"​الاقتصاد اللبناني​ يحتاج الى تأمين وظائف اكثر بنسبة اضعاف عن الوظائف التي يوفرها حالياً" . هذا ما جاء في تقرير البنك الدولي عن الاقتصاد اللبناني.

ويضيف التقرير:"47% فقط من الذين في سن العمل ينشطون فعلياً، رغم الهجرة التي وصل رصيدها في العقدين الماضيين إلى أكثر من 400 الف مهاجر، أكثريتهم من العمالة الماهرة. لقد بدأ هذا الواقع يضغط بشدّة ويخلق توترات يمتصّها الانقسام السياسي والاصطفاف المذهبي حتى الآن، فالاقتصاد فعلياً لا يوفّر فرص العمل المطلوبة وبأجور مقبولة، ويرمي بأكثر من 50% من القوى العاملة في نشاطات غير نظامية يفتقرون فيها إلى أي نوع من أنواع الحماية. لقد نما الناتج المحلي الإجمالي بمتوسط سنوي يبلغ 3.7%، إلّا أنّ معدّل التشغيل لم يرتفع إلا بمقدار 1.1% فقط، وهناك 50% من اللبنانيين بدون ضمان صحي و75% بدون ضمان شيخوخة".

هذه الصورة القاتمة تعكس الواقع الاجتماعي غير المطمئن . فالتقديرات تشير الى ان ما بين 250 و300 الف مواطن لبناني معظمهم من الشباب عديمي المهارات قد اصبحوا في عداد العاطلين عن العمل . والاقتصاد الذي يعتمد بدرجة اولى على التدفقات الخارجية لزيادة الودائع وتمويل العجز والاستهلاك يخضع لسلسة ضغوطات ، وتظهر تداعيات ذلك في سوق العمل، ولا سيما مع ارتفاع البطالة بين الشباب الى أكثر من 34%، ويرافق كل هذا الاوضاع في المنطقة وما يستجد منها .

بعض المراقبين يحّمل المسؤولية للسياسة التي جعلت الاقتصاد اللبناني اقتصاداً ريعياً وكل شيء يذهب في خدمة هذا النوع من الاقتصاد.

ومهما تحسنت النوايا لدى اصحاب العمل تبقى مسألة الاجور خاضعة لمصالح ارباب العمل التي تتحكم بتحريكها كما بتجميدها دون السيطرة على بورصة الاسعار الاستهلاكية.

والبعض يذهب في تحليله الى انه عند تجميد الانفاق الاستثماري في الموازنة وتراجع الخدمات العامة كانت النتيجة الحتمية تدني الاجور من الناتج المحلي من 35% عام 1977 الى اقل من 25% اليوم مع العلم انه قبل الحرب كانت تشكل 55% من الناتج المحلي نفسه.

وهنا لا يمكن إغفال كل معارك تصحيح الاجور ولا سيما المواقف اللافتة التي اتخذها وزير العمل السابق شربل نحاس وقد دفع ثمنها باستبعاده عن الوزارة وحثه على تقديم اسقالته بعد ما كشف عورات المعادلات الخاطئة المعتمدة في تحديد الادنى للاجر وفي تصحيح الاجور.

خلال توليه وزارة العمل اندلعت معركة تصحيح الأجور في القطاع الخاص والعام. ولم تنتج تصحيحاً شاملاً للأجر، بل كان مشوّهاً ومنقوصاً ولا يساوي تراكم معدلات التضخم في الأسعار على مرّ السنوات، وقد اخذت الهيئات الاقتصادية المطالبين بالتصحيح الى ضفتها بسهولة بعدما رضخ سريعا الاتحاد العمالي العام الى ارادتها رغم الحملات الاعلامية التي خاضها هذا الاخير ضمن تحرّكات تميّزت برفع شعارات شعبوية . و تمكنّ أركان التحالف من تعطيل التغطية الصحية الشاملة والتعليم الأساسي المجاني المشمولين بما يعرف بالأجر الاجتماعي الى جانب تقديمات اخرى كان يصر ّ نحاس على مواكبتها لاي تصحيح في الاجر.

الاسمر

واليوم كل المؤشرات تفيد ان معركة رفع الحدنى للاجر وتصحيح الرواتب هي مجدداً على الابواب بعد آخر معركة في العام 2012. والتحضيرات قائمة مع كل العتاد رغم ان تخوّف اصحاب العمل من الوصول الى هذا اليوم بات في قائمة الحسابات ، سيما وان البعض منهم دق ناقوس الخطر محذراً من اي مطالبة لاي زيادة اجور في ظل الانكماش الاقتصادي الذي ساهم في إقفال الكثير من المؤسسات والاستغناء عن الكثير من اليد العاملة والموظفين.

واذا كان من تباين في آراء الخبراء الاقتصاديين حول موجبات تصحيح الاجور ورفع الحد الادنى في القطاع الخاص ، فان رئيس الاتحاد العمالي العام الدكتور بشارة الاسمر واثق من ضرورة تنفيذ هذه الخطوة بسرعة حفاظاً على المستوى اللائق من العيش للمواطنين اللبنانيين.

ويكشف الاسمر " للاقتصاد" ان الاتصالات جارية على قدم وساق مع وزارة العمل لتشكيل لجنة مؤشر دراسة غلاء المعيشة جديدة وفق الاصول .

وهذه اللجنة تتألف من وزير العمل رئيساً، مدير العمل نائباً له الى جانب ممثلين عن الدولة احداهما يمثل ادارة الاحصاء المركزي والآخر تعّينه الدولة ، ممثلين عن الهيئات الاقتصادية وممثلين عن الاتحاد العمالي العام وايضاً مقرر من وزارة العمل.

ويلفت الاسمر الى ان آخر لجنة شكلت في العام 2012، والاتحاد العمالي بصدد انجاز دراسته اليوم عن نسب غلاء المعيشة وما يرافقها من تراكم مؤشرات التضخم منذ ذلك التاريخ .

ويرى الاسمر ان الحد الادنى للاجر لا يجب ان يقل عن المليون ليرة . واما الزيادة فمن المفترض ان تتلاءم مع نسب غلاء المعيشة . والمنطق يقول ان الحد الادنى يجب ان يؤمن المستوى اللائق من الحياة للفرد في المجتمع.

ولفت الى اهمية صياغة عقد اجتماعي شامل يراعي كل هذه الامور الحياتية ويحفظ حقوق وكرامة المواطن بعدما اصبحنا في دوامة خطيرة .

ويرى الاسمر ان إقرار السلسلة في القطاع العام دون الخاص اوجد هوة والغلاء الذي سيطال كل المرافق والاسواق سيصيب افراد القطاعين على حد سواء. وتمنى ان يخيّم حسن النوايا على اي طاولة ستعقد من اجل تصحيح الاجور في القطاع الخاص.

اذاً ايلول طرفه بالاستحقاقات مبلول ؛ صرخات من اقساط مدرسية لاقدرة على تحملها و تحركات مكثفة محورها تصحيح الاجور مع كل ما سيرافقها من مفاوضات وشد حبال بين الفرقاء مع العلم ان العقد الاجتماعي الشامل والعادل بين الدولة وفرقاء الانتاج اي اصحاب العمل والعمال يبقى خير الامور.