لم تنته بعد حلقات الجرائم المالية التي تورّط فيها رئيس الهيئة العليا للإغاثة السابق ابراهيم بشير وزوجته، فالتحقيقات التي تتوالى فصولاً، كشفت أيضاً تورط نجله زوجة ابنه وسام البيلاروسية في عمليات إختلاس المال العام وتهريبه الى الخارج، وتبييض الأموال بما يقارب المليون دولار أميركي، بحجج تجارية واهية، في وقت برّأ القضاء فادي بشير (نجل ابراهيم بشير) من هذه الأفعال، لعدم اكتمال عناصر جرائم تبييض الأموال، وإخفاء مصادرها الحقيقية.

فبعد قرار الهيئة الاتهامية في بيروت، الذي طلبت فيه إدانة ابراهيم بشير وزوجته رجاء يونس وولديه وسام وسامي، وردت مراسلة من قسم التحقيق المالي والمراقبة الحكومية في جمهورية بيلا روسيا، الى النيابة العامة التمييزية في لبنان، تفيد بأن التحقيق الذي أجراه القسم المذكور مع وسام بشير وزوجته البيلاروسية فيكتوريا غريغوريفنا بناء لاستنابة قضائية لبنانية، توصّل الى معلومات تثبت أن وسام بشير قام خلال شهر واحد في العام 2013 بسحب مبلغ /370438/ ألف دولار أميركي من الحساب المفتوح باسم والدته رجاء يونس، وفي نفس الوقت، تم ايداع مبلغ /950000/ ألف دولار أميركي نقداً في حساب زوجته فيكتوريا، تبين في ما بعد أن وسام سحبها من حساب أمه، زاعماً أن هذه الأموال هي نتيجة بيع جزء من أعمالهم في لبنان.

هذه الشبهات تعدّت وسام بشير شخصياً، لتصل الى زوجته فيكتوريا التي أفادت خلال استجوابها من قبل السلطات البيلاروسية، أن زوجها يملك صيدلية وبأنه باعها وتم تحويل الأموال الى حساب العائلة، ولدى وصول وسام الى "مينسك" في بيلاروسيا أسس شركة "بشير أنفست" للتجارة بالمواد الصيدلانية، وأعلنت أن والدة زوجها قامت بتحويل تلك الأموال من الحساب العائلي في مصرف "فرنسبنك" في لبنان، وجرى سحب هذه الأموال من قبل وسام وايداعها في حسابها الشخصي الذي سحبت منه مبلغ 140 ألف دولار بهدف شراء منزل كما صرحت للبنك، لكن هذه الصفقة لم تتم، ثم حاولت سحب مبلغ آخر لشراء شقة ثانية، لكن البنك رفض تسليمها المبلغ بسبب إيقاف العمليات المصرفية، بطلب من القضاء اللبناني.

واستناداً الى ما ورد في القرار الصادر عن الهيئة الاتهامية، توسّع التحقيق ليشمل فادي ابراهيم بشير، في الجرم الذي إتهم فيه والديه، بعدما كشفت التحقيقات وجود تحويلين باسم فادي المقين في دولة الكويت، الأول بقيمة خمسة آلاف دولار جرى تحويله على حساب فادي في "بنك الخليج" في الكويت، والثاني تحويل داخلي بقيمة 18 ألف دولار لدى مصرف (HSBC ــ الشرق الأوسط)، الا أن جدول المعلومات المرسل من قبل هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان، صرّح بأنه لم يثبت أي دور لفادي بشير في عملية إخفاء مصدر الأموال، ولم يتبين ما إذا كان عالماً بمصدرها، مستندة بذلك الى المادة الثانية من قانون تبييض الأموال رقم 218/2001، والتي تنص على أنه "يعتبر تبييض الأموال كل فعل يقصد منه.

1 ــ إخفاء المصدر الحقيقي للأموال غير المشروعة أو إعطاء تبرير كاذب لمصدرها بأي وسيلة.

2 ــ تحويل الأموال أو استبدالها مع العلم بأنها أموال غير شرعية، لغرض إخاء أو تمويه مصدرها، أو مساعدة شخص ضالع في ارتكاب الجرم على الإفلات من المسؤولية.

3 ــ تملّك الأموال غير المشروعة أو حيازتها أو استخدامها أو توظيفها لشراء أموال منقولة أو غير منقولة، أو القيام بعمليات مالية مع االعلم بأنها غير مشروعة.

ويستشفّ من التفسير القانوني لجرم تبييض الأموال، أنه "جرم قصدي في الأصل، لا يمكن أن يتحقق الا اذا كانت ارادة الفاعل الواعية، متجهة نحو ارتكاب الفعل والقبول بنتيجته الجرمية". حيث لم يتبيّن أن المدعى عليه فادي بشير ساهم في عملية اخفاء مصدر الأموال أو على الأقل علمه بمصدرها، ولم يستفد من الحساب المشترك العائد لوالديه الذي يحوي مبالغ طائلة، ما يدلل على عدم علمه بهذه الأموال بحكم اقامته في دولة الكويت، وإن ما يعزز هذا التوجه، قرار هيئة التحقيق المصرفية بعد مراسلة سلطات بيلاروسيا، الذي يجزم بـ"عدم وجود أي حساب باسم فادي بشير في بيلاروسيا، وأن عمليات تبييض الأموال تتم بإسم أخيه وسام وزوجته فيكتوريا".

قاضي التحقيق في بيروت فؤاد مراد الذي أجرى تحقيقاته في هذا الملف، كشف في قراره االظني، أن المدعى عليها فيكتوريا غريغووريفنا وزوجها وسام بشير استقرا في بيلاروسيا، وبدأ الأخير بسحب الأموال من لبنان مع علمه بمصدرها، وإيداعها في حسابات خاصة باسمه وباسم زوجته، ليتبين فيما بعد أنه كان يسحبها من حساب أمه رجاء يونس في لبنان.

وأوردت حيثيات القرار الظني، الكثير من الأدلة التي تثبت أن فيكتوريا، ساهمت في عملية إخفاء الأموال عندما قامت بسحب مبلغ 140 ألف دولار من حسابها، بذريعة شراء بيت من دون أن تنجز عملية الشراء، مما يدلّ دلالة واضحة على نيتها في إخفاء مصدر هذه الأموال، خاصة وأنها حاولت سحب مبلغ آخر في وقت لاحق بحجة شراء شقّة، الا أن البنك لم يسمح لها بالسحب، بعدما حامت الشبهات حول طبيعة هذه الأموال.

واعتبر القاضي مراد في قراره أن أفعال فيكتوريا غريغوريفنا، تنطبق على جناية المادة 359 معطوفة على المادة 360/ 219 من قانون العقوبات، التي تصل عقوبتها الى الأشغال الشاقة المؤقتة، كما ظنّ بها بمقتضى المادة 363/219 والمادة 655 من قانون العقوبات والمادتين الأولى والثانية من قانون تبييض الأموال، وأحالها على محكمة جنايات بيروت لمحاكمتها، (علماً أن زوجها وسام بشير ملاحق مع والده ابراهيم بشير ووالدته رجاء رجاء يونس في ملفات أخرى)، في حين منع قاضي التحقيق المحاكمة عن المدعى عليه فادي ابراهيم بشير، لعد إكتمال عناصر جرم تبييض الأموال، وقرر استرداد مذكرة التوقيف الغيابية الصادرة بحقه.

وكانت التحقيقات التي أجراها القضاء حول اختلاسات في الهيئة العليا للإغاثة، توصلت الى أدلة تفيد بأن رئيس الهيئة (السابق) العميد ابراهيم بشير، متورّط مع آخرين بينهم زوجته، باختلاس ملايين الدولارات من أموال الهيئة، وأودع هذه الأموال في حسابات خاصة باسمه وباسم زوجته وأولاده، بينهم وسام وزوجته اللذان يقيمان في بيلاروسيا، ولا يزال ابراهيم بشير قابع في السجن، في حين أخلى القضاء سبيل زوجته بعد سنتين تقريباً توقيفها.