أماني الجردي هي "ملكة المسؤولية الاجتماعية" بامتياز، فقد استحقت هذا اللقب عن جدارة، وقدّمت أفضل صورة عن لبنان، إثر مشاركتها في برنامج "الملكة" التلفزيوني الذي يعمل على إبراز إنجازات المرأة العربية الفكرية والعملية على الأصعدة كافة.

عانت في طفولتها من صعوبة في التعلم، فتبنّت هذه القضية وكرّست نفسها ووقتها وخبراتها لتقديم المساعدة النفسية والعلمية للطلاب الذين يعانون من المشكلة ذاتها.

نجاح الشابة أماني الجردي ونشاطها الفعّال في الحقل الانساني أولا والتعليمي ثانيا، فتح أمامها المجال لكي تكون اسما مهمًّا بين سيدات الأعمال اللبنانيات المتميزات

المؤسِسة والرئيسة التنفيذية لعيادات "DYS" للصعوبات التعليمية، وباحثة في الصعوبات التعلمية والتأهيل التربوي، أماني الجردي، خصّت "الاقتصاد" بهذه المقابلة المميزة والمحفّزة:

- من هي أماني الجردي؟ ما هي خلفيتك الأكاديمية؟ كيف قررت تأسيس "DYS"؟

تأسست "DYS" بناءا على قصة شخصية، فخلال فترة المدرسة، كنت أواجه مشاكل عدة مع الأساتذة ومع والديّ، واضطررت حينها لظروف معينة، أن أدرّس أولاد آخرين من أجل الحصول على بعض المدخول الخاص. وبسبب هذا العمل، فهمت نفسي أكثر، اذ صدفت أن تكون إحدى الحالات التي أدرّسها، مشابهة لمشكلتي، أي تعاني من "قصور انتباه وتركيز حاد".

وبالتالي استفدت من هذه الصدفة الى حد كبير، لأنني شعرت أن هذا التلميذ بمثابة مرآة بالنسبة لي، لذلك بدأت بالقراءة عن حالتي ، وفهمت نفسي أكثر فأكثر من خلال الأبحاث التي قمت بها، والنتيجة كانت أنني أعاني من هذه المشكلة، والأشخاص من حولي لا يعلمون بها.

لذلك أسست مركزا للدروس الخصوصية منذ حوالي 10 سنوات، ومن خلال التدريس، شعرت أن بعض هؤلاء التلاميذ لا يعانون من مشاكل أكاديمية بل لديهم بعض الصعوبات بالتعلم، وبالتالي فإن الإعادة والتكرار والدروس الخصوصية بعد الظهر لن تفيدهم أبدا.

وشاءت الظروف في تلك الفترة، أن أتعرّف على صبية، أصبحت بعد فترة صديقتي، ومن ثمّ شريكتي في العمل، فأسسنا معا منذ حوالي سبع سنوات، عيادات لتشخيص علاج الصعوبات التعلّميّة. ومن خلال العمل مع الأولاد، شعرنا أن هذا الأمر لا يكفي، لأنهم بحاجة الى مدرسة متخصصة بهذه الصعوبات، تتبع منهجا استثنائيا. لذلك أسسنا منذ حوالي أربع سنوات، مدرسة "DYS" المتخصصة بالصعوبات التعلمية.

- ما هو مركز "DYS"؟

"DYS" هي مدرسة تعنى بالصعوبات التعليميّة في لبنان، وتهتم بالطلاب ذوي الصعوبات التعلمية، كما تركز على ثلاثة أطراف أساسية: هي المدرسة والأهل والتلميذ. وبالتالي تستقبل الطلاب وتشخص حالاتهم؛ فكل طالب هو حالة مستقلة بحد ذاتها، نؤمن لها برنامجها الخاص وعلاجها الخاص.

وتهتم "DYS" الى جانب ذلك، بنشر التوعية للأهالي والتربويين لمساعدتنا في مراقبة الطلاب في أوقات عدم تواجدهم في المركز، وذلك من خلال العديد من النشاطات التي نقوم بها من حينٍ لآخر.

- من قدم لك الدعم الأكبر خلال مسيرتك؟

وجدت في داخلي حافزا شخصيا يدفعني الى تحقيق أهدافي. ففي كل مرحلة من حياتي، حاولت الاتكال على أمر ما أو على أحد ما.

في البداية، اتّكلت علي شقيقي الذي شاركني في تأسيس مركز الدروس الخصوصية. ومن ثمّ طورت العمل شيئا فشيئا، فانتقلت الى مرحلة العيادات مع شريكتي في العمل وصديقتي مهى. والمرحلة الثالثة، وهي المدرسة المختصة، فاستلزمت الحصول على قرض شخصي من المصرف.

- كيف تمكنت من توعية الأهل على هذه المشكلة التي قد يعاني منها أولادهم؟

أسسنا جمعية تعنى بالتوعية من خلال برامج وندوات وورش عمل وإعلانات، وتمكنا من خلالها، من تحقيق تغييرات جذرية. فقد نظمنا المؤتمر الأول برعاية رئيس الحكومة، والمؤتمر الثاني برعاية وزير التربية، كما تمكنا من ايصال لبنان للمشاركة في مؤتمر الاردن، وتمّ اختيارنا بين أفضل 10 أعمال تجارية في لبنان.

- كيف تصفين نفسك اليوم كسيدة أعمال؟

أنا أهتم بصورتي عن نفسي، كما أستمع الى صوتي الداخلي الذي ولد معي، والذي يخبرني دائما أنني لا أستطيع الاستراحة، بل علي دائما المواظبة والمثابرة على العمل.

فالظروف الحياتية قد تحتضن هذا الصوت وتدعمه ليصبح أقوى، أو قد تهدمه ليصبح أضغف. وأنا شخصيا تعرضت الى ظروف عدة في طفولتني المتقلّبة، دفعتني الى رفع الصوت.

- ما هي الصعوبات التي تواجهك في مسيرتك المهنية؟

الصعوبات ليست كثيرة، في حين أن التحديات والفرص أكبر منها بكثير.

لكن بعض الصعوبات تكمن أولا في ذاتي، عندما ينخفض صوتي الداخلي، وثانيا، في كوني امرأة تربي ابنها بمفردها، وبالتالي تتحمل المسؤولية الكاملة. فهذه العائلة المكونة من أم وابن فقط، قد تشكّل صعوبة في بعض الأحيان.

- كيف حققت التوازن بين حياتك الخاصة وعملك؟

لم أنجح في حياتي الخاصة كثيرا، ولعلني فشلت، انما نجحت بأن أكون أم، ولعل ما علي الاعتراف به هو أني أصبحت أما مع الوقت، وليس عند ولادة ابني.

في الماضي، لم أكن قادرة على تحقيق هذا التوازن، حتى شعرت في يوم من الأيام بهذه القدرة. فعندما أصبح ابني شريكي في كل شيء، بات بمثابة صديقي في الحياة، في العمل، في المنزل. وعندما تحولت العلاقة من أم لابنها، الى شريكين وصديقين في المنزل، أصبحت عجلة الأعمال تسير بشكل أفضل وأسرع.

فابني يلهمني على الدوام، وقد ساعدني على تحقيق هذا التوازن في حياتي.

- ما هي مشاريعك وطموحاتك المستقبلية؟

أولا، نعمل في الوقت الحاضر على برنامج تلفزيوني خاص حول الصعوبات التعلمية عند الأطفال.

ثانيا، نأمل الحصول على الموافقة الكاملة من الأمم المتحدة، للمشروع الذي قدمناه، والهادف الى مساعدة اللاجئين السوريين في لبنان، الذي يعانون من الصعوبات التعلمية.

ثالثا، أتمنى أن تصبح "DYS" مرجعية عالمية للاستشارات في الصعوبات التعلمية، وأن نتوسع الى خارج الوطن العربي.

- كيف تقيمين حالة المرأة في لبنان اليوم؟

تقدمت المرأة حتما، والسبب الأهم هو تغيير صورتها عن ذاتها. فأنا لم أصدق يوما أن الرجل هو من يشكل العائق أمام المرأة، بل لطالما اعتبرت أن المرأة تشكل العائق الوحيد أمام نفسها.

اذ أن هذه "البرمجة" الذي تربّت عليها، رسّخت في اللاوعي لديها، فكرة أنها أقل من الرجل؛ ففي التربية الشرقية "تتبرمج" الفتاة منذ عمر صغير على حقوق وواجبات ليست حقيقية بالفعل.

لذلك، فإن المرأة تشكل العائق الأكبر أمام نفسها، وهذا ما قلته في برنامج "الملكة"، وأهديت هذا اللقب الى المرأة اللبنانية، والأم العربية بشكل خاص، لكي تعرف كيف تخرج من "برمجتها" وتتحرر.

- الى أي مدى ساعدك برنامج "الملكة" على التقدم؟

التقدم ليس نابعا من أي شيء في الحياة، بل إن الصوت الداخلي هو العامل الوحيد الذي يدفعنا الى الأمام، والشهادة الذاتية عن أنفسنا تساعدنا حتما على التقدم.

لكن بالطبع، نجد أحيانا بعض الأمور المسهّلة، والتي تسهم في رفع هذا الصوت، وتثبيت هذه الصورة. وبرنامج "الملكة" ذكرني بالإمكانيات التي أنعم علي الله بها، وشجعني على الاستمرار، لأن المجتمع بحاجة الينا من أجل بناء مستقبل أفضل.

وهذه القدرات موجودة في داخل كل امرأة، ولكن ما يهم هو ما تراه بنفسها، وما تبحث عنه في نفسها، وما تريده من نفسها.

فنحن لدينا واجبات تجاه أولادنا، ويجب أن نحقق خلال مسيرتنا الحياتية إنجازا ما، مهما كان صغيرا، لكي يصبح هذا العالم مكانا أفضل.

ما هي نصيحة أماني الجردي الى المرأة؟

أٌنصحها أن لا تسمح لسلطة الاعلام بأن تغير ما تراه. فعلى المرأة أن تتعمق أكثر، لترى طبقة ثانية لم تسمح لها وسائل الاعلام بأن تراها. فهذه السلطة تضرّ بواقع المرأة، و"تبرمجها" أيضا بشكل سيء للغاية، لأنها تدخل صورا في رأسها حول مظهرها وملابسها وطريقة كلامها.

لذلك يجب أن ترسم المرأة الصورة التي تراها عن نفسها، وتدخل الى العمق لكي تركز على أمور جوهرية أكثر؛ وهي حقيقتها التي تشبهها.

أقول لها: "لا تسمحي لسلطة الاعلام ولبرامجها وإعلاناتها والرسائل المموهة التي تنشرنها، بأن تزرع في عقلك الأمور السطحية، بل حافظي على ذكائك النقدي الذي يمنع هذه الصورة ويرفضها، واحملي القلم والورقة، واعملي على نحت صورتك عن نفسك بنفسك".