أثبتت سيدة الأعمال اللبنانية إنغريد رعد الدحداح إصراراً، وإرادة، وثباتاً، وقدرة واسعة على تحقيق التميز والنجاح. فقد تفوقت وأبدعت طوال مسيرتها المهنية، وكرّست وقتها ومهاراتها وخبراتها من أجل إيصال شركتها إلى أعلى المستويات.

فهي وضعت أمام نفسها أهدافاً معينة، وبذلت كل ما بوسعها من جهود لتحقيقها، ونفذت خططها دون تأجيل، كما استمعت إلى الصوت الإيجابي القادم من داخلها، وثابرت على العمل، ولم تستسلم أبداً، بل تعلمت من أخطائها وتجاربها الخاصة، واعتبرتها خطوة تقودها نحو النجاح.

كان لـ"الإقتصاد" هذه المقابلة الخاصة مع مؤسسة شركة "Diffa Group" الموجودة في شارع مونو في بيروت، إنغريد رعد الدحداح، للتعرف إلى رحلتها المهنية الطويلة، والصعوبات التي واجهتها، بالإضافة إلى خطواتها المستقبلية، ونظرتها إلى واقع المرأة اللبنانية.

من هي إنغريد رعد الدحداح؟

تخصصت في الإقتصاد، وحصلت على إجازة في هذا المجال في لبنان، وعلى ماجستير في باريس. وبعد عودتي إلى بلدي الأم، بدأت بالبحث عن فرص عمل، لكنني لم أنجح في الحصول على وظيفة، فبدأت "Diffa" كهواية، وكانت في الوقت ذاته مشروعي للتخرج.

بعد فترة، وجدت وظيفة شاغرة في أحد المصارف، وعلى مدى تسع سنوات، عملت في المجالين معاً؛ حيث كنت موظفة في المصرف، ومديرة في "Diffa".

لكن المسؤوليات زادت مع الوقت وأصبحت الأمور أصعب بالنسبة لي، لذلك كان لا بد لي أن أختار مسيرة مهنية واحدة من الإثنتين. وبالتالي اخترت "Diffa"، مع العلم أنني حصلت على ترقية في المصرف، وأصبحت رئيسة قسم. فكلما كنت أقترب من ترك وظيفتي الثابتة، يحدث أمر ما في البلد، يجعلني أخاف من المخاطرة. وعندما استقلت من وظيفتي في المصرف، تفاجأ الجميع ونصحوني بعدم القيام بهذه الخطوة، خاصة في ظل الأوضاع المأزومة في البلاد، ولأن الخدمات التي نقدمها كانت تعتبر فاخرة، ولم تكن ضرورية آنذاك.

ولكن بعد أن تم اختياري لتمثيل لبنان في وفد المرأة في "women entrepreneurship program" في الولايات المتحدة، اعتبرت هذا الأمر بمثابة إشارة، وقررت المجازفة والتركيز على شركتي أكثر. وفكرت أنني إذا لم أقم بهذه الخطوة الآن، فلن أقوم بها أبداً.

لذلك استقلت في العام 2009 من المصرف، بعد تسع سنوات من العمل فيه، وسافرت لمدة ثلاثة أسابيع إلى الولايات المتحدة خلال موسم الذروة لـ"Diffa"، الأمر الذي أجبرني على تسليم مسؤولياتي في الشركة وتقسيم المهام على أشخاص آخرين، بينما كنت أقوم بكل تلك الأمور بمفردي طوال السنوات الماضية.

وفور عودتي، وسعّت عمل الشركة، وحصلت على مكتب خاص، كما وظفت شخصاً للعمل معي بدوام جزئي. واليوم بات لدينا سبعة موظفين يعملون بدوام كامل. كما أنه عندما أطلقت "Diffa" في العام 2001، كنت أتعامل مع أقل من عشرين مضيفة، أما اليوم فبات لدينا أربع مئة مضيفة.

هل تمكنت من إيصال خدمات "Diffa" إلى خارج لبنان؟

استلمنا العديد من المناسبات في الخارج، لكننا لا نمتلك مكتبا إلا في لبنان، لأن هذا الموضوع دقيق للغاية، خاصة في هذا المجال. فإذا لم يكن الشخص موجوداً في كل دقيقة من العمل، بعينيه ويديه وتفكيره، قد يحدث شيئٌ يعيدنا عشر سنوات إلى الوراء.

كيف تنافس "Diffa" الشركات الأخرى العاملة في هذا المجال؟

نحن موجودون في السوق منذ ست عشرة سنة، وبالتالي "Diffa" هي الأقدم والأكثر نشاطاً. كما أن موظيفنا هم أشخاص ناضجون، ويتمتعون بخبرة طويلة وغنية بالتجارب، وبالتالي يستطيعون مساعدة الزبائن على الأرض، من أجل التميز رغم كل الظروف، والمساهمة في إنجاح كل حدث نشارك فيه.

ماذا عن صفاتك كسيدة عاملة؟

أنا امرأة عنيدة وهذا الأمر ساعدني كثيراً على الاستمرار. كما أنني أحب عملي وأثابر عليه، ولا زلت أشعر بالحماس بشكل يومي تجاهه؛ وبسبب حماسي قد أنسى أحياناً النوم والجوع.

لكنني قمت بتضحيات عدة في سبيل "Diffa"، خاصة في البداية؛ إذ كنت حينها أبلغ من العمر عشرين سنة، وأعمل في مجالين، ولهذا السبب فوّت الكثير من المناسبات الشخصية والأعياد. لكن هذه التضحية لم تكن مزعجة بالنسبة لي، بل على العكس كنت سعيدة دائماً بما أقوم به، وهذا الأمر أتاح لي أن أحصد ثمرة تعبي بعد فترة.

ما هي الصعوبات التي تواجهك في عملك؟

أولا، واجهنا صعوبات عدة في البدايات، خاصة في ما يتعلق بالبنية التحتية؛ فوسائل التواصل الإجتماعي مثل "فيسبوك" و"واتساب" لم تكن موجودة، كما أن شبكة الإتصالات كانت سيئة للغاية، وخدمة انترنت كانت غير موثوقة وغير فعالة، وبالتالي كنا نعاني أحياناً من بعض العوائق لكي نتواصل مع المضيفات. ولكن مع التكنولوجيا الحديثة الموجودة اليوم باتت الأمور أسهل بكثير.

ثانياً، في العام 2001 لم تكن المؤسسات أو الجهات الداعمة للأعمال الجديدة موجودة، وبالتالي لم نحصل على المساعدة من أحد. فمن أراد أن يطلق مشروعه في ذلك الوقت، كان عليه أن يتعلم من أخطائه ومن تجاربه الخاصة، وأن يكتشف الأمور والحلول لوحده.

ثالثاً، إن حالة عدم الإستقرار المخيّمة على البلاد أثرت علينا بشكل كبير.

رابعاً، واجهنا صعوبة من الناحية الإدارية، فنحن نؤمن الوظائف بدوام جزئي، وبالتالي تكون "Diffa" أول خبرة مهنية للشبان والشابات في الجامعات. لذلك عندما ينهون دراستهم، يتوظفون في أماكن أخرى أو يسافرون إلى خارج البلاد، وبالتالي نضطر للتعاون مع موظفين جدد.

ما هي طموحاتك المستقبلية على الصعيد العملي؟

في كل مرة، أظن أنني وصلت إلى ذروة طموحاتي، وأسأل نفسي ماذا أستطيع أن أقدم بعد؟ وفي كل مرة، أرى أن العمل لا يتوقف، والطموحات والمشاريع لا تنتهي.

فعلى سبيل المثال، فرحت كثيراً في تاريخ 15 تموز الماضي، حين تمكنت "Diffa" من تأمين مئتين وثلاثين وظيفة في الوقت ذاته، خلال اثنين وعشرين حدثاً متزامناً في المناطق اللبنانية كافة؛ وهذا النهار كان بمثابة القمة لـ"Diffa".

لكن لا بد من الإشارة إلى أن يداً واحدة لا تصفق، وأنا مدركة تماماً أن العمل الجماعي الذي نقوم به، وطريقة العمل المتبعة في المكتب، والتجارب التي مررنا بها خلال السنوات الماضية، هي عوامل ساعدتنا على الوصول إلى أهدافنا.

وهذا الأمر دفعني إلى التفكير أن الإنسان يحصد في المستقبل، ما زرعه في الماضي، حتى ولو استغرق الأمر بعض الوقت؛ إذ يجب أن نصبر لكي نجد.

كما لاحظت أنني إذا وضعت اليوم عدداً من الأهداف أمامي، سأتمكن من تحقيقها بعد سنة أو سنتين أو ثلاث سنوات، بمساعدة فريق العمل الرائع. وفي الوقت الحاضر، لدينا عدد من المشاريع التي نفكر فيها، لكنني غير قادرة على التكلم عنها بعد، ولكن أستطيع القول والتأكيد أننا نسير على السكة الصحيحة.

كيف تنجحين في تحقيق التوازن بين شركتك الخاصة وعائلتك؟

في الوقت الحاضر، تعلمت كيفية تحقيق التوازن، لكنني مررت بفترة صعبة للغاية في الماضي، لأنني أم لولدين صغيرين، ومن الصعب جداً أن أتركهما لوقت طويل. لكن لاحظت أنني محظوظة للغاية بسبب كوني صاحبة العمل، لأن هذا الأمر يساعدني كثيراً على تنظيم حياتي، كما أستطيع أحياناً العمل من المنزل، والتعديل في جدول المواعيد والتحكم بالوقت.

من الصعب جداً العثور على التوازن الصحيح بين الحياة العملية والحياة الخاصة، لكنني أشكر الله لأنني كثيراً ما كنت محاطة جيداً، وتعلمت التنسيق من الأشخاص من حولي. فأنا كنت غارقة بعملي، وكان من الصعب بالنسبة لي أن أفهم أنني قادرة على التخفيف قليلاً، لكي أهتم بأولادي وعائلتي وبنفسي أيضاً، لأنه من الضروري جداً أن تهتم المرأة بنفسها.

هل تلقيت الدعم من زوجك؟

نعم بالطبع، لزوجي فضل كبير جداً في مسيرتي المهنية. فأنا أعرفه منذ إحدى وعشرين سنة، وبالتالي كان شاهداً على جميع مشاريعي وأحلامي، كما كان موجوداً عندما حققتها، ودعمني إلى أقصى الحدود.

كما أنه يساعدني كثيراً في تربية الأولاد، فنحن نعمل في مجال الأحداث والمناسبات لذلك لا يتوقف العمل، ونضطر للبقاء في المكتب طوال النهار، وفي المناسبات طوال الليل. ولهذا السبب ما كنت لأنجح لولا دعمه المتواصل.

كيف تقيمين حالة المرأة اللبنانية في أيامنا هذه؟

تقدمت المرأة اللبنانية حتماً، وبات هناك العديد من المؤسسات والجمعيات التي تساعدها وتدعمها وتكسر المحرمات، وتدفع بها إلى الأمام. وهذا الأمر لم يكن موجوداً في السنوات الماضية.

لذلك أعتبر أن النساء في لبنان يسرن حالياً على السكة الصحيحة، فالمرأة التي كانت تخجل وتخاف، أصبحت تتجرأ وتبادر وتتوجه إلى تلك المؤسسات لكي تحصل على الدعم والمساعدة.

ما هي رسالة إنغريد رعد الدحداح إلى المرأة؟

لا يجب أن تخجل المرأة أو تخاف، وعندما يكون لديها مشروع أو حلم تفكر فيه، لا يجب أن تشكك بالصوت الإيجابي القادم من عقلها وقلبها، بل عليها الإستماع إليه والسير إلى الأمام.

كما لا يجب أن تخجل من السؤال، ومن طلب المساعدة والنصيحة، سواء في المجال الشخصي أو المهني. وعليها أن تتبع حدسها، وتتوجه إلى الأشخاص القادرين على مساندتها، وتبدأ ببناء حلمها خطوة بخطوة، لكي تخرج من السجن الداخلي الموجودة فيه. ولكن ليس من الضروري أن يكون حلم المرأة مهنيا، بل من الممكن أن يكون شخصياً أيضاً.

وفي النهاية أقول "لا يفوت الأوان أبداً، فالنجاح قابل للتحقيق في جميع المراحل العمرية".