تراكمات، تجاذبات، معضلات، متاهات،... بهذه الكلمات يتلخّص الجو العام في لبنان. فقبل حوالى ثلاثة أشهر على انتهاء العام 2017، وخلال الأشهر التسعة الأولى من السنة لم نشهد أي تحسن ملحوظ في معظم المؤشرات الإقتصادية والمالية في البلاد.

ورغم غياب الإزدهار والنمو المطلوبين، لا بد من القول أن الإقتصاد الوطني الذي عاش أسوأ أيامه خلال الأعوام الماضية، وخاصة خلال العام 2016، التقط أنفاسه مع بداية العام 2017، مع عودة النشاط إلى مؤسسات الدولة، وملء الشغور في المناصب العليا.

لكنّ هذه الأصداء الإيجابية تبقى غير كافية في ظل غياب خطة إقتصادية محددة، تركز على تنشيط القطاعات الإقتصادية كافة ودفع نسب النمو إلى الإمام.

فهل أن إقتصاد لبنان وماليته العامة يتجهان نحو الكارثة؟ وما هي نتائج إيقاف قانون الضرائب على المالية العامة، خاصةّ بعد إقرار سلسلة الرتب والرواتب، والتي من المفترض أن تكون الضرائب مصدر تمويلها؟

هذه الأسئلة وغيرها أجاب عليها الخبير الإقتصادي د. إيلي يشوعي في هذه المقابلة الخاصة مع "الإقتصاد":

كيف تقيم أداء الإقتصاد اللبناني خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2017؟

أداء الإقتصاد المحلي يطبّق مقولة "مكانك راوح"، ومن لا يتقدم يتراجع حتما. فكل الناس والدولة يعملون من أجل دفع الفوائد للمصارف، وبالتالي لا يزال هذا القطاع يحقق أرباحاً طائلة نسبياً، بالمقارنة مع باقي القطاعات.

فنحن نعمل جميعا وندفع الفوائد، أما الدولة، وعلى رأسها البنك المركزي، فتوزع المكافآت والفوائد "طالع نازل".

هل أتى موسم اصطياف 2017 على قدر التوقعات؟

حسب الأرقام الرسمية الصادرة، كانت نسبة الأشغال جيدة خلال فصل الصيف، ومطار بيروت كان مكتظاً بالقادمين. وبالتالي يمكن اعتبار الموسم جيد، ونحن يهمنا طبعا قدوم اللبناني العامل في الخارج، لكي يزور بلده وعائلته، ولكن يهمنا أيضاً أن نرى الصناعة السياحية تتطور في لبنان؛ ما يعني سياحة اليخوت، والسياحة الريفية، والحرجية، والإستشفائية، والدينية،... علينا التماس ورؤية كل أنواع السياحة.

فغالبية القادمين إلى لبنان خلال هذا الصيف كانوا من اللبنانيين المغتربين العائدين من أجل قضاء العطلة مع عائلاتهم.

في حين أن هناك عودة خجولة للخليجيين، ظهرت بشكل كبير في مناطق قضاء عاليه والشوف. لكن المشكلة أن المواطنين في الخليج يتأثرون بالقرارات والمواقف السياسية لدولهم وحكوماتهم. لذلك أنا كاقتصادي أقول دائما أنه ليس من المفترض أن ينحاز لبنان في السياسة إلى محور معين، بل علينا أن نبقى على مسافة واحدة من الجميع، وعلى علاقة طيبة مع الجميع. فنحن بالنتيجة بلد صغير وبعيد جداً عن ما يسمى بالحد الأدنى من الإكتفاء، وبالتالي نستورد أكثر مما نصدر بحوالى خمسة أضعاف، لذلك نحن مرتهنون فعلا إلى الخارج بكل شيء. فاستثماراتنا في لبنان ضعيفة، وخلال السنوات الخامسة والعشرين الماضية، لم يكن هناك سياسات استثمارية محفزة.

ولا بد من الاشارة الى أنه مع الفوائد التي وضعها البنك المركزي لكي يثبت سعر صرف الليرة، كيف سنحصل على استثمارات؟ وكيف سنحقق نموا ايجابيا، ونخلق فرص عمل، ونمنع الشباب من الهجرة؟

من جهة أخرى، سيتم دفع سلسلة الرتب والرواتب دون إقرار الضرائب المقررة لتمويلها، ما هي تداعيات هذا الأمر على الإقتصاد اللبناني؟

أنصح السياسيين بأن يدفعوا مبلغاً من أموالهم الخاصة لكي ينصفوا الموظفين في القطاع العام.

من ناحية ثانية، بلغت أرباح البنوك من "الهرطقة" حوالى ستة مليارات دولار خلال الصيف الماضي 2016، وعليها دفع أكثر من سبع مئة مليون دولار كضريبة أرباح؛ هل تم دفعها؟ فإذا تم دفعها، لا نعود بحاجة إلى الضرائب من أجل تمويل السلسلة. فلماذا إذا نلجأ إلى جيوب المواطنين ونحمّلها المزيد من الضرائب غير مباشرة في زمن الفقر والإنكماش الإقتصادي؟

فقانون الضرائب "طار"، والمجلس الدستوري لن يتراجع، وفي حال تراجع معناه أنه ليس هناك مجلس دستوري بعد الان، لأنه يخالف بذلك المادة 81 من الدستور اللبناني، التي تنص على منع إحداث أي ضريبة إلا بموجب قانون شامل للمالية العامة أي الموازنة العامة؛ فأين هي هذه الموازنة؟ وبالتالي لا يحق لهم فرض الضرائب دون موازنة عامة.

وهذا الأمر يعني أن القانون غير دستوري، وقد تم الطعن فيه وتعليقه تمهيداً لإلغائه. أما إذا تم إقرار الموازنة، فيجب حينها قطع الحسابات الماضية وهنا تكمن المعضلة الأخرى، وبالتالي ستتنقل الأمور من مأزق الى آخر.

ما هي توقعاتك بالنسبة إلى الأشهر المتبقية من العام 2017؟

الوضع "ترقيع" من قبل المسؤولين في الدولة، فلقد سئمناهم وسئمنا كل ما يتعلق بهم وبسلوكياتهم وماضيهم وحاضرهم، وما يحضرونه من "لا" مستقبل للبنانيين. فالطبقة السياسية باتت عبئاً كبيراً علينا، وهم نعيم لعائلاتهم وأولادهم وجحيم بالنسبة لنا.