مع الإقتراب من حلول ​عيد الأضحى​، اقتدت العادة أن يتدفّق الناس نحو الأسواق التجارية من أجل التهيؤ لاستقباله من خلال شراء الملابس والأحذية الجديدة للأولاد، واتباع العادات التي تناقلها الأجداد وخاصة تلك المتعلقة بالمأكولات والمشروبات و"الضيافات" التقليدية.

لكن العيد أقبل هذا العام أيضاً، في ظل أوضاع إقتصادية وأمنية ونفسية، متأزمة وصعبة. فالقدرة الشرائية للمواطنين لا تزال محدودة، كما كانت عليه في السنوات الأخيرة الماضية، كما أن الحزن يخيّم على النفوس، والغصّة حاضرة لدى الجميع، خاصة بعد معرفة خبر استشهاد العسكريين الثمانية المخطوفين لدى التنظيم الإرهابي "داعش" بعد ثلاث سنوات من الإنتظار والترقب.

فعلى الرغم من التوقيع على قانوني سلسلة الرتب والرواتب، والضرائب المستحدثة لتمويلها، وإغلاق بذلك أحد الملفات الأكثر تعقيداً في تاريخ البلاد. وعلى الرغم من تحسّن الحركة السياحية وزيادة عدد السياح القادمين إلى ​لبنان​ بنسبة 14.2% وإنفاقهم بنسبة 6% خلال النصف الأول من العام 2017، بحسب ما ورد في التقرير الصادر عن "فرنسبك"، والذي أكد عليه أيضا وزير السياحة أواديس كيدانيان. ورغم انتصار الجيش اللبناني في معركة "فجر الجرود" ودحر إرهابيي "داعش" من جرود القاع ورأس بعلبك، وبالتالي بسط سلطة الدولة اللبنانية على أراضيها كافة، لا تزال غالبية الأسواق اللبنانية تعاني من الركود بسبب ضعف القدرة الشرائية والاستهلاكية للمواطن.

فالتاجر اللبناني يعلق آمالاً كبيرة على الأيام التي تسبق حلول عيد الأضحى، الذي يعتبر آخر مواسم الصيف، وذلك لإنعاش الحركة وكسر حالة الجمود القائمة والتخلص من البضائع الموجودة، لكي لا يضطروا لتخزينها حتى العام المقبل. لكن المواطن اللبناني في المقابل، لا زال يعيش بميزانية محدودة، ويخوض صراعات دائمة ويومية من أجل الحفاظ على وجوده الاقتصادي ومستوى معيشته. ورغم غياب الإحصائيات الدقيقة حول توزيع الدخل في لبنان، لكن المجموعة الأكبر من السكان تنتمي إلى الفئة الأقل من الطبقة الوسطى، أي الفئة التي تواجه شهرياً مشكلة في تغطية نفقاتها وتأمين حاجاتها. لذلك قد يمتنع البعض عن شراء مستلزمات العيد، وقد يكتفي البعض بالضرويات، كما قد يلجأ البعض الآخر إلى الأسواق الشعبية، ويتجنبون الأسواق المعروفة ذات الأسعار المرتفعة. لكن الأمر المؤسف حقاً في لبنان، هو أن نشهد على تلك الفجوة الكبيرة الموجودة بين الأثرياء والفقراء، خاصة مع استمرار تدهور الطبقة الوسطى.

من جهة أخرى، وبالإضافة إلى الضائقة الإقتصادية والمعيشية التي تخيّم على البلاد منذ فترة ليست بقصيرة، تواجه بالعادة العائلات اللبنانية نفقات زائدة وغير إعتيادية خلال شهر أيلول، وذلك لأن عيد الأضحى ينتهي بافتتاح السنة الدراسية الجديدة، مما يحمّل المواطنين المزيد من الأعباء الإقتصادية، خاصة مع الحديث مؤخراً عن إمكانية رفع الأقساط المدرسية، وباقتراب موسم الشتاء أيضاً الذي يتطلب مصاريف إضافية من أجل تأمين التدفئة.

وبالتالي الآراء متفاوتة حول حركة الأسواق اللبنانية، ففي حين تشهد بعض المناطق حركة ناشطة ومزدهرة، وإقبالا كثيفا من اللبنانيين والمغتربين والسياح، يخيم الجمود على مناطق أخرى، وسط توقعات وآمال بازدياد الحركة خلال الأيام القليلة المقبلة.

وللتعرف إلى أوضاع الحركة التجارية في بعض المناطق اللبنانية، كان لـ"الإقتصاد" أحاديث مع بعض الجهات المختصّة:

عبود

فأشار رئيس جمعية تجار الحدث أنطوان عبود، إلى أن الحركة التي كانت المتوقعة لم تحصل إلى حد الآن، فعندما تم إقرار قانوني سلسلة الرتب والرواتب والضرائب المرافقة لها، لم يأخذ الناس هذا الموضوع بجدية، وبالتالي لم نشهد الحركة التي من المفترض أن تحصل.

وقال "هناك قطاعات تتحرك، مثل المتاجر التي تبيع المستلزمات المنزلية والمفروشات وغيرها، أما بالنسبة إلى الملابس والأحذية، فلا تزال الحركة خجولة ولم يتحرك سوقها، لكننا نأمل أن نشهد المزيد من التحسن في الأيام المتبقية قبل العيد".

وبالمقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي، أوضح عبود أن هذا العام أفضل من سابقه، لكن الحركة لا تزال غير واضحة، لأن المواطن جالس حالياً في منزله يراقب الأوضاع بترقب عبر شاشات التلفزة، لكي يعرف مصير الملفات العالقة في البلاد.

كما لفت إلى أن صيف العام 2017، كان لا بأس به بشكل عام، وشهدت منطقة الحدث بعض الحركة بسبب افتتاح الشوارع الجديدة والأرصفة والطرقات الجميلة، التي كانت مغلقة خلال العام الماضي بسبب أعمال البنية التحتية. مضيفاً أن "كل هذه الأمور تحسن الحركة، لكن الأمر بحاجة إلى بعض الوقت لكي نشهد تغييراً ملحوظاً".

عبدالله

بدوره أوضح رئيس جمعية تجار سوق معوض عصام عبدالله، أن هذه الفترة هي من أسوأ الفترات التي تمر على الأسواق، فالحركة متراجعة إلى حد كبير، والوضع الإقتصادي والأحداث في المنطقة هي أمور لها انعكاسات كبيرة على القدرة الشرائية.

وقال إن "المغترب اللبناني يصل إلى الأراضي اللبنانية، ويتجه على الفور إلى قريته، لذلك فإن حركة الأسواق خلال فترة عيد الأضحى خفيفة جداً، لكننا نأمل خيراً ونتفاءل دوماً، كما نتمنى أن تتحرك الأسواق أكثر بعد انتهاء أزمة داعش".

وأضاف عبدالله "لقد وصلنا إلى أبواب المدارس، وهذا الأمر يؤثر كثيراً على الحركة. وبالمقارنة مع العام الماضي، هناك تراجعٌ بحوالى 20% إلى 30%. كما أن فصل الصيف كان سيئاً أيضاً للأسف، والتراجع الحاصل هو غير طبيعي، فهناك العديد من المتاجر التي أجبرت على إغلاق أبوابها، وبالتالي فإن الوضع الإقتصادي سيء للغاية، لكننا نتفاءل بالخير لكي نجده، ونأمل أن نحقق بعض النشاط قبل عيدي الميلاد ورأس السنة".

بدوي

من جهته أوضح رئيس جمعية تجار صور ديب بدوي، أن أسواق المدينة جيدة جداً في أيامنا هذه، وليس فقط بسبب عيد الأضحى، بل بسبب قدوم المغتربين اللبنانيين أيضاً والفلسطينيين بالتحديد ، الذين يحركون الأسواق في المنطقة بشكل كبير.

وأشار إلى أنه خلال العام الجاري، شهدت المنطقة العديد من الأحداث الضخمة، وكانت السياحة الداخلية جميلة للغاية، كما أن رواد البحر كانوا ناشطين جداً؛ وهذه العوامل تنشط الأسواق وتحرك العجلة الإقتصادية. ونأمل أن يستمر هذا الزخم والنمو مع اقترابنا من فصل الشتاء.

وأضاف بدوي: "كل الأسواق شهدت تحسناً بالمقارنة مع العام الماضي، لكن يجب أن نأخذ بالإعتبار، المصاريف الضخمة المترتبة على المصالح التجارية، فالحركة الإقتصادية والتجارية قوية، لكن المصاريف كثيرة على التجار، ما يؤثر على نفسياتهم".

التنير

أما في بيروت، فالوضع متأزم جداً، إذ أشار نائب رئيس جمعية تجار بيروت جهاد التنير، إلى أن الحركة سيئة للغاية، والتحسن غائب بشكل كامل، لأن الظروف السياسة والأمنية ضغطت على الأسواق، لذلك نشهد في الوقت الحاضر استمرار الجمود الإقتصادي في البلاد.

وقال "هناك حركة سياح قادمين إلى لبنان، لكن غالبيتهم قادمين لتمضية فترة عيد الأضحى مع عائلاتهم. في حين أن السائح الأجنبي أو العربي، الذي يصرف الأموال بالعادة في لبنان، لم يأتِ".

وأضاف التنير أن المواطنين شدوا الأحزمة تحسبا للزيادات على الأقساط المدرسية وبدلات النقل، وبالتالي لا يريدون أن يصرفوا الأموال في الوقت الحاضر.

كما لفت إلى أنه بالمقارنة مع العام الماضي، هناك تراجعٌ كبيرٌ، فالإقتصاد بشكل عام في لبنان يعاني، خاصة بعد إقرار السلسلة والضرائب الجديدة. وصحيح أن تلك الضرائب لم تطبق بعد، لكن الجو العام متراجع ومشكك به، فكل شخص يخاف على أمواله، ويتحسب للمرحلة المقبلة، لأن المواطن مقبل على مصاريف ضخمة خاصة بعد الحديث عن الزيادات في مختلق المجالات. لذلك يمكن القول إن عيد الأضحى لم ينعش الأسواق على الإطلاق.

شهيب

من ناحيته، أوضح رئيس جمعية تجار عاليه سمير شهيب، أن حركة الأسواق عادية، وعيد الأضحى لم يغير شيئاً. وقال "نتوقع أن تتحسن الأمور بعض الشيء خلال اليومين القادمين، لكننا لا ننتظر النتائج المهمة والكبيرة".

وأضاف أن السبب يكمن في الأوضاع العامة والوضع الإقتصادي والإشكالات الحاصلة في الجرود، التي أثرت على نفسية المواطنين.

كما لفت شهيب إلى أن موسم الإصطياف في عاليه بشكل عام، كان مقبولاً وأفضل من العام الماضي. فالتحسن ملحوظ، ولكن بالمقارنة فقط مع العام 2016، وليس بالمقارنة مع الوضع العام الذي لا يزال متراجعاً.

وأضاف شهيب "هناك وجود للسياح الخليجيين في عاليه في الوقت الحاضر، والوضع جيد إلى حد ما في المدينة".