ما ان توجه اكراد العراق الى الاستفتاء لانفصال اقليم كردستان عن الدولة الام حتى بادرت الحكومة العراقية الى شن حرب اقتصادية على الاقليم تشعبت محاورها: فمن تعليق رحلات الشركات الاجنبية الى مطارات الاقليم وملاحقة اموال الاكراد ومسؤوليه في البنوك الى الحصار التجاري واغلاق الحدود اجراءات من شأنها ان تدمر اقتصاد الاقليم الذي يعتمد بدرجة كبيرة على قطاع النفط.

وجرى الاستفتاء الذي حصل على تاييد اكثر من 90% من الاكراد على خلفية سوء المعاملة الذي يتعرضون لها ، متهمين الحكومة المركزية باقصائهم بشكل منهجي عن تقاسم عادل للسلطة والموارد معتبرين انه الوقت المناسب ليقيموا دولة خاصة بهم وان هذا الانفصال من شأنه ان يجلب الاستقرار الاقليمي للمنطقة.

وأعلن البرلمان العراقي أنه بصدد اصدار حزمة قرارات تتضمن عقوبات اقتصادية على كردستان، فضلا عن تشكيل لجنة لمتابعة قرار إغلاق المنافذ والمطارات في الإقليم، ومتابعة الدول والشركات التي تحاول أن تخرق هذا القرار، بالاضافة الى تقييد الحركة عبر المعابر الحدودية، وبالذات معبر خابور، الذي يعتبر الشريان الحيوي لأربيل الامر الذي زاد الخناق على الإقليم الذي يعاني أصلاً من مديونية وتراجع في المداخيل.

وفي هذا السياق سوف يتطرق موقع "الأقتصاد" الى موقف دول جوار العراق من خطوة الاكراد الانفصالية بالاضافة الى حجم الخسائر المالية التي ستلحق بهذا الاقليم من جراء هذه الخطوة كما سوف نتطرق الى تأثير هذه الأزمة المستجدة على القطاع المصرفي اللبناني العامل في اربيل وعلى حجم الاستثمارات اللبنانية بشكل عام كما سيكون "لموقعنا حوار خاص مع عميد الصناعيين اللبنانيين جاك صراف، ومع الخبير الاقتصدي الاردني مازن ارشيد للحديث عن أثر هذا الانفصال على اقليم كردستان وعلى الدول العربية ودول الجوار.

- موقف دول جوار العراق من الاستفتاء؟

اتخذت دول الجوار وعلى رأسها تركيا وايران خطوات اعلنت فيها بشكل صريح رفضها لخطوة الاكراد الانفصالية معلنة صراحة اغلاق الحدود مع اربيل في حال الانفصال رافعة شارة الحرب الاقتصادية فارضة للعقوبات التجارية التي من شأنها ضرب موارد الاقليم من النفط والسياحة والتجارةوتدهور للعملة وتضخم الاسعار في الاسواق التجارية، كما ان قطع العلاقات الكردية الايرانية تعني ارتفاع لاسعار السلع وصعود صرف الدولار امام العملة المحلية وزيادة في نسبة التضخم الاقتصادي .

كما من شأن قرار الانفصال ان يرتد سلبيا على كلا من أنقرة وطهران واللتين لهما سوق واسعة مع العراق واستثمارات تتخطى عشرات المليارات الدولارات بحيث اعتبر الاقليم لسنوات طويلة الممر الامن لاستثمارات الدولتين ، فمن الناحية التركية يظهر واضحا عمق العلاقات الاقتصادية بين الطرفين فالعلامات التجارية منتشرة في كافة ارجاء الاقليم وصولا الىمشاريع الاسكان ومتاجر السلع والاثاث والسلع التجارية والاستهلاكية كما يبدو واضحا مساهمة الشركات التركية في ادارة اعمال مجموعة واسعة من القطاعات ابرزها الخدمات المالية والمصرفية واستخراج النفط والغاز، إذ قامت هذه الشركات، والتي يقدر عددها بنحو 1300 شركة، ببناء معظم مشاريع البنية التحتية بما في ذلك مطار أربيل الذي بلغت تكلفته 550 مليون دولار.

-العراق تشن حربا اقتصادية وتوقف التعاملات المالية مع اربيل

اوقف البنك المركزي العراقي جميع التعاملات المالية مع اقليم كردستان كأول اجراء عقابي اقتصادي يطاول الإقليم الذي يعتمد بشكل رئيس في تعاملاته المالية على البنوك العراقية التي توفر العملة الصعبة (الدولار) والتي يعتمدها في استيراد احتياجاته اليومية من المواد الغذائية والمستلزمات الاساسية من تركيا وإيران حيث يقدر حجم العملة الصعبة الداخلة للإقليم بشكل يومي ما بين 4 و5 ملايين دولار،حيث ان الاقليم يدفع من خلال العملة الصعبة مستحقات الشركات الأجنبية العاملة لديه في قطاع النفط والغاز فضلاً عن استيراد حكومة الإقليم نحو 300 ألف لتر بنزين من تركيا، و100 ألف مثلها من إيران لسد الحاجة المحلية له، كما تم حرمان 3 مصارف تابعة لإقليم كردستان من المشاركة في مزاد العملة الصعبة الذي تم ببغداد ، ومنع البنوك وشركات الحوالات المالية العاملة في بغداد والمحافظات الأربع عشرة الأخرى من تحويل أي مبالغ بالعملة الصعبة لإقليم كردستان مع إبقاء التحويل بالعملة العراقية ضمن سقف محدود، كما تعلق قرار ايقاف التحويلات بالشركات الاستثمارية والإنشائية العاملة في الإقليم، وتتخذ من بغداد والمحافظات الخاضعة لحكم الدولة الاتحادية مقراً لها".

كما اعربت الحكومة العراقية عن ان هذه الاجراءات لن تتوقف عند هذا الحد، حيث انها ستعمد مشاركة دول الجوار الى السيطرة على المنافذ، التي تربط الإقليم باكل من ايران والعراق والتي ستغلق نهائيا وفي حال استمر الإقليم بخطوته الانفصالية هذه .

كما وتعتمد الخريطة الاقتصادية لإقليم كردستان، على تصدير النفط من خلال أنابيب ممتدة حتى ميناء جيهان التركي، كما أنّ تركيا تستثمر مبالغ تصل إلى 40 مليار دولار في الإقليم، موزعة على قطاعات مختلفة من بينها النفط والغاز والكهرباء والاتصالات والإسكان والبنى التحتية والتصدير اليومي لاحتياجات الإقليمالغذائية والقطاع المصرفي، ومن بينها ديون بنحو 8 مليارات دولار في ذمة حكومة كردستان.

ولإيران استثمارات تقدر بنحو 5.9 مليارات دولار في كردستان العراق، فضلا عن حركة التجارة الواسعة عبر المنافذ الحدودية المتعددة مع الإقليم، كما أنّ قطاع السياحة يعدّ من أساسيات اقتصاد كردستان الإقليم، ويعتمد عليه بشكل كبير وإغلاق الحدود التركية والإيرانية سيقضي على هذا القطاع بالكامل حسب خبراء.

وبجانب الأضرار التجارية والاستثمارية، فإن الخطر الأكبر يحدق بصادرات النفط، التي تقدر وفق البيانات الرسمية بنحو 650 ألف برميل يوميا.

كما أن هناك نحو 200 مصفاة نفط غير مرخصة تعمل في الإقليم منها، 124 في محافظة أربيل، و37 في دهوك، و29 في السليمانية، وحكومة الإقليم لم ترخص لأي مصفاة منها، لأنها لا تتضمن الشروط المطلوبة وتلحق أضراراً بالبيئة، رغم ذلك كانت معظمها تعمل خلال الفترة الماضية، دون معرفة مصدر النفط الخام الذي تحصل عليه للعمل.

وتواجه تلك المصافي صعوبات بالاستمرار في العمل بعد توقيع سلطات الإقليم عقوداً لتدقيق أنشطة قطاع النفط، مع شركات محاسبة أميركية وبريطانية معروفة، نهاية 2016.

تداعيات ازمة اقليم كردستان العراقي على لبنان ...

وبالعودة الى تاريخ العلاقة بين لبنان واقليم كردستان والتي بدأت في العام 2006 اي توقيت مصادقة حكومة الاقليم على قانون الاستثمار الذي يمنح حوافز كبيرة للمستثمر الاجنبي كاعفاء المستثمرين من الضرائب لمدةعشرة سنين واعطاء اصحاب المشاريع الضخمة اراض مجانية وتخفيضات جمركية واعفاءات على رسوم ادخال متطلبات المشروع واستقدام اليد العاملة الامر الذي جذب المستثمرين الاجانب وعلى رأسهم المستثمر اللبناني الذي رأى من السوق الكردستاني فرصة ذهبية فأسس العديد من المشاريع الاستثمارية الناجحة وتوسع باعماله التي تنوعت بين القطاع المصرفي والسياحية والتجاري والصناعي وحتى العقارية والتربوية .

وتقدر حجم الاستثمارات اللبنانية في إقليم كردستان بنحو 5 مليار دولاركما يقدر حجم الجالية اللبنانية في اقليم كردستان بنحو 5000 لبناني ولكنه يبقى رقماً غير دقيق إذ تبنى الأرقام الرسمية على أساس عدد الموظفين اللبنانيين في الشركات اللبنانية المستثمرة في الإقليم، إلا أن البعض يقدر عدد الجالية اللبنانية بنحو 15 ألف لبناني.

ويمتلك القطاع المصرفي اللبناني 10 فروع مصرفية عاملة في اربيل والسلمانية حيث دخلت هذه المصارف الى هذه المنطقة في العام 2008 وهذه المصارف هي: "فرنسبنك"، "عودة"، "بلوم بنك"، "بيبلوس"، "بنك ميد"، "الاعتماد اللبناني"، "بيروت والبلاد العربية"، "اللبناني الفرنسي"، "انتركونتينانتال بنك" و"بنك الشرق الاوسط وافريقيا".

كما يسيّر لبنان 10 رحلات جوية أسبوعية من بيروت إلى مطاري أربيل والسليمانية، 7 رحلات منها على طيران الشرق الأوسط و3 رحلات على الخطوط الجوية العراقية،

واستمثر رجال الاعمال اللبنانيين في قطاع التعليم حيث تجد العديد من المدارس اللبنانية التي شرعت ابوابها في الاقليم الكردستاني نذكر منها مدرسة تابعة لمدرسة "انترناشونال سكول-الشويفات الدولية " بالاضافة الى الجامعة اللبنانية الفرنسية والجامعة اللبنانية الاميركية، والى جانب ذلك تجد العديد من المشاريع العقارية والسياحية اللبنانية شمالي العراق ومنها "القرية اللبنانية"، و"تاور أربيل "الذي يُعرف "ببزنس تاور،" والعديد من الشركات الهندسية والتجارية ومنها شركة "خطيب وعلمي "للهندسة وشركة "سانيتا "اللبنانية.

الامر الذي يجعل من العلاقة بين بيروت واقليم كردستن ذات ثقل اقتصادي كبير حيث يأتي بلد الارز في المرتبة الثالثة بين الدول الاجنبية المستثمرة في القطاع كما نجح اللبناني بالاستثمار في القطاع السياحي فاسس العديد من المنتجعات السياحية والفنادق ابرزها فندق"روتانا" وفندق "أرجان" الى جانب العديد من شركات المتخصصة بادارة الفنادق في كردستان كما دخل المستثمرون الللبنانيون قطاع النفط إذ تعهدت شركة "ميك أويل" للنفط والتجارة العامة اللبنانية مشروع بناء مصفاة نفطية في كردستان، وإقامة معمل للإسمنت.

ولكن لا بد من التذكير والتطرق الى ان حجم الاستثمارات اللبنانية في اقليم كردستان تراجعت في السنوات الماضية بسبب تأزم الاوضاع الامنية في الاقليم تزامناً مع الحرب على داعش.

ومع تصاعد قضية انفصال القطاع عن العراق بدأت المصارف اللبنانية والمسثمرين في اقليم كردستان في بيروت بحث الخيارات المتوفرة امامهم لتفادي الانعكاسات الاقتصادية المرتقبة في حالة حصول هذا الانفصال كما تتخوف من الاضرابات السياسية والامنية التي من شانها ان تغلق افق العمل امام هذه المنشأت الاقتصادية وتؤثر بالطبع على المصارف الاجنبية في العراق خاصة بعد اعلان شركة طيران الشرق الأوسط ايقاف رحلاتها الى اقليم كردستان استجابة لمطلب سلطة الطيران المدني العراقي على أن تُتخذ إجراءات استثنائية لتأمين سفر الراغبين بالعودة من أربيل إلى بيروت، وفق المعايير المعمول بها في قطاع الطيران، بالإضافة إلى التعويض مادياً عمّن حجز تذكرة سفر وتعذر تأمين سفره".

و كان لموقع "الأقتصاد" حوار خاص مع عميد جمعية الصناعيين وأحد ابرز رجال الاعمال اللبنانين في اربيل جاك صراف الذي طمأن ان "المستثمرين اللبنانيين في أربيل مازالوا يمارسون عملهم بشكل طبيعي، ولم يلاحظ أي تغييرات عملية على الأرض، كما لم نشهد أي إضطرابات أمنية كالتي حصلت عند دخول داعش إلى العراق".

وإعتبر صراف أن "هذا الإستفتاء يبقى مجرّد طرح، وأن مرجعية بغداد السياسية والأمنية تعمل على إتخاذ الخطوات اللازمة لحل هذه الأزمة".

الخبير الاقتصادي الاردني مازن ارشيد:نجاح كردستان باقامة دولة مستقلة ترتكز على قدرتها في التنويع الاقتصادي وتمتين العلاقات مع دول الجوار.

ومن ناحيته اعتبر الخبير الاقتصادي ومدير الدراسات الاقتصادية واسواق المال في الشركة المتحدة للاستثمارات المالية مازن ارشيد ان اي دولة في العالم لتمتلك مقاومات نجاحها سياسيا واقتصاديا لا بد ان يكون لديها مقومات نجاح كدولة مستقلة ولها سيادة وكردستان بعيدا عن الوضع الراهن من الناحية السياسية لا يمكنها ان تكون دولة مستقلة لها كيانها الخاص فمن الجانب الاقتصادي كردستان لا تختلف كثيرا عن جيرانها والتي تعتمد حوالي 90% على النفط وبالتالي تختلف عن تركيا التي لديها مقومات دولة ناجحة.

واعتبر ارشيد ان اقليم كردستان يعتمد بشكل كبير على النفط وهو بحاجة الى تنويع مصادر اقتصادهليستطيع مستقبلا من اقامة دولة مستقلة عن العراق نظرا الى ان اي تراجع في اسعار النفط سيحول الفائض الذي تمتلكه في الموازنة العامة الى عجز وهذاما واجهه الكثير من دول الخليج العربي كالسعودية والكويت، واشار ارشيد الى ان الديون المحلية لاقليم كردستان تشكل اربعة اضعاف ايراداته الحالية وهذه الديون تقف عند مستوى 20مليار دولار وهي تعتبر نسبة مرتفعة خصوصا مع استمرار تراجع اسعار البترول وايضا وجود عجز في الموازنة العاملة خلال العامين الماضيين لاقليم كردستان .

واعتبر أرشيد ان النقطة الاهم والتي يجب الانتباه اليها الى ان اقليم كردستان لا يملك منفذا بحريا لحدوده حيث ان حدوده برية وان غياب المنافذ البحرية لهذا الاقليم يصعب عليه تصدير انتاجه من النفط وتقليل تكلفة شحن النفط الى دول العالم الامر الذي يجعل اربيل في موقف صعب نظرا الى ان هذا الامر سيشكل عبئا عليها كما ان تركيا اخذت موقف معاد لخطوة الانفصال هذه شأنها شأن ايران الامر الذي سيمكن الدول المجاورة من فرض حصار بري على كردستان وبالتالي سيعاني الاقليم من حصار بري وبحري ومن هذا المنطلق اكد الخبير الاقتصادي مازن ارشيد الى ان اربيل يجب ان تعزز علاقاتها مع دول الجوار نظرا الى ان جميع دول الجوار دون استثناء يعارضون بشكل واضح اقامة اي دولة مستقلة تسمى كردستان .

وعن العلاقة الاقتصادية بين الاردن وكردستان العراق اعتبر أرشيد انه خلال السنوات الماضية كان هناك نمو في التبادل التجاري بين البلدين وكان من الممكن تطوير هذه العلاقة لاستيرادالاردن النفط من اربيل الى ان علاقة الاردن الحيوية والتاريخية مع العراق منعتها من هذه الخطوة التي ستؤثر سلبا على العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين .

واشار ارشيد الى ان الاستثمارات الاردنية في السوق الكردستاني شهدت تناميا مستمرا ولو كانت بشكل خجول حيث ان شركات الطيران الاردنية تسير حوالي 7 رحلات اسبوعية من الاردن الى كردستان وخصوصا الى مطار اربيل الدولي ولكن كل هذه الامور معرضة للتراجع لان الاردن لا تستطيع ان تقوم بخطوات من شأنها ان تؤثر على علاقتها السياسية والاقتصادية مع العراق كما ان المملكة الهاشمية اوقفت رحلاتها الجوية الى الاقليم بناء على طلب الحكومة العراقية لاسباب سياسية ناجمة عن الاستفتاء الامر الذي سينعكس سلبيا على اربيل من الناحية الاقتصادية .