لا تخفي المصادر الوزارية والآراء الإقتصادية تخوفها من نتيجة إيقاف قانون الضرائب على المالية العامة، خاصةّ بعد إقرار السلسلة الذي من المفترض أن تكون الضرائب مصدر تمويلها.

أوضح أحد الوزراء في حديث لـ"الإقتصاد" أن آثار إيقاف قانون الضرائب الذي تم الطعن به من قبل عشرة نواب أبرزهم النائب سامي الجميل، سيكون له نتائج كارثية على المالية العامة "الضرائب وسلسلة الرتب والرواتب قانونين منفصلين، أي أن توقف الأول لا يعني توقف السلسلة ما يشير إلى زيادة المدفوعات فقط".

ولمعرفة المزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع كان لـ"الإقتصاد" هذا اللقاء مع مع الخبير المصرفي ​عادل حمدان​:

- كيف ترى وضع المالية العامة في حال تم وقف قانون الضرائب وصرف السلسلة؟

من البديهي القول إن أية مصاريف قد تطرأ دون أن يكون لها بالمقابل أية موارد كافية، ستخلق عجزاً في المالية العامة للدولة، أما الإجراء الأسهل لتغطية هذا العجز، فهو ما يجري إقراره الآن، عن طريق فرض ضرائب جديدة.

إقرار سلسلة الرتب والرواتب، يستلزم بالطبع موارد إضافية لتغطيتها، منذ فترة ليست بقصيرة ونحن نسمع يومياً عن الفساد وعن الهدر في المصاريف العامة للدولة، وأيضاً وقوف الجهات الرسمية والسياسية كافة إلى جانب المطالبة بوقف هذا الهدر ومحاربة الفساد، لكن مع الأسف الوضع يزداد تفاقماً، والفساد يتعاظم، والهدر لم يتوفّف في المشاريع العامة للدولة كافة، وملفّ الكهرباء حدّث ولا حرج...

لا شك أن صرف السلسلة مع وقف قانون الضرائب الجديد اذا ما حصل، سيضيف عجزاً على المالية العامة للدولة، لكن هل زيادة الضرائب هي المورد الوحيد لتغطية هذه السلسلة؟ الجواب الأسهل هو نعم، لكن في الحقيقة هو لا ، فوقف الهدر هو مورد، واستثمار الأملاك العامة والبحرية هي مورد، وإيقاف رواتب النوّاب السابقين هو مورد، وتلزيم مشاريع الدولة لتكون منسجمة مع كلفتها الحقيقية وليست محاصصة هي مورد، كذلك وقف هدر الكهرباء هو أهم الموارد، والأمثلة في هذا المجال كثيرة.

فقبل اللجوء إلى الضرائب وتحميل أعبائها على المواطنين كافة لتمويل سلسلة الرتب والرواتب لفئة معيّنة من المواطنين، أو في حال عدم إقرار الضرائب وتكبيد المالية العامة نتائج صرف هذه السلسلة، ينبغي على الدولة النظر في كيفية وقف الهدر ومحاربة الفساد في الدرجة الأولى، وهذا ما يدرّ مبالغ طائلة لصالح ميزانية الدولة، أما في حال اللجوء إلى الضرائب وتحميلها للمواطنين، فينبغي بالمقابل أن يستفيد هؤلاء المواطنين من تأمينات إجتماعية وحياتية ومعيشية، وعلى الضمان الصحّي وضمان الشيخوخة في حدّها الأدنى.

- ما هي التعديلات التي ترى أنه من الضروري إجراؤها على الضرائب؟

قبل النظر إلى التعديلات في قانون الضرائب نسأل، هل الوضع الإقتصادي والمعيشي للشريحة الأكبر من المواطنين أو نسبة الحد الأدنى للأجور، يسمحان بفرض ضرائب جديدة؟

أما في حال وجود هذه الضرائب فينبغي أن تكون منسجمة مع أوضاع الفئات المختلفة من اللبنانيين، حيث تطال الفئات الأكثر يُسراً بنسبة أكبر، والفئات الأقل يُسراً بنسبة أقل، أن تُزاد الضريبة على الكماليات، وتُخفّض أو تُلغى على الحاجات المعيشية والضرورية للمواطنين. أن تُشدّد الرقابة على الأوضاع المالية المقدّمة للشركات التي تدرّ أرباحاً طائلة وعدم التهرّب، بصورة أو بأخرى، من دفع ما يتوجّب عليها حقيقة من ضرائب.

قد تكون النسب الإضافية المقترحة للضرائب، كزيادة الضريبة على القيمة المضافة، والضريبة على فوائد الودائع لدى المصارف، ورسوم الطوابع، والرسم على عقود البيع العقاري، وغيرها... قد لا تشكّل نسبة كبيرة لكلٍ منها، لكن بمجموعها قد تُصبح عبئاً على المواطنين، وبخاصة رسم البيع العقاري الذي يزيد من أعباء شراء شقة سكنية مثلاً على ذوي الدخل المحدود، وبالتالي يكون لذلك انعكاسٌ، وسببٌ إضافيٌ لبقاء أزمة السكن قائمة كما هي حالياً في لبنان.

أكد الرئيس عون هذا الأسبوع أنه سيتم وضع خطة إقتصادية تقوم على تشجيع الإنتاج لإعادة النموّ والإستقرار إلى لبنان، إلى أي مدى هذه الخطة ضرورية في هذه الفترة؟

ج: رغم الدعم الحاصل للقطاعات الإقتصادية المنتجة في لبنان عن طريق القروض التي تمنحها المصارف بفائدة مدعومة من مصرف لبنان، فإن هذه القطاعات لا تزال بحاجة إلى دعم لتشجيع الإنتاج، وتسريع العجلة الإقتصادية، وإعادة النموّ إلى المستويات التي سبق أن كان يشهدها في مراحل إعادة الإعمار والإستثمارات في لبنان ما بعد الحرب.

في هذا الإطار جاءت مبادرة الرئيس عون، وتأكيده على وضع خطة إقتصادية تقوم على تشجيع الإنتاج لإعادة النموّ والإستقرار إلى لبنان. هذه الخطة ضرورية وملحّة في هذه المرحلة التي يشهد فيها الإقتصاد بقطاعاته المختلفة تباطؤاً في عجلة النموّ، وتراجع في الإنتاج وتصريف الإنتاج على المستويات كافة.

إنما تجدر الإشارة إلا أن هذه الخطة تستلزم الظروف والبيئة الحاضنة لها كي تنجح وأهمها الإستقرار، فالإستقرار الأمني الذي نشهده في الوقت الحاضر يجب الإستفادة منه ليؤدي إلى استقرار اقتصادي واجتماعي في ظل الضغوط المعيشية القائمة، وخاصة بعد النزوح السوري إلى لبنان الذي تفاقم إبان الحرب الأهلية في سوريا. وقد زادت هذه الضغوط من عامل هجرة اللبنانيين إلى الدول الأخرى المجاورة والبعيدة أيضاً، نظراً إلى تراجع فرص العمل، وبالتالي زيادة نسبة البطالة.

كما ونرى أن أي خطة اقتصادية كي تنجح، ينبغي أن تترافق مع استمرار الإستقرار الأمني، وحوافز استثمارية وتسويقية مشجّعة في القطاعات كافة، وتشجيع المشاريع التي تلحظ الفئات الضعيفة والمتوسّطة أيضاً ودعمها كونها تُمثل الشريحة الأوسع من المواطنين، وهذا ما يؤدي إلى استقرار إجتماعي وإقتصادي ومعيشي في آن واحد. كما وإن تحفيز الإستثمارات الكبيرة الحجم قد يُسهم إلى حد كبير، في زيادة فرص العمل وتخفيف نسبة البطالة.

في هذا الإطار أيضاً، يُتابع مصرف لبنان إصداره للتعاميم التي تدعم فوائد القروض في القطاعات المنتجة، وقد ترك هذا الدعم ارتياحاً لدى الأوساط الإقتصادية كافة ولا يزال، وبالتالي أصبح ضرورياً الإستمرار به، خاصة لأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم.

ما هي توقعاتك للأشهر المقبلة من العام 2017 في حال استمر الوضع كما هو؟

يبدو أن الأشهر القليلة الماضية انعكست إيجاباً على الوضع الإقتصادي بشكل عام، وعلى تحريك العجلة الإقتصادية، فزيادة الوافدين من الخارج والحركة الكثيفة والإستثنائية لمطار رفيق الحريري الدولي، والموسم السياحي الجيّد، وإحياء المهرجانات والحفلات الفنيّة في المناطق كافة، كل ذلك يُبشّر بإعادة الحياة تدريجياً إلى وضعها الصحيح والإيجابي، وإلى الزيادة في النموّ، لكن ذلك لا يكفي في وقتنا الحاضر، فالظروف المعيشية تتفاقم والأقساط المدرسية والجامعية تزداد بوتيرة عالية ، الهجرة إلى ازدياد، والدين العام إلى تفاقم. من هنا نرى مبادرة الرئيس عون لوضع خطة إقتصادية شاملة لتشجيع الإنتاج وإعادة النموّ هي في توقيتها الصحيح.

أما التوقّعات للأشهر المقبلة من العام 2017، وفقاً للمعلومات المتوافرة، ولسجلّات المسار خلال الأشهر السابقة، واستمرار التأكيد من مصرف لبنان على استقرار الوضع النقدي، وغيرها من المؤشرات الإيجابية، إضافة إلى الإستقرار الأمني الذي يشهده لبنان في الداخل، وحالياً على حدوده الشمالية الشرقية بعد نجاح معركة فجر الجرود، ستكون استكمالاً لما سبق أن تحقّق خلال هذا العام، ومؤشراً للإستمرار في تنشيط الدورة الإقتصادية وزيادتها خلال الأشهر المقبلة، لا سيّما خلال موسم الأعياد آخر السنة.