في زمن يشهد ابتكارات رقمية، قد يتوه الفرد في تعداد الإصدارات الحديثة، ولكننا لا يمكننا أن ننسى الرواد الذين يفتحون لنا الطريق لتجربة كل جديد..

فتبقى أسماؤهم لامعة في رؤوسنا.. حكايتنا اليوم تتحدث عن رجل لبناني .. لا يحب الطريقة الكلاسيكية للأمور.. يعشق أن يُغامر وأن يجرّب كل جديد.. يعتبر أن الشخص لا يتعلم إلا من أخطائه.. وهو مؤمن أن على الإنسان أن يتقبل كل الظروف المحيطة به مهما كانت صعبة، وأن لا يضيّع وقته في التذمّر وإلقاء اللوم على الأحوال.. بل مهمته في هذه الحياة أن يعمل على تطوير نفسه.. فهذه هي الرسالة الأسمى.

هذا الرجل كان أول من عمل في مجال الواقع الإفتراضي ولكنه إختار لنفسه سوقاً جديدةً خاصة في العالم العربي فكان أول من استخدم هذه التقنية في التسويق والإعلانات، كتبت عنه الصحف العربية حينها ولا يزال حتى الآن إسمه يلمع في هذا المجال الشيق.

ولنتعرف أكثر على هذه الشخصية النموذجية كان لـ"الإقتصاد" مقابلة حصرية مع المؤسس لشركة "Giga Works" اللبناني كريم سعد.

من أين كانت البداية؟

تخصصت في جامعة القديس يوسف "USJ" في مجال فنون التواصل "Communication Arts" ومن بعدها إتجهت إلى باريس للخضوع للعديد من الدراسات المتخصصة في مجال صناعة الأفلام (المونتاج، الصوت والصورة).

تخرجت من الجامعة في العام 1996 أي بعد الحرب اللبنانية، وعملت في مجال الإنتاج التلفزيوني إلا أنني لم أكن راضياً بشكل كامل عن هذا الوضع، خاصة أن في هذه الحقبة الزمنية لم يكن العمل بالتلفاز بالضخامة التي نشهدها اليوم، وكان طموحي أكبر بكثير مما كنت أعمل به. بالإضافة إلى معدل المردود المادي الذي كنا نتقاضاه نسبة إلى ساعات العمل الطويلة.

سنحت لي الفرصة حينها بأن أعمل في مجال آخر وهو الطباعة الرقمية. وبالتوازي مع ذلك ثابرت على التصوير ولكن على صعيد شخصي، لأنني بالفعل أحب هذا المجال بشغف.

أسست شركة الطباعة الرقيمة وإسمها " Print Work" في لبنان، وفي العام 2007 اتجهت إلى دبي لأفتتح مع شريكي فرعاً جديداً هناك.

في دبي تطور حبي لعالم التصوير أكثر خاصة مع تعرفي إلى العديد من الأشخاص المحترفين كونت مروحة واسعة من العلاقات العامة في هذا المجال.

في العام 2014، أسست شركة  "Giga Works" التي كانت أول شركة في الشرق الأوسط تدخل عالم الواقع الإفتراضي "VR"  في مجال التسويق والإعلانات.

أذكر جيداً أول مشروع قمنا به في دبي الذي لاقى استحساناً كبيراً في السوق وكتبت عنه مجلات عدة وجرائد في العالم العربي.

ومن ثم سنحت لي الفرصة لأعمل في هذا المجال في السعودية ولبنان أيضاً، إلا أنه لا يخفى عن الكثير أزمة الركود الإقتصادي التي تضرب العالم وبلدنا بشكل خاص، كما أن هذا النوع من المشاريع يتطلب ميزانيات كبيرة ولكن رغم ذلك، نحاول قدر المستطاع أن نعمل في لبنان، لأنني وعلى الصعيد الشخصي لا يمكنني أن أنسلخ عن بلدي بشكل نهائي لو مهما عملت في الخارج.

ما هي أبرز العراقيل التي واجهت مسيرتك المهنية خاصة أن المجال الذي تعمل فيه كان حديثاً، وقد اخترت لنفسك طريقاً خاصاً بك؟

في البداية كان همي الأكبر هو إيجاد التمويل المناسب لشغفي، وكنت أقوم بكل متطلبات هذه المهمة بنفسي ومن دون مساعدة أحد.

بما أننا نعمل في مجال التكنولوجيا الذي يشهد يومياً إبتكارات جديدة، من الصعب أن يواكب الزبائن آخر المستجدات، ومن الطبيعي أن يخاف من أي جديد لذا من واجبي أيضاً نشر التوعية الرقمية عن كل تقنية حديثة تُحسن عملنا.

وهنا تختلف الحالة بحسب شخصية الزبون أو الشركة، فمنهم من يطلب أحدث التقنيات ليكونوا رواداً في مشاريعهم، والبعض الآخر يحبذ أن ينتظر الآخرين لتجربة هذه التقنية ليقوموا بتقييمها قبل تبنيها.

كما أن بعض الأشخاص أو الشركات تحتاج إلى وقت كبير لاتخاذ القرارات، في حين أن الإبتكارات تتطور يوماً بعد يوم ما يعني أن آلية تبني المستجدات لا تتناسب في بعض الأحيان مع سرعة متغيرات المجال.

لا شك أن مجال عملنا بحذ ذاته هو تحدٍ مستمر على مدار الساعة، يتطلب منا مواكبة آخر التطورات بالسرعة والمهنية المطلوبة.

ماذا يميز "Giga Works" من غيرها في الأسواق؟

لا شك ان إبتكار الواقع الإفتراضي دخل مجالات عدة كألعاب الفيديو والطب وغيرهما، ولكننا نستخدم هذه التقنية الحديثة للتسويق والإعلانات، ونركّز على إستعمال تقنية الواقع الإفتراضي من الصور المتحركة التي نقوم بتصوريها بنفسنا ونطورها لاحقاً لتصبح "VR "films. نعمل على تقنية الـwalk through، ونستخدم الواقع الإفتراضي في الـ video clips ، الأفلام الوثائقية، الأفلام القصيرة وغيرها..

مجال عملنا ينبع من الواقع مثلاً نصور مشروعاً عقارياً معيّناً ونحولّه إلى تقنية الـVR وليس العكس كما تقوم بعض الشركات الأخرى في السوق بإبتكار صور VR لمشاريع قيد الإنشاء أو الدراسة.

هل لك أن تشاركنا أحد مشاريعكم؟

قمنا بمشروع لشركة "طيران الإمارات" يتمكن فيها الراغبون بالسفر عوضاً عن طلب التذاكر عبر موقع الإنترنت بشكل تقليدي بالإستمتاع بتجربة رقمية فردية. ولتحقيق ذلك قمنا بتصوير أبرز المواقع والنشاطات التي يمكن للمسافر أن يقوم بها في دبي مثلاً ونحوّلها إلى تقنية الـVR بحيث يشعر المستخدم بأنه عاش تجربة جديدة ينسى خلالها أنه وراء شاشة الكمبيوتر.

لاحظنا أنك تركز في عملك على توفير تجربة فريدة للمستهلك، برأيك هل هذه الإستراتيجية تعطيك ميزة تنافسية عن ذويك في السوق؟

يهمنا التركيز كثيراً على تجربة المستخدم وتحويلها إلى مغامرة رقمية لا تُنسى، على سبيل المثال، قمنا مؤخراً بتطوير نموذجاً يُحاكي السيارة الفعلية عبر تقنية الواقع الإفتراضي بحيث يتمكن المستهلك قبل شراء السيارة من التعرف إلى جميع مزاياها بطريقة حديثة.

كما أننا نقوم قبل إطلاق أي منتج بدراسات عدة ضمن قسم مخصص لذلك في الشركة.

إذا سنحت لك الفرصة أن يعود بك الزمن للوراء، ماذا كنت ستغيّر في مسيرتك المهنية؟

لا أغير أي شيء فأنا فخور جداً بما توصلت إليه، وبالخبرة التي اكتسبتها. وبرأيي على الفرد أن يتأقلم مع الوضع الذي وجد فيه ويطور في نفسه.

من خلال تجربتك الخاصة، ما هي الرسالة التي تود إيصالها للشباب؟

كما ذكرت سابقاً على الشخص أن يتأقلم مع الظروف ويحاول استيعابها، فكثيراً ما نسمع بعض الأشخاص يتذمرون عن حالهم بحجة أن بلاد الغرب مثلاً تنعم بموارد طبيعية،إمكانيات أقوى أو غيرها من العوامل، ولكنهم في الوقت نفسه لا ينظرون إلى الأمكان التي تفتقر إلى كل شيء، وبالتالي علينا أن نتقبّل وضعنا الحالي ونسعى لتطويره.

برأيي الأشخاص الناجحون هم الأفراد الذين يعملون بصمت وبجدّ دون تذمّر ومن دون إلقاء اللوم على الظروف والأحوال التي لا  يستطيعون تغييرها.

كما أنني مقتنع أن على الإنسان أن يواجه بعض الصعوبات ليتعلم منها، فإذا تمكن من تخطيها يكون قد اكتسب مهارة لا تُثمّن..فلكي تكون في القمة عليك أن تتعلم من أخطائك.. وهذا ما أقوله لنفسي كوني شخص تخرج من الجامعة أيام الحرب اللبنانية، كان من الممكن أن لا أكمل دراستي ويكون مصيري مختلفاً إلا أنني قررت خوض المسيرة التي أعيشها الآن ولم أستسلم وأدع الظروف تتحكم بمصيري وأنا أشاهدها تسلب أحلامي مني.