مسيرة قانون سلسة الرتب والرواتب جمّدت ، الكتائب انتصرت ، المصارف هللت، الهيئات الاقتصادية ارتاحت ، الطبقة الشعبية تنفسّت. وفي الضفة الاخرى، الحكومة استيقظت على خطأ دستوري فادح ارتكبته لتتخبط في دوامة تأمين التمويل فيما مجلس النواب بكى على ما اعتقده انجازات.

هذا هو المشهد اليوم ، السلطة التنفيذية في رحلة بحث ايجاد تمويل السلسلة وهيئة التنسيق النقابية والاتحاد العمالي العام و الأوساط التعليمية والإدارات العامة وغيرهم ممن يستفيد من السلسلة الى الشارع .

المجلس الدستوري صوّب المشكلة :" أن عدم إقرار موازنة عامة سنوية للدولة وعدم وضع قطع حساب لكل سنة يشكلان انتهاكاً فاضحاً للدستور". وبالمعنى الصحيح: حل عقدة تمويل السلسلة في قطع الحساب فالموازنة العامة . معادلة علمية قانونية اقتصادية سليمة.

قرار المجلس الدستوري في ابطال القانون 45 قد يسرّع في اقرار مشروع موازنة العام 2017وفي إجراء عملية قطع الحساب .

اذا ً الحكومة ملزمة في البحث عن بديل تمويلي للضرائب التي سقطت بقرار المجلس الدستوري. وعليها بحسب القانون الرقم 46 فتح الاعتمادات المالية اللازمة لتغطية الرواتب على أساس الجداول الجديدة وقيمتها 110 مليارات ليرة شهرياً ليستفيد منها حوالي 287الف مواطن بين عسكر واساتذة وموظفي الدولة او نسبة 35% من الشعب اللبناني.

المأزق كبير على الحكومة التي عندها سلة خيارات، اي إما اللجوء إلى الاستدانة لتمويل السلسلة، ، ويكون ذلك عبر استعمال جزء من أموال الدولة المحّولة إلى الحساب الرقم 36 في مصرف لبنان الذي يحتوي 8300 مليار ل.ل. وهي الحلول المُؤقّتة لانّها لا تستطيع تمويل السلسلة لأكثر من شهرين، أو من خلال الاستدانة من أموال مصرف لبنان، أو من المصارف الخاصة عبر إطلاق سندات خزينة. الا ان هذا الموضوع حسمه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي عبر عن رأيه بصراحة " يجب تمويل السلسلة من الضرائب".اي بمعنى آخر ممنوع الاقتراب من المال العام وحذار الاستدانة .

و في غضون ذلك ، البعض من المراقبين يرى انه من الافضل ان يدخل قانون السلسلة ومواردها ضمن مشروع موازنة العام 2017 حيث يمكن حينذاك تأمين التغطية لتكلفة السلسلة من خلال تأمين موارد اضافية جديدة او من الوفر الذي تحدث عنه رئيس اللجنة النيابية المالية ابراهيم كنعان والمقدر بـ 1000 مليار ليرة، منها 150 مليار ليرة من وزارة الاتصالات و450 مليار ليرة من الجمعيات الوهمية و400 مليار ليرة من الاحتياطي في الموازنة، علما ان الوفر الاخير ليس منطقيا بحسب البعض لان الاحتياطي هو الاموال الموجودة لوقت الحشرة.

يضاف الى ذلك ، فهناك 800 مليون دولار استثنائيّة دخلت الى الخزينة من الهندسة الماليّة التي استفادت منها المصارف .

تجدر الاشارة الى ان معدّل الزيادة في الدين العام سنوياً منذ عام 1993 كانت بمعدّل 3،1 مليار دولار في السنة، وإذا دُفعت السلسلة من دون ضرائب سيزيد الدين العام 1،2 مليار إضافية، ليصبحَ مُعدّل الزيادةِ السنويّة في الدين العام 4،3 مليار دولار.

مصادر موثوقة اكدت "للاقتصاد" ان المشاورات الجارية حول مصادر التمويل الجديدة استبعدت اي ضرائب جديدة على القطاع المصرفي الذي انتفض أخيراً بوجه فقرة الازدواج الضريبي التي كانت مقررة في قانون التمويل المطعون فيه ، ويبدو ان الضريبة الصامدة بوجه الطعن سترسو على ا لضريبة على القيمة المضافة بحيث سيتم رفعها الى 12% بدل 11% كما كان مطروحاً بغض النظر عما يمكن ان تحدثه من انتفاضات عمالية ونقابية.

وهناك احتمالات الى ان غالبية الاجراءات الضريبية المرصودة في قانون 45 سوف تعود في القانون الجديد باستثناء المتعلق بالازدواجية الضريبية والاملاك العمومية البحرية ، وذلك بعد اقرار المجلس النيابي مشروع القانون المكرر المعجل الجديد المقدم من الحكومة.

ضرائب بديلة ممولة

القاعدة الاقتصادية الصائبة تفيد "انه في حالِ الركودِ الاقتصادي،كما هو وضع لبنان، لا يجوز فرض الضرائب على النشاط الاقتصاديّ، بل على الموارد غير المستخدمة".ومن هذه الموارد:

-رفع الضريبة على الأملاكِ البحريّة من 100 مليون دولار إلى ما لا يقلّ عن مليار دولار. والجدير ذكره هنا، ان القوى السياسية تخلّت عن فرض تسوية التعديات على الاملاك العمومية البحرية التي كانت ستوفر إيرادات تتراوح بين 1200 مليار و1500 مليار ليرة، واستبدلتها بغرامة على الاملاك العمومية البحرية التي تؤمن إيرادات تقارب الـ 150 مليار ليرة.

- فرض رسوم على التبغ والتنباك والمشروبات الروحية ما يؤمن 200 مليار ليرة.

- فرض ضريبة على المضاربات العقارية او الربح العقاري لتأمين 150 مليار ليرة، مما يسمح بتأمين ما بين 2350 و2850 مليار ليرة.

-فرض ضريبة على الشقق الشاغرة .

-فرض ضريبة على طابق المرّ، وهو اقتراح قانونٍ تقدّم به النائب ميشال المرّ.

طبعاً الى جانب أهمية مكافحة الفساد والهدر وما قد ينجم عنهما من إيرادات إضافية.وضبط الاجراءات لتحصيل الايرادات الجمركية هو احد المصادر الهامة حيث من خلال تدابير بسيطة مؤخراً تم تحقيق زيادة بنسبة 6.4% في الأشهر الأخيرة رغم تراجع الاستيراد، فيما ساهم إجراء بسيط في تأمين 100 مليون دولار سنوياً كمداخيل إضافية من السوق الحرة في مطار بيروت.

"القانون المطعون فيه صدر في غياب الموازنة وخارجها وخالف مبدأ الشمول الذي نصت عليه المادة 83 من الدستور، وكان ينبغي أن يأتي في إطار الموازنة العامة السنوية وفقاً للقواعد التي نص عليها الدستور، لذلك هو مخالف للدستور.

و ما ورد في المادة 17- الفقرة الأخيرة- يعتبر خرقاً لمبدأ المساواة أمام التكاليف العامة والضرائب، ومتعارضاً مع الفقرة (ج) من مقدمة الدستور، ومع المادة 7 من الدستور.

ونص المادة الحادية عشرة من القانون المطعون فيه يشوبه الغموض ما يؤدي إلى تطبيقها في شكل استنسابي وبطرق ملتوية تسيء إلى العدالة والمساواة بين المواطنين".

فقرات تضمنها قرار المجلس الدستوري الاخير الشهير فهل تنجح الحكومة في استيعاب غضب الشارع الذي لا يخدم مصلحتها ولا يخدم ايضا المجلس النيابي على ابواب استحقاقات انتخابية قادمة؟