يعقد ​مجلس النواب اللبناني​ جلسة ظهر الاثنين، من أجل التصويت على مشروع القانون المعجّل المكرّر المتعلّق ​ب​الضرائب​،​ والذي أقره مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة.

فبعد أن علّق المجلس الدستوري قانون الضرائب الذي أقرّه البرلمان في تموز الماضي، شهدنا على عودة موجة كبيرة من الاحتجاجات، والاعتصامات، والتظاهرات النقابية الى الشارع، وذلك بسبب فقدان الإيرادات لتمويل السلسلة وزيادة الرواتب والأجور لموظفي القطاع العام - التي كان قد أقرّها البرلمان بالتزامن مع إقرار قانون الضرائب - والتخوّف من عدم دفع رواتب شهر أيلول بحسب القانون الجديد.

لكن الحكومة نجحت أخيرا في التوصّل لمشروع قانون يتضمّن التعديلات الضريبية اللازمة، ما ينبئ بانتهاء أزمة دفعت بعدد كبير من العاملين في القطاع العام إلى الإضراب.

هل سنشهد على نهاية لجدل طويل وأزمة تتفاعل منذ سنوات عدة؟ ما هي تأثيرات التعديلات الضريبية الجديدة على المواطن اللبناني بشكل عام؟ هل ستتأثر القدر الشرائية؟

هذه الأسئلة وغيرها أجاب عليها رئيس دائرة الأبحاث في بنك لبنان والمهجر مروان مخايل في هذه المقابلة الخاصة مع "الاقتصاد":

- ما رأيك بالقرار المفاجئ لمصرف لبنان بتجميد العمل بآلية منح القروض المدعومة؟ هل يثير هذا الأمر مخاوف على الوضعين المالي والنقدي؟ وما هي أسبابه؟

كل ما في الأمر، أن الأموال المخصصة لمنح القروض المدعومة للعام 2017 نفذت قبل نهاية العام، ولهذا السبب جمّدها مصرف لبنان.

وبالتالي لا توجد تداعيات أم تأثيرات، والأمر بسيط للغاية، وهو أن الأموال قد نفذت مما أدى الى توقّف الدعم خلال السنة الجارية، ومن الممكن أن يتم تخصيص مبلغ معيّن في العام المقبل، مع العلم أنه من المفترض على الحكومة أن تقوم بهذه الخطوة، ولكن بسبب غياب الحكومات خلال المرحلة الماضية، وغياب الاستقرار في الوضع السياسي، كان مصرف لبنان يقوم بهذه الخطوة لدعم الاقتصاد.

- ما رأيك بالتعديلات الجديدة على قانون الضرائب؟ وما هي انعكاسات فرض حوالي 15 ضريبة على المواطن العادي؟ هل سيتأثر الوضع الاقتصادي وهل ستتراجع القدرة الشرائية؟

بالطبع توجد انعكاسات كبيرة على القدرة الشرائية، لأنه تم اعطاء سلسلة الرتب والرواتب للقطاع العام، في حين أن إيراداتها ستؤمَن من كل الشعب اللبناني، مع العلم أن هناك شريحة كبيرة من المواطنين الذين لم تطالهم هذه الزيادات.

لذلك من الطبيعي أن نشهد على تأثيرات واضحة على الاقتصاد ككل وعلى الشعب ككل. فإعطاء السلسلة يتطلب الحصول على ايرادات، لأن افتقادها سيدؤي الى زيادة العجز في خزينة الدولة وارتفاع الدين العام، ولهذا السبب لا بد من إقرار الضرائب.

لكن، كان من الأفضل لو لم تكن تلك الضرائب موزعة ومشعّبة لهذه الدرجة، اذ أنه كان من المفترض أن يتم تجميعها، وحلّ مشكلة الازدواج الضريبي، ووضع سياسة ضريبية معينة – مع العلم أن السياسة الضريبية موجودة في بعض الضرائب المفروضة، في حين أن هناك ضرائب أخرى تتعارض مع اتفاقية الشراكة الأوروبية، في ما يتعلق مثلا برسم الاستهلاك على استيراد الكحول؛ فكل الحكول المستوردة من أوروبا تخضع لاتفاقية الشراكة. وبالتالي يجب أن تكون ضريبة الاستهلاك مفروضة على المنتجات المستوردة والمنتجات المصنعة محليا، ولكن عندما يتم حصرها بالاستيراد تصبح متضاربة مع اتفاقية الشراكة لأن هذه الأخيرة كانت تنص على أنه ليس من المفترض أن يتمثل انعكاس أي ضريبة، في ارتفاع في الجمارك. لذلك اذا أرادوا فرض ضريبة على الكحول، يجب أن تتمثل في الضريبة على القيمة المضافة (TVA).

ولكن كنت أتمنى لو كانت الضرائب محصورة بجانبين أو ثلاث جوانب، لأننا نعيش في ظل وضع اقتصادي صعب، ومن جهة أخرى لا تستطيع الدولة تحمل زيادة الرواتب دون زيادة الضرائب. انما كان من الممكن أن تكون زيادة الرواتب مقرونة مع إعادة هيكلة للقطاع العام، لأنه لا يمكن زيادة رواتب هذا القطاع دون التحسين إنتاجيته؛ وهذه الانتاجية لا تتحسن اذا تم رفع ساعات العمل فقط.

ففي لبنان لدينا حوالي 60 ألف أستاذ يعملون في القطاع العام، ويتراوح عدد التلاميذ لكل أستاذ حوالي 6 أو 7؛ دون احتساب التلاميذ من النازحين السوريين. بالاضافة الى ذلك، فإن مستوى المدرسة الرسمية منخفض، وبالتالي نواجه مشكلة جوهرية في هذا الخصوص. لهذا السبب، كان من المفترض أن يتم تخفيض عدد الأساتذة الى النصف على الأقل، وزيادة الرواتب حينها. فالتعليم أمر أساسي، لأنه عندما يكون مستوى المدرسة الرسمية جيدا، ويتم العمل على اجراءات لاعادة هيكلة القطاع، يمكن حينها وضع الضرائب على الشعب في أماكن أخرى، لأنه عند تأمين تعليم رسمي ذات مستوى جيد جدا، سينقل الأهل أولادهم، ويحرّرون بذلك قسما كبيرا من مدخولهم، والذي يتمثل بأقساط المدارس الخاصة.

- كما أن موظفي القطاع العام يقبضون مخصصات للتعليم؛ فماذا يمكن القول عن دولة غير مؤمنة بالتعليم الذي تؤمنه، وتعطي موظفيها مخصصات لوضع أولادهم في المدارس الخاصة؟

يجب على الأقل أن تلغي كل مخصصات التعليم، لكي يضع الأهل أولادهم في المدارس الرسمية.

لذلك تجدر الاشارة الى أن رفع الرواتب لا يكافح الفساد، لأن الموظف الفاسد سيبقى فاسدا مهما رفعنا من أجره.

- كيف تقيّم الوضع الاقتصادي بشكل عام مع انتهاء الربع الثالث من العام 2017؟ وما هي توقعاتك للربع الأخير؟

أولا، الوضع الاقتصادي ككل هو أفضل من ما كان عليه في الماضي الى حد ما، لكنه التحسن ليس ملحوظا لأن القطاع الخاص والشركات الخاصة لا تزال تعاني بشكل جدي من ضعف النمو.

فقد شهد لبنان على تحسن من ناحية عدد السياح، لكن الانفاق السياحي لم يرتفع. وبالتالي عندما يزيد العدد بنسبة كبيرة، لكن لا تتبعه زيادة بنفس المستوى في الانفاق السياحي، لا يكون الانعكاس على الاقتصاد على قدر التطلعات، وليس بالقدر الكافي لتحريك العجلة الاقتصادية.

والبرهان على ذلك، أننا خلال شهري تموز وآب، شهدنا على فائض في ميزان المدفوعات لكنه كان خجولا. في حين أنه خلال السنة بكاملها وحتى نهاية آب، لا يزال لدينا عجز في ميزان المدفوعات بحوالي 600 مليون دولار. وهذا مؤشر على غياب الثقة الكاملة في البلد، وغياب الاستثمار أيضا.

لذلك لا يمكن أن نبقى مكتوفي الأيدي، ولكي نتمكن من استقطاب الاستثمارات من خارج البلاد، يجب تأمين الثقة، ولتحقيق هذه الغاية يجب أن نقوم بالاصلاحات من ناحية البنية التحتية، والقوانين التي تحسن بيئة الأعمال، ووضع القضاء، والأمور البديهية مثل المياه والكهرباء.

وهذه الاصلاحات لا تكلف الدولة الأموال، لكنها بحاجة الى الارادة والى الاتفاق السياسي.