استمرت مفاعيل عملية "فجر الجرود" على رأس سلّم أولويات الأحداث مع كل التداعيات الايجابية لهذا الانتصار الوطني الكبير على مختلف المستويات، ومنها بالاخص المستوى الاقتصادي الذي، وبحسب متابعين، سيكون المستفيد الأول من هذا الانجاز وإن يكن هذا الأمر يتطلّب بعض الوقت.

وفي الانتظار، جاءت المؤشرات الاقتصادية والمالية متأرجحة بين المقبول وبين السلبي على غرار ما أعلنته وكالته "موديز" للتصنيف الدولي حيث عمدت الى تخفيض التصنيف السيادي للحكومة اللبنانية من "B2" إلى "B3"، في حيت حسّنت النظرة المستقبلية من "سلبية" الى "مستقرة". وبحسب الوكالة، فان اهم العوامل التي أدّت إلى هذا التخفيض هي، وبالرغم من اقرار بعض القوانين الجديدة والاصلاحات التي تساهم في زيادة القوة المؤسساتية في لبنان، لايزال هذا الاخير يعاني من تردي وضع الميزان التجاري ترافقاً مع بعض النمو الاقتصادي المتوقع، وهي عوامل تجعل لبنان أكثر تأثّراً بالصدمات الخارجية. في اطار آخر، إن أبرز نقاط القوة التي سلّطت الوكالة الضوء عليها جاءت كالتالي: قطاع مصرفي قوي، سجل يعكس التزام الدولة الكامل بتسديد مستحقاتها المالية بالرغم من الصعوبات السياسية والاقتصادية المختلفة، بالاضافة الى متوسط دخل للفرد الواحد مرتفع نسبياً. في المقابل، اختصرت وكالة "موديز" التحديات القائمة كالتالي: مستوى الدين العام العالي، العجز الكبير في الموازنة والميزان التجاري واستمرار الارتدادات السلبية للصراعات الاقليمية السائدة لاسيما الحرب في سوريا. بالاضافة الى ذلك، حسّنت "موديز" النظرة المستقبلية للتصنيف السيادي المعطى للبنان من "سلبية" الى "مستقرة"، في انعكاس لاستعادة العمل الحكومي بنشاطه والسجل الممتاز للدولة من حيت التزاماتها في خدمة الدين العام.

من جهتها، منحت وكالة التصنيف الدولية "فيتش" دين لبنان السيادي درجة "B-"، مع نظرة مستقبلية "مستقرة"، ومشيرة الى ان التصنيف يرجع الى الضعف البالغ للاوضاع المالية العامة وارتفاع المخاطر السياسية والامنية واداء اقتصادي هزيل.

لكنها، أضافت، ان التصنيف يأخذ في الحسبان أيضاً نقاط القوة في الاقتصاد اللبناني مثل السيولة الخارجية القوية ومتانة النظام المصرفي ومزايا هيكلية مثل ارتفاع نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي ومؤشرات التنمية البشرية الايجابية.

وقالت "فيتش" انها تتوقع تقلّص عجز الميزانية الى 9.5% من الناتج المحلي الاجمالي في 2017 ثم الى 8.9% في 2018-2019 وان ترتفع نسبة الدين الحكومي الى الناتج الاجمالي لتسجّل نحو 155% في 2019.

في مقلب آخر، أثار قرار المجلس الدستوري تجميد مفاعيل القانون 45 تاريخ 21/8/2017 المتعلّق بالحزمة الضريبية التي أقرت لتمويل سلسلة الرتب والرواتب أزمة على مختلف المستويات كون قرار المجلس قضى بتجميد استيفاء الضرائب التي لحظها في القانون المذكور حيث ان المؤسسات والادارات المعنية بهذا القانون كانت قد باشرت فعلياً باستيفاء الضرائب والرسوم الاضافية الجديدة، المصارف (زيادة الفائدة على الودائع من 5 الى 7%) وشركتي الهاتف الخليوي ورسم خروج المسافرين من مطار بيروت الدولي، اضافة الى رفع ضريبة القيمة المضافة من 10 الى 11%. كل هذه الامور خلقت بلبلة واسعة على مستوى مختلف هذه الادارات والمؤسسات ما دفع ببعضها الى تجميد استيفاء الرسوم والضرائب الجديدة كما فعلت المديرية العامة للطيران المدني بانتظار قرار المجلس الدستوري الناجز بهذا الشأن.

من جهة ثانية، اصدرت المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات في لبنان (ايدال) تقريرها السنوي في العام 2016، قدّرت من خلاله حجم تدفق الاستثمارات الاجنبية المباشرة الى لبنان بـ2.56 مليار دولار خلال 2016 مقارنة بحوالي 2.34 مليار دولار في العام 2015 و 3.10 مليار دولار في 2014. وذكّرت المؤسسة انه خلال الفترة الممتدة بين عامي 2001 و2016 استفاد 50 مشروعاً من الحوافز المالية وغير المالية العديدة التي قدّمتها "ايدال" والتي بلغ حجم الاستثمار فيها حدود 1.77 مليار دولار، مؤمّنة بذلك اكثر من 6000 فرصة عمل.

وأخيراً، تظهر الاحصاءات الصادرة عن ادارة الاحصاء المركزي انخفاضاً شهرياً بنسبة 0.19% في مؤشر اسعار الاستهلاك في لبنان خلال تموز الماضي، مقارنة معغ تراجع بنسبة 0.11% في شهر حزيران. أما على صعيد سنوي، فقد ازداد مؤشر تضخم الاسعار بنسبة 3.12%.

وفي المحصّلة، تتجمّع وتتراكم مؤشرات ايجابية عديدة وتلعب في المستقبل القريب لمصلحة الاقتصاد اللبناني، حيث سيكون للانجازات الامنية الكبيرة التي راكمتها القوى العسكرية على امتداد السنوات الخمسة الماضية أثرها البالغ والمباشر بدعم وتوفير متطلّبات النهوض الاقتصادي.