قال رجل الأعمال الأميركي راي كروك: "الموهبة وحدها لا تكفي... إستمر دائماً، فلا يوجد شيء في العالم يمكنه أن يحل محل الإصرار"، وماري كعدي لم تكتفِ بموهبتها التي عملت على تطويرها منذ نعومة أظافرها، بل أصرّت على صقلها، وبذلت كل ما تستطيع من جهد، ولا تزال إلى حد اليوم، من أجل تأمين الإستمرارية في المجال الذي أحبته ووهبت حياتها له.

كان لـ"الإقتصاد" مقابلة خاصة مع مؤسِسة "Palette de l’âme"، الرسّامة اللبنانية ماري كعدي، للتعرف إلى بداياتها المهنية، وكيف انتقلت من مجال الأعمال إلى الفنون، بالإضافة إلى مشاريعها المستقبلية للتوسع إلى الخارج، ونظرتها إلى واقع المرأة في سوق العمل اللبناني.

ما هي المراحل التي مررت بها حتى وصلت إلى العمل تحت اسم "Palette de l’âme"؟

بدأت بالتخصص في مجال الأعمال (banking and finance)، لكنني لم أجد نفسي فيه، وسرعان ما قررت الإنتقال إلى الفنون الجميلة (fine arts)، التي هي من الأساس هوايتي؛ فأنا أرسم منذ أن كنت صغيرة، وقد عمدت إلى تطوير موهبتي مع الوقت.

وبالتالي انتقلت إلى الفنون دون علم والديّ بذلك، وأخبرتهم بهذا الأمر بعد حوالى سنة، فتفاجأوا كثيراً.

وبعد التخرج دخلت مجال الفنون، وانخرطت أكثر فأكثر في عالم الرسم واللوحات والنحت، وأنا حالياً أرسم أيضاً على القمصان، والعباءات، والسراويل، والقبعات،... كما أتعامل مع بعض مصممي الأزياء في مشاريع مستقلة.

هل تمكنت من إيصال أعمالك إلى خارج الحدود اللبنانية؟

لم أتمكن بعد من القيام بهذه الخطوة، لكنني أدرسها في الوقت الحاضر، وأحاول التواصل مع متاجر في الخارج لكي أتمكن من التوسع أكثر.

كيف تواجهين المنافسة الكبيرة الموجودة في مجال الفنون الجميلة في لبنان؟

كل فنان يقدم أعماله الخاصة والمختلفة والمميزة، وكل شخص يتمتع بذوقه الخاص؛ فهناك أشخاص يحبون نوعا معيناً من الرسم، قد لا يحبه أشخاص آخرون.

وأنا بنفسي أتبع طريقة معينة، وأتجه أكثر نحو السريالية (surréalisme) في لوحاتي، كما لا أعرض رسوماتي عبر موقع "فيسبوك"، خاصة قبل عرضها في المعارض، لأن الأفكار في لبنان تتم سرقتها بسهولة.

وبالتالي فإن وسائل التواصل الإجتماعي مفيدة من ناحية، ومضرة من ناحية أخرى؛ فهي تفيد في مجال الفن والرسم، وتسهم في إيصال الفنان إلى أشخاص وجهات عدة، وإلى نشر أعماله أكثر بين الناس، ولكن في الوقت قد تؤدي إلى سرقة تلك الأعمال والأفكار بسبب غياب الضمانات.

ما هي العوامل أو الصفات التي أسهمت في تقدمك ونجاحك؟

بحسب ما أرى بنفسي، وما يقوله لي الناس، أنا شخص يسعى وراء عمله، ولا يجلس بانتظار الفرص؛ وبالتالي أبقى على تواصل دائم مع الناس، وأسأل، وأقوم بالزيارات، وأقابل الأشخاص،... وأشعر أن هذه النقطة تتيح لي المتابعة والتقدم والوصول الى أهدافي كافة.

فأنا لا أبقى في مكاني بانتظار فرصة معينة، بل أحارب بكل جهدي، وأركض وراء الفرص.

ما هي الصعوبات التي تواجهك في مجال عملك؟

الصعوبات موجودة حتماً، خاصة أن مجالنا يحتوي على العديد من الفنانين، لكنّ كل شخص يقدم نوعية معينة من الأعمال الفنية.

برأيك، هل يوجد في لبنان وعي كاف تجاه الأعمال الفنية؟ وهل هناك إقبال كبير عليها؟

الإقبال خجول بالنسبة إلى شراء اللوحات، لكنني أتّكل على تعليم الرسم وبيع الملابس، وعلى المشاريع الحرة مع المصممين. وبالتالي لدي أعمال خاصة، تتيح لي الإستمرار في مجال الفن.

فأنا لا أكتفي بالمشاركة في المعارض وبيع اللوحات، لأن هذه الطريقة وحدها لا تجني لقمة العيش؛ فالمعرض يفيد الفنان لكي يصبح مشهوراً ومعروفاً أكثر بين الناس، لكنه لا يتيح له أن يجني الأرباح المادية وخاصة في أيامنا هذه، حيث بات الناس لا يشترون كثيراً كما الحال من قبل، لأن السوق متخمة ومشبعة.

من ناحية أخرى، إن الوضع الاقتصادي السيء في البلاد، يؤدي إلى تراجع الإقبال على شراء الأعمال الفنية.

كيف تنسّقين بين عملك وحياتك الخاصة؟

أنا أقوم بمشاريعي الخاصة عادة خلال عطلات نهاية الأسبوع، وأكرس الوقت لحياتي الخاصة، بعد انتهاء دوام العمل، أي خلال الليل.

لكنني أعتبر أن الفن هو بحد ذاته حياتي الخاصة، لأنني أفرح كثيراً عندما أرسم، وأشعر أن الرسم يشكّل هويّتي وهوايتي وفرحي. فقد اخترت هذا المجال لأنه موهبتي، وبالتالي ليس مفروضاً علي أو واجباً أضطر إلى تأديته.

من قدّم لك الدعم في مسيرتك؟

لم أتلقَّ الدعم من أحد، فقد صدم والديّ صدمة كبيرة عندما علما أنني انتقلت من مجال الأعمال إلى الفنون، خاصة أن عائلتنا لا تضم أشخاصاً متخصصين في المجالات الفنية مثل الرسم والموسيقى. وبالتالي شجعت نفسي بنفسي، لأنني أردت منذ البداية التخصص في الفنون الجميلة، ولكن ترددت قليلا بسبب مواقف العائلة، لكنني اتخذت القرار الصحيح بعد فترة.

ولا بد من الإشارة إلى أنني استفدت في مكان ما من المحاضرات الخاصة بالأعمال، ومن خلالها أصبحت أعرف كيف أسعى وراء عملي، وكيف أديره، وأين أكون حاضرة، وإلى أين أريد التوجه،...

كيف تقيمين وضع المرأة اللبنانية في أيامنا هذه؟

المرأة اللبنانية حتماً تقدمت نسبة إلى السنوات الماضية، وباتت تحصل اليوم على المزيد من الحقوق. لكن لا يزال ينقصها العديد من الأمور، وخاصة في مجال العمل.

فعلى المرأة في لبنان أن تكافح وتناضل وتحارب لكي تصل، وبالتالي تواجه صعوبات عدة لإيصال أعمالها، والوصول الى مناصب عالية، خاصة في ظل شبه غياب للنقابات الداعمة والجهات المؤيدة والمساعِدة.

ما هي الرسالة التي تودّين إيصالها إلى المرأة في لبنان بالإستناد إلى تجربتك المهنية الخاصة؟

كل شخص لديه حلم معين، سيصل حتماً، رغم جميع الصعوبات. لكن على الإنسان أن يسعى خلف طموحاته وأحلامه، ولا يجلس بانتظار أن تصل إليه الأمور بسهولة.

فالتحديات موجودة في الحياة، خاصة إذا كان الانسان لا يريد أن يقدم التنازلات، لكن عندما نتعب نجد - حتى ولو تطلب الأمر- وقتاً طويلاً.