وُلد رائدا وأثبتت بالفعل ريادته الحقيقية مع تقدّم السنوات، وذلك من خلال التصميم، الثقة بالنفس، المعرفة، حسن الاطلاع، المخاطرة، والحماس؛ فبات بالفعل اسما على مسمّى.

طموحه لا محدود... عزيمته لا تكلّ... إرادته صلبة كالصخر... ورؤيته مميزة ومجدية... فهو وضع لنفسه أهدافا مهنية وحياتية، بذل كل ما يستطيع من جهد لتحقيقها، عمل على تنفيذ خططه دون تأجيل، ثابر على النجاح ولم يستسلم يوما مهما اشتدّت الصعاب، كما تعلّم من تجاربه الفاشلة واعتبرها خطوات تقوده الى النجاح، فأكد أن استغلال الفرص هو أساس ريادة الأعمال.

يمكن وصف مسيرة رائد الترك بحكمتين للرئيس الافريقي السابق نيلسون مانديلا، الأولى هي أن "الرؤية من دون تنفيذ مجرّد حلم والتنفيذ من رؤية مجرّد مضيعة للوقت، أما الرؤية والتنفيذ مجتمعان، فمن الممكن أن يغيّرا العالم". أما الثانية فهي: "الحكمة في هذه الحياة ليست في التعثر، إنما في الوقوف مجددا بعد كل مرّة نتعثّر فيها".

الترك يتحدّر من عائلة لها مركزها واسمها وسمعتها المميزة في لبنان، فوالده المحامي الدولي عماد الترك، هو ابن الحقوقي سليم بك الترك، أحد مؤسسي دولة لبنان الكبير، وواحدا من القانونيين الخمسة الكبار الذين ترجموا الدستور الفرنسي وعدّلوا فيه بعض المواد من أجل صياغة أول دستور للبنان. أما والدته فهي السيدة ثناء اللبّان، ابنة القنصل الأول للسفارة اللبنانية في مصر - والصديق الشخصي للرئيس جمال عبد الناصر - والناشطة الاجتماعية المهتمة بالمؤسسات الانسانية والخيرية والثقافية.

فلنتعرّف معا الى مسيرة رئيس مجلس إدارة "التجمع الدولي للاستشارات"، رائد الترك، في هذه المقابلة الحصرية مع "الاقتصاد":

- كيف تصف مسيرتك المهنية الطويلة والغنية بالأحداث؟

لا يمكن وصف مسيرتي المهنية بالطويلة لأني لا أزال في مقتبل العمر، لكنها حتما مليئة بالأعمال.

- أين كانت البداية؟ وما هي المراحل التي مررت بها حتى وصلت الى ما أنتَ عليه اليوم؟

بدأت تحصيلي العلمي في مدرسة "IC"، ثم أرسلتني العائلة الى العاصمة البريطانية لندن لإنهاء دراستي هناك. وفور عودتي الى لبنان، تابعت المرحلة الجامعية في "الجامعة الأميركية في بيروت"، "AUB"، وسافرت بعدها الى مدينة مونترو السويسرية للتخصص في إدارة الفنادق في جامعة "HIM". كما تابعت دراساتي العليا في العلوم الاجتماعية والسياسية في جامعة "AUST"، وتخرجت بعدها من "AUCE" بشهادة في الإدارة والتسويق.

بدأت مسيرتي عمليا ومهنيا في العام 1998 في لبنان، اذ كنت لا أزال طالبا جامعيا عندما عملت في تجارة الألبسة، مع صديق أرمني من منطقة برج حمود. وبعد فترة قصيرة، أصبحنا شركاء، لأنني فتحت سوقا جديدا في شارع الحمرا في بيروت؛ وهذه التجربة كانت بمثابة فرصة جميلة جدا بالنسبة لي.

في تلك المرحلة، كنت قد تخرجت من الجامعة وبدأت بالعمل. وبالتوزاي مع تجارة الألبسة، دخلت الى عالم العقارات وأسّست شركة متخصصة في التجارة العقارية اسمها "التمدين العقارية". واستفدت كثيرا من علاقات والدي كونه محام للسفارة الكويتية وعدد من السفارات ورجال الأعمال، بالاضافة الى العلاقات التي بنيتها بنفسي مع الأمراء والشخصيات الخليجية خلال فترة تواجدي في لندن.

ففي نهاية التسعينات، معظم المستثمرين في لبنان كانوا من الخليجيين، وبالتالي استثمرت بهذه العلاقات، وبدأت بتجارة العقارات. وبعد أن توفي شريكي في تجارة الألبسة، توقفت عن هذا العمل، وأكملت عملي العقاري لكونه مربح أكثر. لكنني أرى اليوم أن تلك الخطوة كانت غير مناسبة، لأنه لا يجب التخلي عن عمل ناجح بسبب المكسب المالي فحسب؛ فوالدي يقول لي دائما: "لا تضع كل أموالك في جيب واحد".

في تلك الفترة، ركزت على تحصيلي العلمي، لأنني أعشق القراءة، وبدأت بالقيام بالبحوث والدراسات حول العولمة والثورة المعلوماتية وصراع الأمم وغيرها من المواضيع الاجتماعية، السياسية، والاقتصادية، وهذا الأمر أخذت حيزا كبيرا من وقتي.

ذات يوم، طلب مني الصحافي السعودي هشام الحافظ - وهو من كبار الاعلاميين في المنطقة، وأحد مؤسسي جريدة "الشرق الأوسط"، ومجلة "المجلة"، وعدد من القنوات التلفزيونية – أن أشاركه في تأسيس مجلة، فأطلقنا معا مجلة "الساعة 25" الانتقادية التي كانت تحوي كبار الكتاب في العالم العربي مثل عماد موسى، ابراهيم سلامة، غازي قهوجي، وغيرهم، والتي كانت تقدم الرأي السياسي في قالب فكاهي وساخر وناقد.

بدأنا في الأعداد التجريبية، وكان من المفترض أن تصبح المجلة في الأسواق بعد 10 أيام من اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ولكن بسبب كل الأحداث الحاصلة حينها، أوقفنا الطبع. لكنني اكتسبت خبرة رائعة من هذه التجربة الغنية.

وقبل أحداث 2005 بأشهر، افتتحت مطعم "قال وقيل" في منطقة الروشة، لكن عمل المطاعم يتطلب الكثير من الوقت والجهد، وكنت قد وجدت حينها فرصة للمشاركة في عمل في السعودية، لذلك قررت إغلاقه والتوجه الى هناك، مع العلم أنه لم يفشل رغم كل الظروف المحيطة.

سافرت الى السعودية، وركزت اهتمامي في تلك المرحلة على شركة "FCI" (Full Circle Image)، المتخصصة بإعادة تصنيع الكومبيوتر وتعبئة المحابر، والتي كانت على شفير الإفلاس. فعرض عليّ رئيس الجالية اللبنانية في السعودية سمير كريدية أن أدخل معه كشريك إداري بنسبة 20% من أجل إعادة إحيائها من جديد. فقمت بدراسة أوضاع الشركة، وتمكنا خلال حوالي أربع سنوات من إعادتها الى الربحية، حتى أصبحت من أهم الموردين لمعظم الجامعات، اذ أضفنا اليها وكالات جديدة، وغيّرنا اسمها من "FCI" الى "CRC".

اضافة الى ذلك، افتتحت عملا آخر في السعودية، في مجال إعادة إحياء الشركات، وبدأت بتقديم الاستشارات حول الجدوى الاقتصادية، وخطط العمل، والإدارة،... الى أن تذكرت أن شقيقي كان قد أنشأ بالفعل شركة "التجمع الدولي للاستشارات"، "GCG" (Global Consulting Group)، ووضعني مساهما فيها بنسبة بسيطة، لكن العمل لا يسير على السكة الصحيحة. فقررت إعادة هيكلتها وإحيائها، لكي أعمل تحت غطائها، من أجل حماية حقوقي.

لهذا السبب عدت الى لبنان، واشتريت المزيد من الأسهم في الشركة، كما افتتحت فرعا لها في السعودية تحت اسم "كفيل"، وبدأت بالعمل، فأصبحت مستشارا ومدققا (business auditor) لشركات عدة، من أجل متابعة سير الأعمال وخطة العمل الموضوعة. وبات لدي عدد من الموظفين الذين يراقبون سير هذه الخطة، ويبحثون عن إمكانية تطبيقها أو تعديلها أو تغييرها.

بعد فترة، بدأنا بإحضار الوكالات وبيعها، بسبب علاقتي الطيبة مع رئيس غرفة التجارة والصناعة الصينية - الايطالية أوسكار باريزي، التي تعنى بكل الصناعات الايطالية المصنعة في الصين. وبموجب ذلك، تعاملت معه، وأصبح شريكي، فأعطيته اسم "GCG"، وبات لدي فرعا إضافيا في ايطاليا.

تطور العمل مع مرور الوقت، وأصبحت أبيع الوكالات في لبنان، الخليج، مصر،... وشاءت الظروف أن ألتقي بأحد اللبنانيين المقيمين في بولندا، فاتفقت معه على استجلاب الوكالات من بولندا وبلغاريا وعدد من الدول الأخرى.

ومؤخرا، أعمل على إطلاق شركة "My Parking"، المتخصصة بإصلاح السيارات، وبمرافق وقوف السيارات ((parking elevator. وهي إحدى الوكالات التي عرضت علي لبيعها.

لكنني أسعى الى التروي في الوقت الحاضر، لكي تكون خطواتي ثابتة وناجحة. فللأسف لا يمكن في لبنان الحصول بسهولة على ترخيص من البلديات، حتى ولو كانت الأمور القانونية تسير على السكة الصحيحة، خاصة أن هذا النوع من المواقف لا يتمتع بصياغة قانونية بعد، بل يعطونه تبريرا قانونيا. لهذا السبب أقوم بالتحضيرات والشراكات اللازمة، لكي أتمكن من المحافظة على استمرارية عملي.

مع العلم أن الترخيص القانوني المطلوب يسمى بـ"مرآب آلي"، لكننا نسعى الى تثبيت هذه الصياغة لكي تصبح أمرا واقعا تلتزم به البلديات كافة.

وسنبدأ بالعمل في لبنان بعد أقل من ثلاثة أشهر، مع العلم أن الأعمال تسير جيدا في كربلاء، والوسطى، والنجف، وبغداد، في العراق.

- الى أي مدى يساعدك اسم عائلتك على التقدم في مسيرتك؟

أنا لم أبدأ من الصفر، بل من المرحلة 10 أو 20، أو حتى 70 في بعض الأحيان، وذلك بسبب الرصيد الذي حصلت عليه من عائلتي.

فسمعة عائلتي الجيدة تعطي عامل ثقة أكبر، وهذا الأمر ساعدني في خطواتي نحو النجاح. لكنني حققت الباقي بمجهودي الشخصي، لكي أثبت أنني مثل سائر أفراد العائلة.

- كيف تصف نفسك اليوم كرجل أعمال؟ ما هي المقومات والصفات التي أسهمت في نجاحك المهني؟

لا يمكنني التكلم عن صفاتي الخاصة، لكن أستطيع القول أن هناك عوامل عدة ساعدتني في مسيرتي، وسمعة عائلتي الجيدة هي واحدة منها.

كما أن ظروفي الحياتية كانت مشجعة، اذ حصلت من خلالها، على نوع الخبرات التي خلقت لي عيونا مختلفة عن تلك الموجودة في الوجه. فالمصائب التي وقعت فيها، زادتني معرفة، وأتاحت لي التمييز ما بين الصديق الحقيقي والوهمي، لكي أتمكن من إدراك الصواب، وعدم الانجرار بالظواهر الشكلية والكلام المعسول. فأصبحت قادرا على تقدير الأشخاص وتقييمهم بطريقة سابقة لعمري.

من جهة أخرى، واجهت عوائق عدة، منها صحية للأسف، ومنها عملية واقتصادية ومالية، لكنني أشكر الله لأنه ساعدني على الوقوف مجددا، ومواصلة السير الى الأمام.

فالعوائق موجودة في أي مسيرة ناجحة، وهذه التجارب أعطتني خبرة في الحياة، لكي أتعرف بشكل معمّق أكثر على الناس، على السوق، وعلى كيفية التعامل مع الظروف.

- في ظل انشغالاتك وأعمالك الكثيرة، هل تشعر بالتقصير تجاه حياتك الخاصة؟

نحن في صراع دائم مع الوقت، لكن لا يمكن القول أنني أنجح دائما في تنظيم وقتي بشكل صحيح، لأن الظروف تفرض ذاتها أحيانا.

إنما أحاول قدر المستطار الاستفادة من الوقت بأفضل صورة، كما أخصص لنفسي في بعض الأحيان، فترة من النقاهة والغذاء الروحي.

- بالاستناد الى تجربتك المهنية الخاصة، ما هي النصيحة التي تودّ إيصالها الى جيل الشباب اللبناني؟

أنا أحب بلدي الى أقصى الحدود، ومقتنع تماما بأن لبنان مقدم على نهضة كبيرة، ولا بد للشباب أن يتمسكوا به، بسبب الامتيازات الكثيرة التي يتحلّى بها.

فالارتباط موجود دائما ما بين الاقتصاد، والسياسة، والأفراد، وبعض العوامل الأخرى. وأرى في الوقت الحالي، الظروف المتغايرة في سوريا، وداخل الولايات المتحدة، أي عدم صلابة الموقف الأميركي حول الصراعات الداخلية، والاختلاف الحاد جدا ما بين الرئاسة والقاعدة الشعبية والبرلمانية، أضف الى ذلك عدم تلاحم الموقف الأوروبي.

في حين أن لبنان هو جزء من هذا الصراع الشرق أوسطي والعالمي، لذلك فإن هذه الظروف المتغايرة ستفتح أبواب الفرص أمامه، بسبب السرية المصرفية التي يتمتع بها، وثبات قطاعه المصرفي وقوته. كل هذه العوامل، ستمكّنه من أن يكون المركز الأساس والمدخل اللوجستي الى سوريا عندما يحين موعد الانماء.

ولا بد من الاشارة الى أن الفرص كثيرة أمام الشباب، وليس بسبب النفط فحسب. اذ لدينا العديد من الموارد الأساسية التي من الممكن أن تحوّل لبنان الى أحد أهم عواصم العالم.

فالظروف الملائمة كثيرة، كما أن هناك حاجة دولية لبلدنا، والتحضيرات بدأت منذ تشكيل حكومة، وملء الشغور الرئاسي، وإقرار بعض القوانين الملحّة.

وأحد أهمّ المؤشرات أيضا، أن هناك عدد من المحافظ المالية الأوروبية والافريقية والخيلجية، التي ستعود الى لبنان للاستثمار. وهذا الأمر ينبئ بنهضة مالية كبيرة في الأفق، ونستذكر ذلك في الأعوام 1991 و1988 و2000.