لبنان​ بلد الفرص الضائعة للاستثمارت، بلد قل فيه الامل بمستقبل افضل بلد يعاني مواطنيه في حياتهم اليومية من مشاكل لا تعد ولا تحصى بلد تخطت فيه ملفات الفساد والتعديات كل الحدود ليأتي اقرار قانون الضرائب الجديد لتمويل سلسلة الرتب والرواتب الذي اجمع الكثيرون على انه سيفقر اللبنانيين ليكون بمثابة الضربة القاضية على المواطنين نظرة قد يعتبرها البعض سوداوية ومضخمة للواقع الحالي، ولكن كيف لا ؟ فلبنان اليوم غارق في الدين العام الذي يتنامى يوما بعد يوم والذي تخطى 77 مليار دولار من دون وجود مبررات لهذه الاستدانة فالبنى التحتية مترهلة لا تواكب التطور العمراني والزيادة السكانية، وقطاع الخدمات حدث ولا حرج فبداية من قطاع الكهرباء الذي يعد المشكلة الابرز في يوميات المواطن اللبناني والذي يشكل 30% من العجز العام وصولا الى قطاع الصحة والتعليم ليأتي تخفيض وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني للبنان من B2 الى B3 ترجمة للواقع الاقتصادي الحالي بسبب التراجع المستمر في المالية العامة وزيادة عبء الديون على البلاد الذي توقعت الوكالة ان يصل في العام المقبل الى 140% من الناتج المحلي الاجمالي لتأتي تكلفة استضافة اللاجئين السوريين ومحدودية الدعم المقدم من المانحين لزياد الاعباء على الاقتصاد المحلي وزيادة تعقيد الاوضاع الراهنة والاستمرار على هذا الحال سيكون له عواقب وخيمة سيطرح سيناريوهات تشاؤمية في المستقبل .

واقع البنى التحتية في لبنان وتراجع الاستثمارات الاجنبية المباشرة

لا يخفى على احد ما يعانيه لبنان اليوم من تراجع وترهل في مستوى البنى التحتية وتراجع مستوى الخدمات العامة التي لم تعد تواكب التطور والزيادة السكانية لتشكل ازمة الكهرباء والمياه والصرف الصحي واقع مرير يرمي بثقله على المواطن اللبناني وعلى يومياته .

وتؤكد الدراسات المحلية على ان نوعيّة البنيّة التحتيّة والخدمات المقدّمة في لبنان سيئة حيث تحتلّ البلاد مراتب متاخرة جدا بين الدول من ناحية مؤشّر جودة الطرق، لكون طرقات الأرياف والأطراف في حالة سيئة جدا بالاضافة الى التأخر الحاصل في مجال الاتصالات والكهرباء والصرف الصحي ، الامر الذي يقف حاجزا امام خفض نسبة الفقر وتحقيق الازدهار، كما يحتلّ لبنان المرتبة الأسوأ في سجلات السلامة على الطرق على مستوى العالم بالاضافة إلى غياب وسائل النقل المشترك، حيث تنفق الأسر نحو 15% من دخلها لتلبية احتياجات النقل.

ويحقّق لبنان مرتبة أقل من المستويات المتوقّعة في الدول المتوسطة الدخل لناحية خدمات إمدادات المياه، إذ يعاني القطاع عجزاً شديداً في تقديم خدمات المياه، رغم الارتفاع النسبي لكمية المياه المتوافرة للفرد الواحد فشبكة إمدادات المياه سيئة وهي بحاجة الى إعادة تخطيط وتصميم بالاضافة الى قلة أحواض تخزين المياه واستهلاك أنابيب شبكة إمدادات المياه، وترجع الدراسات والتحليلات الى ان التخلف الحاصل في البنى التحتية في لبنان بعد الحرب الاهلية يعود الى الفساد الإداري والمشاكل المالية الجمّة التي تعاني منها البلاد والطلب المتزايد على هذه الموارد وبالتالي يعتبر هذا التأخر والمستوى الرديء من الخدمات والبنى التحتية عامل طرد للاستثمارات الاجنبية المباشرة في لبنان الذي يعتبر أحد المرتكزات الرئيسة لتحقيق النمو الاقتصادي المتنوع والمستدام نظراً إلى دوره البارز في تعزيز السيولة المالية، ورفد الاقتصاد الوطني بمشاريع تنموية مهمة، فضلاً عن مساهمته في نقل التكنولوجيا، ما يدعم خطوات الدولة نحو بناء اقتصاد تنافسي وعالي الإنتاجية.

كما لتوفر البنية التحتية القوية دور فعال في ازدهار وتطور البلاد حيث تعتبر من الضرورات اللازمة للنمو الاقتصادي وعامل جاذب للشركات والاستثمارات وتؤثر بشكل كبير على الاقتصاد وعلى الإنتاج. وتساهم في خلق فرص عمل وتعتبر من الخطوات والمستلزمات الرئيسية لتطور المجتمعات حول العالم ورفع كفاءتها كما تعتبر البنى التحتية مطلب رئيسي للتنمية الاقتصادية ومفتاح اساسي لتحقيق النمو الاقتصادي وعامل مؤثر لجذب الاستثمارات الاجنبية المباشرة.

وفي سياق هذا الموضوعكان لموقع "الاقتصاد" حورا خاصا مع الخبير الإقتصادي ومستشار رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي د.سمير الضاهر.

د.الضاهر النزوح السوري شكل صدمة اقتصادية وزاد من ترهل البنى التحتية ورفع معدل البطالة في صفوف اللبنانيين الى اكثر من 22%.

اكد د. سمير الضاهر على ان التدهور الحاصل في البنى التحتية وتراجع مستوى الخدمات له أثر كبير على الاقتصاد المحلي وعلى الصناعة الوطنية ، فقطاع الكهرباء الذي يشهد عجزا في طاقة التوليد بحوالي 1500 ميغا واط مما يدفع الصناعي اللبناني الى الاستعانة بالمولدات الكهربائية الخاصة الامر الذي من شأنه ان يرفع من كلفة الانتاج حوالي 5 الى 10 اضعاف بمما يؤدي الى تراجع القدرة التنافسية للشركات اللبنانية في الاسواق العربية والعالمية، وان اعادة تأهيل قطاع الكهرباء في ما يتعلق بالتوليد وشبكات التوتر العالي والتوزيع كلفته حوالي 4 مليار دولار وهذا المبلغ يعتبر كلفة زهيدة اذ اخذ بعين الاعتبار كلفة الدعم السنوي الذي يعطى لشركات كهرباء لبنان التي وصلت في بعض الاحيان الى 2.5 مليار دولار في الوقت الحالي مع تدني اسعار النفط واعادة تأهيل هذا القطاع امرا اساسيا من شأنه ان يخفض كلفة الانتاج المحلي والاستثمار الاجنبي وهذا التأهيل لن يكلف الحكومة اكثر من الكلفة التي تتكبدها خلال سنتين الى 3 سنوات من الدعم .

وفي موضوع النقل اعتبر الضاهر ان حوالي 80% من حجم الاقتصاد اللبناني يتمركز في بيروت الكبرى وجبل لبنان فاذا المخرج الشرقي والجنوبي للمدينة يشهد ازدحاما كبيرا في السير يكبد اللبنانيين الوقت وكلفة السيارات والمحروقات الناتجة عنها بلغت بحسب دراسات البنك الدولي حوالي 5% من الناتج المحلي اي حوالي 3 مليار دولار سنويا وبحسب هذه الدراسات يستطيع لبنان تأهيل قطاع النقل بشبكة طرقات متواجدة بمعظمها بكلفة حوالي 6 مليار دولار وهذا الامر اساسي وهناك تقاعس في هذا الاتجاه كما ان هناك نقطة اساسية في قطاع النقل وهي اعادة تأهيل السكة الحديدية وخاصة الخط الذي يقع بين طرابلس والحدود السورية والذي يبلغ طولها حوالي ال 40 كلم وهذه الكلفة زهيدة جدا وهذا الخط من شأنه ان يسمح لتجارة الترانزيت الوصول الى مرفأ طرابلس ومنه عبر سكة الحديد الى سوريا بعد توقف النزاعات الامنية الحاصلة في البلاد وبالتالي سيتم ربط لبنان بالدول المجاورة والعالم، ومن الضروري اكمال وتوسيع مرفأ طرابلس الذي من شأنه ان يخفف الضغط عن مرفأ بيروت وبحسب دراسة اعدها مجلس الاعمار والانماء اعتبر فيها ان مرفأ طرابلس يعد مرفأ اساسي لحركة الترانزيت في لبنان.

وفي دراسات للحكومة اللبنانية تظهر ان هناك خطط استراتيجية لكل قطاعات البنى التحتية منها قطاع الصرف الصحي فالخلافات السياسية ووضع المالية العامة تجعل من هذه الاستراتيجيات عصية على التنفيذ وهذه المعطيات وغيرها من شأنها ان تشكل عامل طرد للاستثمارات الداخلية والاستثمارات الاجنبية.

واشار الضاهر الى انه وفي مقارنة لبنان مع الدول الناشئة مثلا في موازنة النفقات الاستثمارية التي تطال البنى التحتية والطرقات والخدمات تنفق الحكومة مبالغ لا تتعدى الـ 10 % من نفقات الموازنة اي ما يعادل 2 الى 3 % من الناتج المحلي وهذه النسبة تعتبر متدنية جدا مقارنة مع الدول الناشئة التي تكرس حوالي 6 الى 7% من الناتج المحلي للاستثمارات في مجال تطوير البنى التحتية والخدمات، وبالتالي يعاني لبنان من تأخر فاضح في هذا المجال وتكرس الحكومات اللبنانية النفقات في موازناتها على ما يعرف بالنفقات الجارية منها العمالة والخدمات وكلفة الدين العام .

واعتبر الضاهر ان الخصخصة امرا ضروريا في المرحلة الراهنة بسبب العجز في المالية العامة لكن الدولة اللبنانية تمنع القطاع الخاص من الاستثمار وبالتالي على لبنان ان يوفرالحرية المطلقة للقطاع الخاص للاستثمار في بعض القطاعات كالكهرباء والمياه والصرف الصحي وبالشروط التي تفرضها الحكومة اللبنانية والتي تحدد من خلالها معايير الانتاج وشروط البيع والجودة والنوعية وفرض رقابة على هذه القطاعات وبالتالي يكون لها القدرة والسلطة.

وفي موضوع تكنولوجيا المعلومات اعتبر الضاهر انه في مجال سرعة وجودة الانترنت ما زال لبنان في المراتب الاخيرة بين الدول العربية من حيث الكلفة والجودة والسرعة وهذا الامر من شأنه ان يزيد من تكلفة الانتاج ويؤثر بالتالي على الاقتصاد المحلي والاستثمارات الاجنبية .

والمستثمر الاجنبي يقف امام خيار الاستثمار في لبنان او اي دولة عربية اخرى حيث توجد منافسة حادة بين الدول يجد نفسه امام معضلة ترهل البنى التحتية وعدم وجود الطاقة الكافية التي تسمح للاستثمارات وعائق اخر متمثل بالفساد المستشري في لبنان حيث تشكل قوانين التجارة والاستثمارات في لبنان عائقا اساسيا للاستثمارات الاجنبية .

وفي ملف تأثير النزوح السوري على البنى التحتية اعتبر الضاهر ان لبنان يعاني من عجز كبير في هذا القطاع ولا يوجد ارقام محددة من شأنها ان تحصي عدد اللاجئين السوريين في لبنان بدقة حيث يقدر البعض عددهم بحوال مليون الى مليون ونصف نازح اي ازداد عدد سكان لبنان في سنوات القليلة الماضية وبالتالي ازداد الطلب على المرافق العامة منها الكهرباء والطرقات والصرف الصحي الامر الذي شكل صدمة اقتصادية جراء هذه الزيادة الكبيرة في الطلب لم يوازيه زيادة في العرض بالاضافة الى الضغط الذي شكله النزوح على قطاع التعليم وقطاع الطبابة مما شكل ضغطا وكلفة اقتصادية على الاقتصاد المحلي المزري وجزء من هذه الكلفة تغطيها المؤسسات الدولية ولكن بنسبة ضئيلة جدا.

ومع استمرار الحرب في سوريا تراجعت المساعدات المباشرة للنازحين الامر الذي دفع ببعض هؤلاء الى تأمين مصادر دخل خاصة بهم مما شكل مزاحمة في السوق العمل اللبناني وبالتالي دخلت اليد العاملة السورية في قطاعات مختلفة منها الزراعة والتجارة والخدمات والنقل الامر الذي شكل ضغط على اليد العاملة اللبنانية وارتفع معدل البطلة في لبنان مع الوجود السوري من 11% الى اكثر من 22% .

واشار الضاهر الى انه وبالوتيرة الذي يسير عليها الاقتصاد اليوم خصوصا من ناحية المالية العامة والموازنة لا يوجد فسحة امل بالمستقبل نظرا الى ان الاقتصاد هو استشراف وتخطيط للمستقبل على المدى الطويل .

البنى التحتية المتطورة تتوج الإمارات الأولى عربياً في استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة

ساهم تطور البنية التحتية في دولة الإمارات العربية بترسيخ مكانة الدولة في صدارة الوجهات الجاذبة للاستثمارات في العالم واصبحت معبرا للتبادل التجاري والاقتصادي بين الدول ومركزا للتجارة في المنطقة العربية والشرق الاوسط، حيث احتلت المركز ال12 عالميا في قائمة جذب الاستثمارات وفقاً لتقرير "الاستثمار العالمي 2017" الصادر عن "مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية" (أونكتاد) حيث حقق تدفق الاستثمارات الاجنبية المباشرة الواردة اليها زيادة هذا العام بنسبة 2.2% إلى نحو 9 بلايين دولار في 2016 مقارنة بـ8.8 بليون دولار في 2015،كما اشارالتقرير الى ان رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر المتجه إلى دولة الإمارات حتى نهاية عام 2016 شكل ما نسبته 16.9 % من إجمالي رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر المتوجه إلى دول غرب آسيا، بينما استحوذت الإمارات على ما نسبته 26.5 % من الإجمالي المتوجه إلى دول مجلس التعاون الخليجي حتى نهاية عام 2016.

وحلّت الإمارات في المرتبة الثانية بعد تركيا في قائمة الدول الأكثر استقطاباً للاستثمار الأجنبي المباشر في منطقة غرب آسيا خلال العام الماضي، بعدما استحوذت على 32.3 % من إجمالي التدفقات الاستثمارية الواردة إلى المنطقة خلال عام 2016 والمقدرة بنحو 27.8 بليون دولار، كما جاءت في المرتبة الأولى على صعيد دول مجلس التعاون الخليجي بعدما استحوذت على نحو 50.2 % من الاستثمارات المتدفقة إليه خلال العام ذاته والمقدرة بنحو 17.9 بليون دولار.

وتعد دولة الإمارات بيئة اقتصادية آمنة ومستقرة وجاذبة لرؤوس الأموال فضلاً عن امتلاكها البنية التحتية المتطورة الداعمة للنمو، ما جعلها وجهة مميزة للاستثمارات الأجنبية، وحرصت الارمارات على تطوير البنية التحتية للبلاد على درجة عالية من الجودة والكفاءة الامر الذي اهلها للحصول على مراكز عالمية متقدمة في مؤشرات التنافسية العالمية في مجال جودة البنية التحتية بمختلف اشكالها .

كما تعمد دولة الامارات العربية المتحدة على تنفيذ مختلف مشاريع البنية التحتية في مختلف المناطق وتحقيق النمو في المناطق عدة

وهذا التطور الحاصل في الخدمات انعكس على مختلف جوانب الحياة في الامارت بشكل ايجابي فمشاريع تطوير البنية التحتية ساهم في تحسين الظروف المعيشية للسكان وتوفير الخدمات الاساسيية وبجودة عالية الامر وفقا للمقاييس العالمية والمواصفات الذي ساهم في نمو الاقتصاد الوطني بشكل مباشر وتحقيق التنمية المستدامة وحازت الدولة على ثقة الجهات العالمية وشكلت عامل جذب للمستثمرين الاجانب الذي راوا في هذه البلاد جميع العناصر التي من شأنها ان تسهل عميلة سير الاعمال .

واظهرت دراسة تحليلية أصدرتها وزارة الاقتصاد الاماراتية لرصد حركة الاستثمار الأجنبي المباشر لمجموعة الدول العربية خلال عام 2016، تصدر دولة الإمارات الدول العربية في ما يتعلق باستقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال العام الماضي، وذلك من خلال استحواذها على ما يعادل 29% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة إلى الدول العربية، مسجلة ما قيمته 9 مليار دولار ، كما تصدرت دولة الإمارات قائمة الدول العربية من حيث استقطابها للمشروعات الاستثمارية الأجنبية الجديدة خلال الفترة من عام 2003 إلى 2016، إذ استقطبت الدولة 4492 مشروعاً استثمارياً أجنبياً جديداً من إجمالي 12 ألفاً و192 مشروعاً استثمارياً جديداً خلال تلك الفترة.

وأكدت الدراسة أن دولة الإمارات تمتلك اقتصاداً تنافسياً عالمياً، إذ تتخذ نحو 25% من أكبر 500 شركة عالمية من الإمارات مقراً لعملياتها الإقليمية، وهو في حد ذاته مؤشر يعكس عوامل الجذب التي تتمتع بها الدولة، ومنها الاستقرار السياسي والأمني، وموقعها الاستراتيجي المتميز، ما جعل منها نقطة وصل بين الشرق والغرب، فضلاً عن توافر بنية تحتية وتشريعية متطورة ومتقدمة تكنولوجياً، وتطور الخدمات الحكومية، واستحداث الحكومة الذكية، وسهولة العمليات المالية والمصرفية، وشفافيتها العالية، والإعفاءات الجمركية، وإمكانية تحويل الأرباح بنسبة 100% إلى الخارج، لافتة إلى أن فوز دولة الإمارات باستضافة "إكسبو 2020" في دبي، زاد من عوامل الجذب التي تتمتع بها الدولة.