ريما قطيش الحسيني​ وجه لبناني متميز، فهي زوجة وأمّ وسيدة أعمال عصاميّة وناجحة، بنت نفسها بنفسها، ووصلت الى القمّة بجهدها وطاقتها وقدراتها الخاصة، فلمع اسمها في لبنان والمحيط العربي وبعض الدول الأجنبيّة.

واظبت على التقدّم والتطوّر، أحبّت عملها، وسعت جاهدة للحفاظ على استمراريّته، فاستطاعت بإصرارها وطموحها أن تنقش قصة نجاح لا تزال حروفها تتردّد؛ لتكون بذلك قدوة ومثال لكل لبناني ولبنانية.

نجاح الحسيني، ونشاطها الفعّال، واحترافيتها، هي عوامل فتحت أمامها المجال لكي تصبح عنوانا أساسا في مجال تصميم الهدايا وتصنيعها، وتزيين الشوكولا على أنواعه، ولتشارك وتمثّل بلدها في مؤتمرات عالمية. فتمّت دعوتها من قبل وزارة الخارجية الأميركية عبر سفارتها في بيروت لزيارة الولايات المتحدة بعد أن اختيرت من بين أفضل 25 امرأة في العالم في مجال الإدارة والتسويق وريادة الأعمال لتشارك في برنامج "Fortune 500 / US State Department Most Powerful Women Mentoring Program".

أسّست في العام 1996 مع شقيقتها رنا قطيش شركة "Blessing"، وأطلقت في العام 2012 مؤسسة "The Blessing Foundation"، التي تسلّط الضوء على النساء اللبنانيات الناجحات، بهدف تبادل نجاحاتهنّ ومهاراتهنّ وابتكاراتهنّ، من أجل تحفيز بقية النساء المبتدئات في مجال الأعمال. كما أطلقت مؤخرا موقع "ShopTBFonline.com" لمساعدة سيدات الأعمال المبتدئات في ضواحي العاصمة والمناطق الريفية، على عرض بضائعهنّ ومنتوجاتهنّ.

حازت الحسيني في العام 2015، على جائزة التحالف العالمي من أجل المرأة "عالم الاختلاف"، كما فازت في حزيران 2016 بجائزة "إيفلين بسترس للمرأة اللبنانية الأكثر تأثيرا لعام 2016"، وفي شهر آب من العام ذاته، تلقّت جائزة "غولدمان ساكس وفورتشن العالمية للنساء القيادات 2017". وخلال العام الجاري أيضا، حازت على جائزة "امرأة السنة في ريادة الأعمال الاجتماعية" من قبل "اليونيدو".

ريما قطيش الحسيني خصّت موقع "الاقتصاد" بهذه المقابلة المميزة والمحفّزة:

ما هي المراحل التي مررت بها حتى وصلت الى ما أنتِ عليه اليوم؟

تابعت دراستي الثانوية في مدرسة "International College"، "IC"، ودخلت بعدها الى "الجامعة الأميركية في بيروت"، "AUB"، حيث تخصّصت في إدارة الأعمال، ومن ثم حصلت على شهادة الماجستير في العلوم المالية والمصرفية.

بعد ذلك، عملت في "CitiBank" لمدة خمس سنوات، وفي تلك الفترة، شعرت أنه لدي طاقة أكبر في مجال الأعمال، وبدأت بالتفكير في إطلاق عملي الخاص، لكي أضمن استمرارية أفكاري، وأطوّرها، وأتطوّر فيها أيضا. فتركت المصرف، وأسست مع شقيقتي رنا قطيش شركة "Blessing"، التي تهتم بكل ما له علاقة بالهدايا والشوكولا المخصصة للحفلات والمناسبات كافة.

بدأنا في العام 1996 بالعمل البطيء في بيروت، وكانت الانطلاقة بمناسبة ولادة فؤاد، ابن شقيقتي، وبعد ذلك أصبحت "Blessing" تكبر وتتوسّع مع الوقت. لكن هذا الأمر حصل في ظل غياب الأجواء الداعمة والمشجعة للمرأة في مجال الأعمال، ولريادة الأعمال (entrepreneurship)، والموارد المالية.

لكننا تربينا في منزل حيث تتم معاملة الفتاة مثل الشاب تماما، وحيث تتمتع الابنة بالحقوق والواجبات ذاتها، ولهذا السبب تشجعنا أكثر على العمل. وبالتالي أسسنا الشركة وبدأنا بالتوسع، فانتشرنا بشكل كبير في دول الخليج العربي، وبات لدينا فروعا في الرياض والخبر، والبحرين، وعمان، بالاضافة الى فرع في مدينة طرابلس في لبنان.

ولا بد من الاشارة الى أن شركة "Blessing" تهتم بثلاثة مجالات: الولادات، الأعراس، والشركات.

من جهة أخرى، أسست في العام 2012، "The Blessing Foundation"، وهي مؤسسة لدعم المرأة في مجال الأعمال، نقدّم من خلالها علاقات الإرشاد للنساء لكي يكتبسن الخبرات من بعضهنّ البعض، ولدينا حاليا أكثر من 250 سيدة في شبكتنا.

كما أطلقنا مؤخرا موقعا الكترونيا اسمه "ShopTBFonline.com"، نساعد من خلاله النساء في المناطق الريفية على بيع منتجاتهنّ عبر هذه المنصة. ونحن بحاجة في الوقت الحاضر الى الدعم المادي من أجل التسويق لهذا الموقع. فقد فرنا منذ فترة، بجائزة "Goldman Sachs and Fortune Global Women Leaders Award"، في الولايات المتحدة، التي ساعدتنا على إطلاق هذا الموقع. لكننا بحاجة حتما الى المزيد من الدعم لتطويره أكثر.

كيف تصفين مسيرتك المهنية الطويلة؟ هل كانت صعبة؟

بصراحة، لم تكن المسيرة صعبة، فالجميع يحبّون تعظيم الأمور، والتكلّم عن معاناتهم خلال رحلاتهم المهنية. وفي حين أن النجاح لا يأتي بسهولة، يبقى التفكير بالصعوبات أكبر عائق أمام الانطلاق.

فعندما يقول الانسان "أنا أريد السير بحسب مبدأ يسّر ولا تعسّر"، وينطلق في طريقه، سينجح حتما. ومتى صادف مشكلة أو حاجزا معينا يمنعنه من استكمال مسيرته، سيعمل حينها على إيجاد الحل.

فأنا بدأت مسيرتي انطلاقا من مبدأ "لمَ لا؟"، وبالتالي عملنا وكبرنا ووصلنا، وأشكر الله أن اسم "Blessing" بات اليوم بهذه الأهمية في البلدان العربية، وأصبحت شركتنا معروفة بأنها تلتزم بوعودها، وتقدم أفضل ما لديها لجميع الزبائن؛ وهذه الأمور تتكلم وحدها عن مسيرتنا.

ولا بد من الاشارة الى أن هناك حتما صعوبات عدة في مجال الأعمال، خاصة في لبنان حيث الوضع غير مستقر. وفي البداية لم نكن ننوي التوسع الى الخارج، بل اعتبرنا أن لبنان هو التوقيع لمنتوجاتنا، حيث كنا نستقطب الزبائن من جميع البلدان العربية. ولكن عندما رأينا أنهم باتوا يأتون بشكل متقطّع، وأصبح العمل يتراجع، اضطررنا للتوسع الى خارج الحدود، وافتتاح المزيد من الفروع.

ما هي مشاريعك وخطواتك المستقبلية؟

مشاريعنا المستقبلية كثيرة، وهي جميعها قيد الدرس في الوقت الحاضر. وهناك خطوات لافتتاح فروع في بلدان أبعد من الخليج.

ولسوء الحظ ولحسنه أيضا، يدفعنا الوضع غير المستقر في لبنان الى أن نكون خلّاقين، فعندما يكون الانسان مرتاحا الى أقصى الحدود، لن يسعى الى تطوير نفسه أو عمله. ونحن في لبنان نواجه يوميا تحديات عدة، ونفكر على الدوام بطرق للتوسع؛ ومن هنا يأتي الخلق والإبداع، وليس فقط في مجال الزينة، بل في الحفاظ على استمرارية العمل واستقراره، فنحن "نهندس" ونعيد هندسة طريق المستقبل بشكل دائم.

من قدم لك الدعم في مسيرتك؟

أريد التكلم هنا عن ثلاثة أشخاص مهمين في حياتي:

أولا، شقيقتي وشريكتي في العمل رنا قطيش، فنحن الثنائي الذي أسهم في نجاح "Blessing"، ولم أكن لأنجح بمفردي، لأننا نكمّل بعضنا البعض في العمل، ولدينا وجهات نظر تتقارب حينا وتتباعد أحيانا. لكن وجودنا معا هو ما أوصلنا حتما الى النجاح.

ثانيا، زوجي هو شخص مهم للغاية في مسيرتي، والدعم الذي قدّمه لي كان أكبر بكثير مما كنت أتوقعه، حتى ولو كان دعما صامتا؛ فهو شخص متفهم وفخور بي الى أقصى الحدود مع العلم أن مجال عمله مختلف تماما.

ثالثا، "حماتي"، وهنا قد يتفاجأ البعض، لكن والدة زوجي لطالما كانت تهتم بالأولاد حين تكثر سفراتي الى خارج البلاد، لأنني لا أحبذ أن تركهم مع شخص ليس من العائلة. وبالتالي هي أمّنت لهم الرعاية المليئة بالحب والحنان والاهتمام، وكانت تشعرني براحة البال، لأنها تفرح بوجودهم معها.

هل تمكنت من تحقيق التوازن بين حياتك العملية والعائلية؟

نعم لحسن الحظ، فتنظيم الوقت يساعد كثيرا على تحقيق التوازن. كما أنه من المهم أن يكون لدينا من حولنا الركيزة التي تتيح لنا التركيز على عملنا، وأنا أشكر الله على وجود هذا الدعم في حياتي. اذ أنه يجب أن تنظم المرأة نفسها ووقتها لكي تتمكن من الوصول.

وأنا لطالما وضعت الأولوية لعائلتي، لأنه يجب أن تنجح المرأة أولا في منزلها، ومن ثم في عملها. فهي تبني عائلة في المنزل، وعائلة خارج المنزل، تتمثل بالشركة التي تضم الموظفين والاستراتيجيات والأهداف. ولكن اذا فشلت في واحدة من الاثنين، معناه أن الطريقة التي تتبعها خاطئة، لأن الطريقة الصحيحة تطبق أينما كان. والأسلوب الذي يوصل الى الطريق الصحيح ينطبق داخل المنزل وخارجه أيضا؛ فهناك مبادئ وأسس نسير عليها مع العائلة والعمل.

كيف تصفين نفسك اليوم كسيدة عاملة؟

أنا شخص ايجابي للغاية، وأحب النظر الى جميع الأمور بطريقة إيجابية. كما أنني امرأة متواضعة وطبيعية، مثابرة ولجوجة، ألاحق جميع تفاصيل العمل بدقة، وأشعر دائما أنني لا أستحق الثراء الذي أحصل عليه، بل أنا بحاجة الى تقديم المزيد من العطاء.

من ناحية أخرى، يمكن وصفي بالحالمة، لأن جميع النجاحات بالنسبة لي، تبدأ بحلم. وبالتالي أعتمد كثيرا على قوة الدماغ وقدرته على تحويل الأحلام الى حقيقية.

برأيك، هل تقدمت المرأة في لبنان عن ما كانت عليه في السنوات الماضية؟

نعم بالطبع، فالمرأة اللبنانية أصبحت منفتحة أكثر، وباتت تعرف أن دورها أكبر من الذي كانت تمارسه في الماضي. ولكن بالطبع لا يزال هناك العديد من المعوقات، النفسية منها أكثر من الفعلية.

وهنا لا بد من الاشارة الى أنني أرى العديد من النساء اللواتي يتذمّرن، ويتكلّمن عن تحقيق الأهداف، لكنّهنّ لا يترجمن الأقوال بالأفعال. فالأفكار موجودة دائما، لكن المرحلة الصعبة تكمن في الانتقال من الأفكار الى العمل الجدي، وهذا ما لا نراه كثيرا في لبنان. لذلك فإن المرأة اللبنانية بحاجة الى دفعة للأمام.

وفي بعض الأحيان، تكون الحاجة المادية هي الدافع لعمل المرأة، فعندما تكون مرتاحة لوضعها المادي، لا تتمتع لسوء الحظ، بالحافز الذي يدفعها للانتقال الى مجال الأعمال. لكن هذا الأمر خاطئ، لأنه يجب أن تفكر المرأة بأن جزءا كبيرا من استقلاليتها الشاملة والكاملة متعلق بالاستقلال المادي والنفسي أيضا. فهناك نساء لا يستطعن حتى اتخاذ أي قرار بمفردهنّ، وهذا الأمر مضرّ على العديد من المستويات.

وبالتالي يجب أن تدرّب المرأة نفسها لكي تصل الى النجاح، وليس فقط من أجلها، بل من أجل أولادها أيضا، لأن الأم هي القدوة في المنزل، ومن خلالها يتعلم الأولاد كيفية التصرف في الحياة والمجتمع، ويتربّون على فكرة أن المرأة هي عنصر أساس وفعال في محيطها وضمن عائلتها.

كيف تقيمين وضع المرأة اللبنانية من ناحية القوانين والحقوق؟

في مجال الأعمال، أرى اليوم أن وضع المرأة مطابق تماما للرجل، ولا توجد قوانين تطبق عليها فقط، بل إن التحديات والفرص هي ذاتها.

أما في مجال الشركات، فمن المفترض أن تتواجد المرأة بشكل أكبر في مجالس الإدارة، ومراكز صنع القرار.

هل تعرضت يوما الى أي تمييز في إطار مسيرتك المهنية لمجرد كونك امرأة؟

كلا أبدا، فنحن توسعنا الى البلدان العربية، وتعاملنا مع شركاء ومحامين ورجال أعمال، لكنني لم أشعر يوما بالتمييز. فالمرأة الذكية والتي تتمتع بشخصية قوية وتثبت ذاتها وقدراتها، ستفرض نفسها حتما وتحصل على احترام الجميع.

ما هي الرسالة التي تودّين إيصالها الى النساء في لبنان؟

"تحرري من الحواجز النفسيّة، وحققي ذاتك واستقلاليّتك"، فاستقلالية المرأة هي شخصيتها، كما أن استقلاليتها النفسية والمادية تتيح لها أن تكون كيانا محصّنا ضد جميع التحديات.

فكل المشاكل ضد المرأة تحصل لأنها مستضعفة، وبالتالي عندما تحقق القوة لنفسها، لن تعود مستضعفة بعد الآن، وسيقدّرها الجميع. وحين تحقق استقلاليتها الذاتية، وتعرف كيف تكون قادرة على الاهتمام بنفسها، ولا تتّكل على أي أحد، سنشهد على تراجع العديد من آفات المجتمع ومشاكله.