نشهد كل يوم في لبنان ظهور شركة ناشئة... فنرى في شبابنا اليوم روحاً من الإندفاع رغم كل الظروف اللبنانية الصّعبة...

إلا أنه يبدو أن شبابنا لا يكترثون للظروف والعراقيل، وكأنهم سيارة مقلعة بسرعة ومن دون "فرامل" ..

شخصيتنا اليوم، تتحدث عن شاب لبناني في عقده الثاني من العمر، قرر أن يؤسس شركة رسالتها مساعدة الآخر.. بعد أن اكتشف أن النظام السائد في لبنان لتوزيع الثياب للأشخاص المحتاجين غير فعّال.. وتسهم شركته أيضاً في خلق فرص عمل للشباب.. لاقت فكرته إستحساناً لم يتوقعه من الجهات المانحة.

ومن خلال فكرة بسيطة تمكن هذا الشاب من أن يؤسس شركة خاصة به تسمح له بالإلتزام بمسؤوليته المجتمعية كمواطن لبناني وأن يكون أحد رواد الأعمال الشباب في لبنان.

ولنتعرف أكثر على قصة نجاح هذا الشاب كان لـ"الإقتصاد" لقاء خاص مع المؤسس لشركة "FabricAID" ​عمر عيتاني​.. الذي شاركنا أبرز مراحل تأسيس الشركة وتطويرها.

- كشاب جامعي صف لنا كيف خضت عالم الأعمال رغم سنّك الصغير؟ ومن أين نبعت الفكرة؟

إنطلقنا بفكرة بسيطة وبمبادرة فردية قبل تأسيس الشركة. وفي التفاصيل، وجدت اني أملك العديد من الملابس التي لا أرتديها وفكرت في أن أتبرّع بها ‏تواصلت مع مجموعة من الأصدقاء ووضعت منشوراً على موقع "فيسبوك" أدعو فيه أصدقائي للمشاركة بهذه المبادرة بهدف تقديم الملابس المجمّعة مباشرة إلى المحتاجين دون أن نحتاج إلى جهة ثالثة قد لا تخدم هدفنا بالمستوى المطلوب.

وتمكنا حينها من تجميع 200 كيلو من الملابس، وبالتالي كانت هذه الكمية أكثر مما توقعنا، لذا تغيرت نظرتنا إلى الأمر لأننا بالطبع لا نعرف 200 عائلة محتاجة في لبنان، فوزعنا للعائلات التي تعرفنا عليها وبقيت كميات من الملابس وعندها بدأنا ندرس كيف تتعامل الجمعيات الخيرية مع هذه المسألة.

ولاحظنا أن المنظومة التي تتبعها الجمعيات غير فعّالة (وهم على دراية بذلك) وتعود هذه النتيجة لأسباب عدة، منها أننا نفتقر في لبنان إلى جمعية مختصة بتأمين الثياب للأشخاص المحتاجين. فتقوم الجمعيات الخيرية بشكل عام بوضع علبة أو حاوية مثلاً يضع فيها المتبرعون الملابس من جهة، ومن جهة أخرى يحصل الراغبون على الثياب في الوقت نفسه.

وهذا النظام غير فعّال لأربعة أسباب، أولاً أن هذا الحلّ محصور برقعة جغرافية محددة، وبالتالي نحن ننتظر الشخص المحتاج لأن يقصد هذا المكان. ومن جهة ثانية، يستغل أصحاب "البالة" هذه الفرصة ليحصلوا على الملابس بالمجان ويتاجروا بها، بالإضافة إلى طبع الطمع بحيث يأخذ العديد من الأشخاص أكثر مما هم بحاجة إليه، والسبب الأخير والأهم أن الملابس ليست نظيفة ومنظمة بحسب الجنس،العمر، الفصل وغيرها من العوامل.

ولاحظنا أن هذه المشاكل موجودة لأن الجمعيات تقوم بهذا النوع من الحملات ضمن سلسلة واسعة من المشاريع الخيرية المتعددة، وبالتالي ليس بمقدورهم أن يمنعوا أحداً من التبرع.

وهنا قررنا أن نجد حلاً لهذه المشكلة، وفي هذه الفترة تعرفنا إلى مسابقة لـALT City المنظمة من قبل " Impact Startup Sprint" وقررنا أن نشارك فيها وفكرتنا كانت كالتالي، كل شخص يتبرع بالملابس يحصل على مجموعة من النقاط تمكنه من أن يُقايضها بثياب جديدة من متاجر ذات علامات تجارية معروفة، وتواصلنا مع بعض هذه المتاجر التي شجعّت فكرتنا، وبالتالي ربحنا في المسابقة. إلى أنه لم نتمكن من تطبيق هذه الفكرة على أرض الواقع، فبعد دراستنا للسوق ولفكرتنا تبين أن على الشخص أن يتبرع بحوالي 50 قطعة ثياب ليحصل على قطعة أو إثنين من الملابس الجديدة. واكتشفنا أن الأشخاص ليسوا بحاجة إلى محفّز ليشجعهم على التبرع، فكل ما يحتاجونه هو الإطمئنان للجهة المسؤولة عن توزيع هذه الملابس.

واستناداً إلى ذلك، عدّلنا فكرتنا السابقة، والآن نعتمد في "FabricAID" (التي حوّلناها إلى شركة في مرحلة لاحقة) إستراتيجيتين لتجميع الملابس إما من خلال شرائها من الجمعيات الخيرية بأسعار مقبولة، أو عن طريق إطلاق حملات تبرعات كبيرة في شركات وبنوك في لبنان، يقوم الموظفون بتقديم ملابس لا يستخدمونها ونقوم نحن بالتالي بتقديم مساعدات للجمعية الخيرية التي يختارونها. وهذا يتم بالطريقة التالية، إذا تبرع الموظفون في هذه الشركة بـ50 كيلو من الثياب مثلاً، يساوي هذا الرقم قيمة مالية محددة نقوم بتقديمها كمساعدة للجمعية الخيرية التي يختارونها.

- ما هي أبرز العراقيل التي واجهتموها؟ وكيف تخطيتموها؟

أول معضلة واجهناها كانت اكتشافنا لجوهر المشكلة، فكما ذكرت سابقاً لم تكن المشكلة في إقناع الأشخاص على التبرع، كما توقعنا.

واستندنا في مسيرتنا على كتاب بعنوان " "Lean Management الذي يعتبر أن أي فكرة تخطر في بال رجل الأعمال أو رائد الأعمال لا قيمة لها إلى حين أن يتأكد من قيمتها على أرض الواقع. ونحن اتبعنا هذه الفلسفة، واعتبرنا أن كل ما نشهده من دراسات من وراء شاشة الحاسوب لا قيمة له، إلا إذا شهدناه في الميدان، وعزمنا على الإصغاء جيداً لأراء الناس. فعندما كنا نتواصل مع متبرعين من الطبقة المتوسطة لاحظنا أن مشكلتهم ليست بفعل التبرع إنما بتسهيل هذه العملية وبتأكيد شفافيتها.

- كيف تقومون بتوزيع الملابس للمحتاجين بطريقة شفافة تطمئن المتبرع؟ وكيف تسهمون في خلق فرص عمل للشباب في السوق اللبنانية؟

نأخذ الملابس من المتبرع، ونحاول قدر المستطاع أن نسهّل هذه العملية عليه، فنذهب إلى مكان دراسته أو عمله لنتسلم الثياب، من بعدها نقوم بغسل الملابس وتصنيفها (العمر، الجنس، نوعها، جودتها وغيرها ..) ونقوم أيضاً بالتأكد من سلامتها، فنخيّطها أو نحاول إصلاحها في حال وجد أي خلل.

ومن ثم نقدّمها بالمجان لأشخاص عاطلين عن العمل بعد تدريبهم على أساليب البيع، ونوفر لهم مكاناً مخصصاً للبيع، نحصل عليه بالتعاون مع جمعيات ووزارات نتعامل معها. ومن بعد بيع الثياب نأخذ حصة بسيطة من الإيرادات لنغطي فيها التكلفة.

-عادة ما يُنظر إلى نشاط عملكم كجمعية خيرية ، كيف تمكنتم من تحويل هذه الفكرة إلى شركة تبغي الربح وتوفر فرص عمل للشباب؟

المشروع في المستقبل ليس بحاجة إلى تمويلات، فبإمكانه أن يغطي نفقاته من إيراداته. ولكن في هذه المرحلة التأسيسية كنا بحاجة إلى رأس مال، لذا تقدمنا إلى مسابقات عدة وحصلنا على منح ونتلقى الآن الجزء الثاني منها.

حصلنا على دعم بقيمة عشرين ألف دولار أميركي من برنامج "Elevate" التابع لـ"يونيسيف" وتقدمنا للحصول على دعم من "كفالات" وعدة عدة جهات مانحة آخرى.

ولم نكن نتوقع أن نحظى بهذا الدعم المادي، الذي كنا نعتبره التحدي الأكبر ولكن اتضح لنا أنه عندما يعمل الشخص على فكرته بشكل جاد ومحترف تصبح هذه الخطوة أكثر مرونة.

- كيف تُرتب العناصر التالية من حيث الأهمية لتأسيس مشروع ما: الشهادة الجامعية، الخبرة ورأس المال؟

برأيي أن التركيز في البداية يجب أن يكون على الفكرة أو المفهوم، إذا تمكّن الشخص من هذه الخطوة وأتقنها جيداً تصبح إمكانية الحصول على رأس المال أسهل، خاصة عندما تكون الفكرة فريدة من نوعها وتكون قادرة فعلاً على حل مشكلة ما في المجتمع.

ولكن بناء المفهوم هو الشق الأصعب، بالتوازي مع إيجاد فريق العمل المناسب الذي يتمتع بالخبرات اللازمة.

مما لا شك فيه أن الفكرة التي بدأنا بها تبعد كل البعد عما توصلنا إليه، فعدلنا الكثير وأضفنا العديد من الأمور لتكون قابلة للتطبيق فعلياً في السوق. وبالتالي تمكنا اليوم من أن نثبت للبنوك أنهم قادرون على أن يحصلوا على أرباح من خلال تعاونهم معنا، ومن جهة ثانية تأكدت الجهات المانحة أننا قادرون على خلق فرص عمل في السوق اللبنانية.

- لقد تمكنت من تأسيس شركة ناشئة خاصة بك في عقدك الثاني من العمر، بينما يواجه بعض الشباب من جيلك حالة من الحيرة في اختيار مسار حياتهم المهنية. برأيك ما الذي يُميزك من غيرك؟

بصراحة أنا لا أعتبر نفسي مميزاً على صعيد المظهر أو الذكاء أو غيره، فأنا مثلي مثل أي شاب لبناني أتشارك معه الفئة العمرية نفسها. ولكن الذي ساعدني إلى الوصول إلى هذه الخطوة بطريقة أسرع هو فكرة بسيطة، فأنا أعتبر نفسي محظوظاً أني من بلد يعاني جراء العديد من المشاكل وهذا بالنسبة لي ليس مصدراً للإحباط النفسي بل على العكس أرى في المشاكل فرصاً للإصلاح، وبالتالي لدينا في لبنان العديد من الفرص والعديد من الحلول التي يجب أن نسعى يومياً للوصول إليها. بمعنى آخر، المشاكل في لبنان تعطيني روحاً من الإندفاع نحو تحقيق الأفضل، لأننا في لبنان بحاجة إلى حلول كثيرة وهذه الحاجة يجب أن نستغلها لتحسين بلدنا وأنفسنا.

وعلى صعيد آخر، أرى أن العديد من الأشخاص المتحمسين للوصول إلى طموحاتهم، يحلمون كثيراً إلى أن يصلوا إلى القمة في خيالهم ولكن عندما يباشرون التطبيق يشعرون بالإحباط بأن الأمر ليس بهذه السهولة. أما نحن فعندما خطرت في بالنا الفكرة لم نتردد في تطبيقها وباشرنا العمل بها من اليوم التالي، وبدأت سياستنا تتغير مع كل جديد نكتشفه في الميدان. برأيي ليس من الضروري أن يرسم الإنسان في خياله المرحلة النهائية فعليه أن يُطبق مباشرة وأن يستجيب لكل المستجدات التي تظهر أمامه، لأنه لو مهما كان الفرد مثقفاً ومتعلماً لن يتمكن أبداً من الإستعداد للمجهول إلا إذا قرر أن يعمل في الميدان مباشرة.

لا يكفي أن ندرس المسألة من خلال الدراسات التي نقرأها على الإنترنت، لأن أرض الواقع مختلفة، على الفرد أن يتحاور مع الأشخاص الذين يعانون من هذه المشكلة، والحل سينبع من خلالهم لأنهم هم المعنيون.

وهذا ما حصل معنا، عندما تعرفنا في الميدان إلى أشخاص يبيعون الملابس على الطرقات "البسطات" رغم أنهم بكامل صحتهم ، إلا أن الفرص السابقة لم تكن لصالحهم، وقررنا حينها أن يكون هؤلاء الأشخاص فئتنا المستهدفة، ولولا وجودنا بين الناس لما كنا اكتشفناهم من وراء شاشات الكومبيوتر.

- لماذا تعتبر لبنان موطناً جيداً للشركات الناشئة؟

برأيي أن على الشخص في لبنان أن يكون متحمساً لإعطاء كل ما في وسعه، خاصة أننا نملك نظاماً إيكولوجياً "Ecosystem" ممتازاً، والشركات الناشئة تحصل على دعم من الجهات المعنية، فنحن خلال خمسة أشهر تمكنا من الحصول على فرصة لمساعدتنا في تطوير شركتنا مقدمة من الحكومة الفرنسية للشركات الناشئة المعنية في الشؤون الإجتماعية.

كما حصلنا على منحة من "Elevate" وربحنا بـ Impact Startup Sprint و غيرها الكثير، فهنالك العديد من المسابقات التي يمكن أن تتقدم الشركة لخوضها.

وعلى صعيد شخصي عثرت عبر الإنترنت على خمس وعشرين فرصة تمويلية لشركات ناشئة تُعنى بالشأن الإجتماعي في لبنان.

لذا ليس هنالك أي شيء يمنع الشخص من المباشرة في تحقيق هدفه، الخطر موجود وهذا أمر لا شك فيه، ولكن الفرص التمويلية موجودة أيضاً، والمشاكل التي علينا حلّها في المجتمع اللبناني لا تُعد ولا تُحصى.

- بالحديث عن الخطورة، صف لنا المرحلة التي قررت فيها التخلي عن وظيفتك الثابتة والضمانات التي توفرها لك للإنغماس في مغامرة تأسيس شركة ناشئة؟

بالطبع الأمر لم يكن بهذه السهولة، خاصة أني قطعت عهداً على نفسي أن أستقل مادياً ، وبالتالي كان من الصعب أن أتخلى عن الوظيفة التي تسهم في دفع قسطي الجامعي، ولكن في الوقت نفسه، لم أتمكن من تجاهل المشكلة التي اكتشفتها، ولو علمت حينها أن هناك شخص آخر يحاول حلّها ربما كان الوضع مختلفاً، ولكني شعرت بالمسؤولة تجاه هذه المسألة.

وبرأيي أن الأشخاص الذين أسهموا في حلّ المشاكل السابقة ليسوا أفضل ولا أسوأ مني، فكلنا نبدأ من المرحلة نفسها. لذا قررت أن أخوض هذه المغامرة لأن هناك أشخاصاً من حقهم الحصول على ثياب نظيفة وبأسعار مقبولة، ولدينا أطنان من الملابس تُهدر في الأماكن غير الصحيحة.. لم أتمكن من غضّ النظر عن كل هذه الفوضى والحاجة المحقّة.

وفي البداية قررت أن أنظّم وقتي بين وظيفتي الثابتة و "FabricAID" ولكني بعد فترة اكتشفت أنه لحل هذه المشكلة علي أن أتفرّغ بالكامل لها.

والآن أسعى لاستثمار أي منح مادية تصلنا في تطوير الشركة.

ربما أنا محظوظ إلى حد ما لأنني في عمر صغير ولست مسؤولاً عن إعالة أسرة ، وبالتالي يمكنني أن أضحي قليلاً في ربحي المادي في سبيل تطوير الشركة في هذه المرحلة، ولكني بالتالي علي أن أقوم بكل جهودي لتتمكن "FabricAID" من إيصال رسالتها للمجتمع اللبناني.

وأنا لا أخاف من الفشل، إذا فشلت الشركة لن أفشل أنا، وبالتالي سأكون اكتسبت جوهر هذه المحاولة وهي الخبرة. ولكني من جهة أخرى متأكد من أن الشركة ستترك أثراً إيجابياً في المجتمع.

- من خلال تجربتك الخاصة، ما هي الرسالة التي تود إيصالها للشباب اللبناني؟

أدعوهم بأن يباشروا بتطبيق أحلامهم.. وأقول لكل شاب لبنان: فكّر في نفسك.. ما هو أسوأ شيء يمكن أن يحصل لك؟؟ وإن فشلت ، تكون قد جنيت الخبرة، وعملت في الأمور المالية والقانونية والإدارية والتسويقية، التجارة وغيرها الكثير، أما إذا كنت تعمل في شركة ما فستبرع في مجال واحد فقط وهو وظيفتك المحددة.

وأقول لهم، لا تطمحوا بأن تجنوا أرباحاً مادية من الشركة في عامها الأول على الأقل، ولكن ما تكسبوه هو أغنى من ذلك، أولاً عبر حلّ مشكلة ما في مجتمعكم وثانياً ستكتسبون خبرة على صعيد أوسع.

وبرأيي أن العمل لمدة شهر في شركتك الناشئة يساوي خبرة عام في الوظيفة في شركة ما. فشركتك الناشئة ستجبرك يومياً على أن تتعلم كل يوم شيئاً جديداً ..وإن فشلت الشركة لن تخسر خبرتك المكتسبة معها..

أدعوهم أيضاً لأن يباشروا في هذا السنّ في استغلال طاقاتهم وحماسهم من هذه اللحظة وأن لا ينتظروا أكثر.

وأنا فخور جداً أني أحاول يومياً أن أكون عنصراً مغيراً في مجتمعي.