الإدعاء عليها أيضاً بعد أن نظّمت وثيقة تفيد أنّها هي من أشرفت على عملية ولادة الأم الثالثة.

ولدى خضاع صاحبة مكتب الخدم للتحقيق، أفادت المدعى، إعترفت بأنها توسطت بين سيدات لبنانيات وعاملات فيلبينيات، لكي تتخلي العاملات بصورة دائمة عن أطفالهنّ، زاعمة أن ذلك حصل من دون بدل مادي وبدافع انساني، كي لا يلقى بهؤلاء الأطفال في الطريق، نافية ما نسب إليها لجهة الإتجار بالأشخاص عن طريق بيع وشراء أطفال ولجهة التدخل في تزوير وثائق، مضيفة أنّ كلّ هدفها كان حماية الأطفال من التشرّد.

أما "الأمهات" اللواتي اشترين الأطفال، فإعترفن بما نُسب إليهنّ لجهة الإتفاق مع "ح. ع" على نسب طفل حديث الولادة لرعايته على إسم كلّ منهنّ دون أن تلدنه، وصرّحن أنّه لم يكن بنيّتهن مخالفة القانون، بل كانت الغاية عدم ذكر أنّ الطفل هو متبنّي على وثيقة الولادة.

أما الطبيب الذي أشرف على الولادتين فنفى ما نُسب إليه لجهة التدخل في التخلّي عن أطفال حديثي الولادة لقاء بدل مادي وعلى تزوير شهادات، مؤكّداً انه في موضوع ولادة "الفيرا" سجّل الطفلة على اسم والدتها البيولوجيّة، وفيما يتعلّق بـ "راشال" أفاد أنّه سبق ونظّم شهادة ولادة بإسمها إلّا أنّه لاحقاً وبناء لإلحاح السيّدة اللبنانية وبهدف نساني قام بتسليمها مخطوط بخط يده يفيد أنّها والدة الطفل المذكور، وذلك دون تقدير عواقب الأمور، في حين أكّدت هي على علمه بالأمر. أما الطبيب الآخر المدعى عليه بتزوير وثيقة ولادة واحدة، فقد اعترف بما فعل عازيا السبب لهدف إنساني وهو مساعدة الطفل من التشرد.

قاضي التحقيق في جبل لبنان رمي عبدالله، أصدر قراراه الظني في هذه القضية، وطلب عقوبة تترواح وبين السجن ستة أشهر، والأشغال الشاقة المؤقتة، للطبيبين المذكورين، وصاحبة مكتب الخدم والسيدات الثلاث اللواتي اشترين الأطفال، وللعاملات الفيلبينيات اللواتي تخلّين عن أطفالهنّ، بعدما اتهمهم بجرائم الاتجار بالبشر، وبيع أطفال حديثي الولادة وتزوير وثائق وشهادات رسمية متعلّقة بالأحوال الشخصية واستعمال المزور، وأحالهم جميعاً على محكمة الجنايات في جبل لبنان لمحاكمتهم.