لطالما ارتبط الوضع الاقتصادي بالوضع الأمني والسياسي على مراحل مختلفة. وكل انتكاسة امنية كانت تؤخر اي خطوة استثمار جديدة الى جانب عرقلة النمو وفرملة الإنتاج.

فالإستثمارات التي تراجعت بشكل كبير في 2013 شهدت حركة تصحيحية بين 2014 ثم عادت الى التراجع في 2015 و2016.

اليوم في 2017، كل المؤشرات تدل على ان النمو في لبنان محدود رغم أنه سيرتفع إلى 2.5% هذه السنة. ومع أن نسبة النمو أفضل من العام الفائت، يبقى هذا النمو منحسراً مقارنة مع نمو الدين ومستوياته والعجز المتراكم بدون القدرة على الدخول في مرحلة مستدامة من الفوائض الأوّلية. ومن الملاحظ أن النمو الذي شهده لبنان في الأعوام 2008 و2009 و2010 وبلغ نسبة 8 و9 في المئة سنوياً، لم يثمر تحقيق أكثر من نصف بالمئة زيادة فرص عمل، مما يدل على مشكلة إنتاج فرص عمل في الاقتصاد اللبناني وتمركزه في قطاعات قليلة جداً وعدم إمكان تحفيز الاستثمارات في قطاعات معيّنةبحيث تمهدلخلق فرص عمل وعدم إمكان جلب استثمارات خارجية لهذه القطاعات.

اليوم الكل يترّقب الانفراج وبعد الامن على المستوى الاقتصاد في لبنان . فبعد انتصار معركة ​فجر الجرود​ التي حققها الجيش اللبناني حيث دُحر فيها الارهابيون من داعش واخوانهم وتمّكن من إعادة السيطرة على مناطق لبنانية اختطفها الارهاب وحوّلها محور انطلاق لتنفيذ عملياته الاجرامية لابد ان هذا الارتياح سينسحب على قطاعات عدة تتعطش الى عامل الثقة والسلام والاستقرار.

هل سينعكس نجاح عملية القضاء على الارهاب في لبنان على الاقتصاد الذي يدور في دوامة الإنكماش؟

عجاقة

الخبير الإقتصادي والإستراتيجي البروفسور جاسم عجاقة يقول انه : لا شك فيه أن الثبات الأمني هو أحد ركائز الإقتصاد حيث أن صلة الوصل هي الثقة والتي تتعلّق بستّة عوامل هي : الثبات الأمني، الثبات السياسي، تداول السلطات، قوانين عصرية تواكب التطور، خطّة إقتصادية، ومحاربة الفساد. وبالتالي فإن القضاء على داعش هو وعلى إرهابه عنصر أساسي في إستعادة الثقة.

اليوم يُمكن القول أن التداعيات ستكون على مستويين:

أولًا : إستعادة الأراضي التي كانت تحتلها داعش مما يعني أن السكان يُمكنهم إستغلال أراضيهم من جديد كما أن الحركة التجارية ستكون حُرّة أكثر مع غياب الإرهابيين.

ثانيًا : على صعيد الثقة، من ناحية ، أن الإستثمارات ستجد طريقها إلى تلك المناطق وعموما ً إلى لبنان مع إظهار الجيش اللبناني قدرته على السيطرة على الحدود.

لكن هذه التداعيات الإيجابية تبقى مرهونة بعدّة عوامل أخرى كما وسبق الذكر أعلاه حيث أن العوامل الأخرى وعلى رأسها تداول السلطة والثبات السياسي والخطّة الإقتصادية ومحاربة الفساد، لها وزنها في ترجمة الإيجابيات الناتجة عن دحر التنظيم الإرهابي. لذا يُمكن القول أن الطابة الأن هي في ملعب الطبقة السياسية التي من المفروض أن تُجري الإنتحابات النيابية وتضع خطّة إقتصادية واضحة لمعرفة أي إقتصاد يُريده لبنان وكيفية الوصول إليه.

ولكن وابعد من ذلك ، وتماشيا مع تراجع قوة هذه الجماعات الارهابية و أفول الارهاب وتجفيف تمويل منابعه هل هناك من نتائج على الوضع الاقتصادي في المنطقة وخصوصا في لبنان؟

يعتبر البروفسور عجاقة ان التمويل يبقى العنصر الأساسي في العمليات الإرهابية العصرية وهذا ما أظهرته هجمات 11 أيلول في الولايات المُتحدة الأميركية. من هذا المُنطلق، فإن تجفيف منابع تمويل المُنظمات الإرهابية هو ردّ مُباشر على الأعمال الإرهابية في العالم.

ويقول" للاقتصاد" بإعتقادنا، إن الخوف الأن يأتي أكثر من الخلايا النائمة الموجودة في المنطقة وخصوصا في لبنان. والمطلوب شفافية أكبر في كشف هذه الخلايا ومصادر تمويلها لأنها أصبحت تُشكّل الخطر الأول على لبنان وعلى إقتصاده بعد طرد الإرهابيين من الأراضي اللبنانية.

وللقيام بذلك يتوجّب على الدولة أن تعمد إلى تخصيص أموال في الموازنة العامّة للأجهزة الأمنية لمُكافحة الإرهاب على الأراضي اللبنانية. وهذا الأمر يُغطّي قسم من المكونات الثلاثية في الإستراتيجيات الدفاعية الوطنية – أي الحفاظ على السيادة الوطنية، الحفاظ على حياة المواطن اللبناني والحفاظ على المصالح الإقتصادية للبنان.

باختصار، الاقتصاد اجتاز مرحلة الامن بعملية الجرود التي كلفّت لبنان شهداء جنود وعسكريين الا انه حتى اليوم لا يمكن معرفة ما اذا كان هذا الملف الذي نأمل ان يكون قد طوي سيفتح ملف الاقتصاد الذي ُصفع بسلة ضرائبية بحجة تمويل سلسلة الرتب والرواتب، علماً ان أي دولة تتجه نحو زيادات ضريبية ملحوظة، أو زيادات ضريبية تبدو معقولة رغم انها تضر بالنشاط الاقتصادي، عليها ان تكون دولة منتظمة، أي ان يكون جهازها الاداري وأنظمتها القانونية حديثة ومبنية على قواعد ادارية تتماشى مع العصر الالكتروني الذي تعيشه المجتمعات الحديثة.

الجدير ذكره، ان الوضع المالي للخزينة أو للدولة، يُسجّل سنة بعد أخرى مستويات عجز عالية، ويتوقع أن يبلغ العجز هذه السنة نحو 8،5% من الناتج القومي وهي نسبة مرتفعةً. وهذا العجز مرتبط بنيوياً بتركيبة الموازنة العامة، إذ أن شكل هذه الموازنة العامة لناحية الإيرادات يقوم على ضريبة أساسية هي الضريبة على القيمة المضافة، يتبعها رسم الاتصالات وبعده ضريبة الدخل ورسوم الإستهلاكوالجمارك. وبالتالي فإنّ الثقل الضريبي الأساس هو على الاستهلاك والثاني هو على المداخيل والثالث شبه المعدوم هو على الثروات.

وفي غضون ذلك ، زهاء 75% من النفقات هي إما للرواتب والأجور والتعويضات أو لخدمة الدين أو للمساهمة في تمويل كهرباء لبنان. وبالنسبة لموضوع الرواتب والأجور والتعويضات، فإنّ القطاع الخاص لم يعد قادراً اليوم على إنتاج فرص عمل بالحجم اللازم، وهذا ما أدى إلى خلق فرص عمل في القطاع العام، قد يكون بعضها مجدياً وبعضها الآخر غير مجدٍ وفق ما يذكره مدير عام المال آلان بيفاني.