نشرت جريدة الأخبار في 4 و5 أيلول الحالي دراسة قام بها الدكتور توفيق كسبار وصادرة عن بيت المُستقبل. هذه الدراسة التي تنبأت بإنهيار الليرة اللبنانية والنظام المصرفي، حمّلت المسؤولية للسياسة النقدية ل​مصرف لبنان​ بالدرجة الأولى كما وسياسة الإنفاق التي إتبعتها الحكومات المُتعاقبة.

وكان لنشر هذه الدراسة ردّات فعل كبيرة من قبل بعض الإقتصاديين وعلى رأسهم البروفسور جاسم عجاقة الذي إعتبر في مقال نشره أن هناك مؤامرة سياسية على الليرة اللبنانية مُحاكة بتمويل خارجي وطالب بفتح تحقيق في هذا الأمر.

مصرف لبنان ردّ بتقرير من 11 صفحة يوضح فيه المغالطات في الأرقام التي إرتكبها الدكتور كسبار في دراسته (بحسب تعبير مصرف لبنان). ومن أهم ما جاء في هذا الردّ:

هناك تناقض في الدراسة من ناحية أن الكاتب الذي يعتمد على أرقام صندوق النقد الدولي يُخالف إستنتاجات هذا الصندوق في يخص موافقتهم ودعمهم لسياسة الثبات النقدي التي يتبعها مصرف لبنان.

أظهر التقرير الصادر عن مصرف لبنان أن ما إعتبرته دراسة كسبار "فوائد سخيّة للمصارف"، هي في الواقع أقل فوائد تُدفع مقارنة ببلدان شرق أوسطية وأميركية وأسيوية وأفريقية تتمتّع بنفس التصنيف الإئتماني العالمي. وأرفق جدول مقارنة بين الفوائد في لبنان والفوائد في كل من الهند، اندونيسيا، المكسيك، نيجيريا، تركيا ومصر.

أظهر التقرير الصادر عن مصرف لبنان أن تقديرات الدراسة لـ "موجودات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية" غير دقيقة من ناحية أنها مُجتزئة ولا تحوي إلا إحتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبية على الآمد القصيرة (أي السيولة). وبالتالي هناك تجاهل كامل لأصول الطويلة الآمد مما يعني أن الإستنتاج الأساسي لدراسة كسبار والتي تنبأ من خلالها إنهيار الليرة اللبنانية هو خاطئ مبنى على معطيات خاطئة.

نفى مصرف لبنان في ردّه على دراسة كسبار ما ورد في هذه الأخيرة أن الهندسة المالية التي تمّت ما بين شهري أيار وآب من العام 2016 كان هدفها تعويم رأسمال مصرفين كبيرين. وقال التقرير أن الهندسة طالت 38 مصرف لبناني وذكّر بالنتائج الإيجابية لهذه الهندسة ومنها تعزيز موجودات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية، تمتين القاعدة الرأسمالية للمصارف، زيادة السيولة بالعملة المحلية، تحسين الأوضاع النقدية للحكومة ووضعية الدين الحكومي دون اللجوء إلى رفع معدلات الفوائد، تحوّل العجز التراكمي لميزان المدفوعات اللبناني إلى فائض، والسيطرة على التضخّم.

يُذكّر تقرير مصرف لبنان أن تردّي الوضع المالي في لبنان يعود إلى إستضافة لبنان لأكثر من مليون ونصف لاجئ سوري مع كلفة فاقت الـ 14.5 مليار دولار أميركي. وأنه على الرغم من هذا الوضع السيء، فإن النمو الإقتصادي المُتوقّع هذا العام هو بحدود الـ 2.5% مع زيادة في الودائع في المصارف وإرتفاع الموجودات الخارجية وهو ما يُشكّل دعمًا للثبات النقدي ويُبعد فرضية الإنهيار.

وعن تحقيق المصارف أرباحًا ضخمة، ردّ مصرف لبنان بالقول أن أرباح المصارف في العام 2016 كانت 1.827 مليار دولار أميركي مقارنة بـ 1.727 مليار دولار أميركي. وبالتالي فإن الحديث عن أرباح ضخمة هو خطأ بحكم أن عائدات الهندسة المالية لا تدخل في الأرباح طبقًا للمعيار الدولي للتقارير IFRS 9 والذي يطلب من المصارف أن تحتفظ ولا توزع عائدات هذه العمليات كأرباح.

وعلى الرغم من هذه التوضيات التي قام بها مصرف لبنان، يُنظمّ لقاء لبحث دراسة كسبار يضمّ عدد من الخبراء الإقتصاديين وذلك في 19 من الشهر الجاري في فندق سوفيتيل لوغبريال في الأشرفية.

عجاقة: إمعان في ضرب العملة الوطنية

الخبير الإقتصادي البروفسور جاسم عجاقة الذي لم يتمّ دعوته إلى هذا اللقاء، صرّح في حديث لموقع الإقتصاد "إن هذا اللقاء يُشكّل نيّة واضحة من قبل مُنظّميه وإمعان في ضرب الليرة اللبنانية خصوصًا بعد التوضيحات التي صدرت عن مصرف لبنان والتي تُثبت أن الحجّة الأساسية التي بنى عليها الدكتور كسبار إستنتاجاته الكارثية هي حجّة خاطئة بحكم أن لم يُعطي مجموع أصول مصرف لبنان في العملات الأجنبية وإقتصرت أرقامه على الأصول القصيرة الآمد. من هذا المُنطلق نرى أن هذا اللقاء هو قمّة في السخرية ويجب وضع حدّ لهذه الهرطقات التي لا هدف لها إلا ضرب الليرة اللبنانية وضرب عهد الرئيس ميشال عون".

في كل الأحوال يظهر إلى العلن أن الإنقسام السياسي بدأ يطال الصرحّ الوحيد–أي مصرف لبنان–الذي لم تستطع السياسة الدخول إليه منذ الحرب الأهلية. وهذا الأمر يبقى في عهدة رئيس الجمهورية المؤتمن على الدستور وعلى إستقلاية السلطة النقدية المنصوص عليها في الدستور اللبناني.