على الرغم من هدوء العاصفة التي رافقت إقرار السلة الضرائبية الجديدة بداية الشهر الجاري وذلك بهدف تمويل سلسلة الرتب والرواتب، إلا أن التحذيرات من تداعيات هذه الخطوة الإنتحارية لم تختفي بعد خاصة مع تحذير البنك الدولي من إرتفاع العجز في المالية العامة للدولة العام القادم، بسبب تخطي تكلفة السلسلة والإنتخابات النيابية المقبلة للإيرادات، وتخفيض صندوق النقد الدولي لتوقعاته بشأن نمو الإقتصاد اللبناني في العام الحالي إلى 1.5%، مقارنةً بـ2.0% كانت متوقعة في تقرير سابق.

وتوقع صندوق النقد ان يحقق لبنان نمواً اقتصادياً حقيقياً بنسبة 1.5% في العام الحالي و2.0% في العام 2018 (مقارنةً بـ2.5% و3.0% في العام 2022).

بالتوازي، توقع تقرير البنك الدولي ان يستمر التراجع في عجز الحساب الجاري خلال الفترة المقبلة من 18.6% من الناتج المحلي الاجمالي في العام 2016 (مقابل 16.0% كانت مقدرة في نسخة نيسان من تقرير البنك) الى 18.0% في العام 2017.

أما البنك الدولي، فعلى الرغم من إشادته بتحسن الاوضاع السياسية والامنية في لبنان والتي تجلت بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة وحدة وطنية واقرار قانون الشراكة بين القطاعين الخاص والعام وقانون سلسلة الرتب والرواتب الذي طال انتظاره، إلا أنه توقّع صعوبات كبيرة على الصعيد المالي. فقد قال التقرير ان تكلفة سلسلة الرتب والرواتب والانتخابات النيبابية القادمة ستتخطى الزيادة في الايرادات مما سوف يؤدي الى زيادة العجز في المالية العامة من 9.2% من الناتج المحلي الاجمالي في العام 2017 الى 9.6% في العام 2018.

فما هي تداعيات الضرائب الجديدة على الإقتصاد الوطني وعلى الطبقتين الوسطى والفقيرة في لبنان؟ وهل تحذيرات المؤسسات الدولية في مكانها ؟ ما سبب وصول تكلفة الانتخابات النيابية القادمة إلى 50 مليون دولار أميركي على الرغم من إيقاف البطاقة الممغنطة؟ وهل تعليق مصرف لبنان للقروض المدعومة له علاقة بالوضع المالي في البلاد؟ ... أسئلة كثيرة أجاب عنها مدير "معهد المشرق للشؤون الإستراتيجية والإقتصادية" د. سامي نادر في هذه المقابلة مع "الإقتصاد".

بداية، كيف ستنعكس السلة الضرائبية الجديدة على القدرة الشرائية والأوضاع المعيشية للبنانيين ؟

لا شك أن للضرائب تأثير ووقع كبير على المواطنين اللبنانيين جميعا، وخاصة الطبقتين الوسطى والفقيرة .. فالضريبة على القيمة المضافة تطال الجميع على الرغم من ان بعض السلع لا تطالها الضريبة، ولكن الحليب مثلاً غير مستثنى، كما أن الضريبة على الكحول المستورد تطال الجميع أيضاً، فمن قال أن الموظف والعامل اليومي لا يشتري الكحول ؟ .. فالطريقة التي تفكّر فيها السلطة السياسية الحاكمة غير منطقية وغير واقعية.

من جهة أخرى الرسوم التي تم إضافتها على كتاب العدل، وعلى الطوابع، وعلى الخدمات الإدارية الأخرى، كالحصول على إخراج قيد وغيره من الأمور .. تطال المواطن بشكل مباشر، أضف إلى ذلك الضرائب التي فرضت على البنوك، والتي ستنعكس على الخدمات المصرفية التي تقدمها البنوك لعملائها.

إذا الضرائب تطال المواطنين بشكل مباشر وستؤثر على قدرتهم الشرائية بشكل كبير جداً، فالدولة تصرفت بشكل بدائي إذا صح التعبير مع ملف السلسلة، وإعتبرت أن فرض ضرائب جديدة سيزيد من مداخيل الدولة، في حين أن العكس هو الصحيح، ففرض ضرائب غير مباشرة بهذه الطريقة العشوائية وفي ظل الظروف الإقتصادية الحالية، سينعكس بشكل سلبي على القدرة الشرائية للمواطنين، وبالتالي على حركة الأسواق وعلى الحركة الإقتصادية بشكل عام، وهذا الأمر قدّ يخفّض من مداخيل وإيرادات الدولة بدلاً من أن يزيدها.

يجب أن ننظر إلى الدول الأخرى وكيفية تصرفها في مثل هذه الحالات، فالدول المتقدمة تخفف من نسب الضرائب في ظل الأوضاع الإقتصادية الصعبة، فدونالد ترامب مثلا خفض الضريبة على الشركات من 35% إلى 20% لتشجيعها على الإستثمار وخلق فرص عمل في السوق، وكذلك الرئيس الفرنسي ماكرون الذي صرّح بأنه سيتخذ إجراءات لإراحة الشركات في البلاد لاسيما الشركات الصغيرة والمتوسطة.

من جهة أخرى، خلقت الدولة مشكلة جديدة ستظهر في الأشهر القليلة المقبلة، وهي الفروقات الكبيرة بين رواتب القطاع العام ورواتب القطاع الخاص، فموظف القطاع الخاص تلقى ضربة كبيرة جداً دون أي زيادة على راتبه.

هل تحذيرات المؤسسات الدولية في مكانها ؟ وماذا عن توقعاتها فيما يخص نسب النمو ؟

لا شك ان التوقعات والتحذيرات في مكانها، فهذا "عِلم" وهذه التوقعات والتحذيرات لا تأتي من فراغ .. فعجز الخزينة وتراكم الدين سيؤثر بدون شك على الوضع النقدي في البلاد.

عجز الخزينة الدولة وصل إلى 10.2% قبل سلسلة الرتب والرواتب، ولا شك انه سيرتفع بشكل اكبر بكثير بعد إقرار السلسلة. ولا يمكننا الإستمرار على هذا النحو حيث ان الدين العام ينمو بنسبة 5% سنوياً، في حين ان الإقتصاد ينمو بنسبة 1% وهذا يعني ان إقتصادنا يتجه نحو الإفلاس لا محالة.

من هنا تأتي تحذيرات المؤسسات الدولية، فهم يدقون ناقوس الخطر، ويقولون لنا بأنه لا يمكن الإستمرار في وتيرة العجز المرتفعة وإقتصادنا في المقابل بحالة شبه ركود.

هل تعليق مصرف لبنان للقروض المدعومة له علاقة بالخوف على الوضع المالي برأيك ؟

سمعنا الكثير من التحليلات والتعليقات على هذا القرار الذي أصدره مصرف لبنان، ولكن أنا أعتقد ان سبب إتخاذ هذا القرار هو إستغلال البعض للتسهيلات التي يقدمها المركزي من خلال القروض المدعومة من أجل عمليات الدولرة أومن أجل الإستثمار في الدولار.

فقد زادت عمليات تحريف وإستغلال هذه القروض والإستفادة منها في غير الأماكن التي يستهدفها مصرف لبنان، ومن هنا جاء هذا القرار لتصحيح المسار من جديد.

وسيصدر البنك المركزي مرسوماً جديداً في وقت قريب لتوضيح الأمور، وتحديد شروط الإستفادة من هذه القروض المدعومة بشكل أكثر دقّة.

تفيد المعلومات بأن تكلفة الانتخابات النيابية المقبلة ستتخطى الـ 50 مليون دولار (إرتفاع بحوالي 42 مليون دولار مقارنة بإنتخابات عام 2009) ... ما سبب هذا الإرتفاع على الرغم من إلغاء البطاقة الممغنطة؟

لا شك ان هذا الأمر هو فضيحة كبيرة، فالتحجج بالقانون الإنتخابي الجديد هو امر غير مقنع، خاصة أنه تم إلغاء البطاقة الممغنطة .. لذلك أعتقد أن هذا الأمر هو فضيحة جديدة تضاف إلى الفضائح الكثيرة الموجودة.

نفقات الدولة تضاعفت منذ العام 2008 حتى اليوم، في حين ان إقتصادنا في حالة تراجع، وهذا يعني أن هناك غياب كامل للمسؤولية من قبل السلطة الحاكمة، فكل وزارة قادرة على تخفيض نفقاتها على الأقل بنسبة 5% مما سيؤمن وفراً ويضبط الإنفاق ولو بشكل جزئي، كما يمكن التوجه نحو مكامن الهدر والفساد المعروفة للجميع ... فهل المطلوب فقط إقرار القوانين والتصويت عليها دون تطبيقها؟ أين أصبح قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص؟ ولماذا لا يتم تطبيقه الأن في ملف الكهرباء مثلاً؟