أكد الأمين العام لإتحاد المصارف العربية وسام فتوح أن "القطاع المصرفي اللبناني هو اليوم في أفضل وضع له منذ سنوات طويلة ذلك رغم الأحداث السياسية والأمنية المحيطة بالمنطقة".

وقال فتوح لـ" الإقتصاد" أن "القطاع المصرفي اللبناني تجاوز أزمات وأحداث كبرى إلى أن أضحى القطاع الأقوى والأكثر صلابة في المنطقة، أضف إلى كل ذلك الثقة الكبيرة التي بات يحظى بها القطاع على المستويات المحلية والإقليمية والدولية"، ولكن هل سيبقى الحال كما هو بعد الضرائب الأخيرة التي تم إقرارها؟ الى أي مدى ستتأثر المصارف اللبنانية، الداعم الأكبر للإقتصاد اللبناني؟

للإجابة عن هذه الأسئلة، كان لـ"الإقتصاد" هذا اللقاء مع كبير الاقتصاديين ورئيس قسم الأبحاث في "بنك عودة"، ​مروان بركات​:

بدايةً، كيف تقيّم أداء القطاع المصرفي خلال النصف الأول من العام 2017؟

سجّلت المصارف اللبنانية أداءً جيداً في النصف الأول من العام 2017 نتيجة تحسّن المناخ السياسي المحلي والاستقرار الأمني، خصوصاً عقب انتظام عمل المؤسسات السياسية وانعكاساته الإيجابية على ثقة المودعين. فقد سجّلت ودائع الزبائن نمواً سليماً بقيمة 5.2 مليار دولار في النصف الأول من العام 2017، أي أكثر بـنسبة 70% منه في النصف الأول من العام 2016، والذي اتّسم بفراغ في سدّة الرئاسة وبعقبات أمام انتظام عمل الحكومة، أو حتى أكثر بنسبة 20% من متوسط نمو الودائع في النصف الأول من السنوات الخمس الأخيرة.

من جهة أخرى، زاد النشاط التسليفي بوتيرة أفضل بعض الشيء في النصف الأول من هذا العام. ويُعزى هذا النمو بصورة شبه كليّة الى التسليفات بالليرة كما الى التسليفات المعطاة للمقيمين في ظلّ سياسة مصرف لبنان الرامية الى تنشيط الإقراض بالعملة الوطنية، وبخاصة للقطاعات الإنتاجية.أما السيولة الأوليّة بالنقد الأجنبي لدى المصارف في الخارج فواصلت ارتفاعها لتبلغ 12.2 مليار دولار في حزيران 2017 (11.2 مليار دولار في كانون الأول 2016)، بالرغم من تقلّصها في حزيران للانخراط في العملية الجديدة التي أجراها المصرف المركزي. عليه، بلغت نسبة السيولة الأوليّةالإجمالية (بما فيها التوظيفات في الخارج وفي مصرف لبنان) بالنقد الأجنبي لدى المصارف 58.22% في حزيران الماضي، أي أعلى بكثير من المتوسّطات الإقليمية والعالمية، ما يعكس قاعدة السيولة الملائمة لدى المصارف اللبنانية.

وتبقى نسب نوعية الموجودات مؤاتية جداً، ذاك أن نسبة التسليفات المشكوك بتحصيلها إلى إجمالي التسليفات لا تزال متدنّية (3.7%) وأقلّ من متوسّطات الأسواق الناشئة والعالمية، في حين أن نسبة تغطية التسليفات المشكوك بتحصيلها بمؤونات لا تزال ملائمة نوعاً ما (63%) رغم تراجعها في الفصل الثاني من السنة.في موازاة ذلك، تبقى رسملة المصارف سليمة، ذاك أن نسبة الملاءة بحسب معايير بازل 3 بلغت 16.6% في كانون الأول 2016. وهذه النسبة، التي تفوق المستوى المطلوب من قبل السلطات، كفيلة بحماية المصارف اللبنانية من أيّة ضغوط محتملة على رساميلها. في المقابل، وفي الوقت الذي زادت أرباح المصارف المحلية الصافية بحوالي 11% في النصف الأول من العام 2017، لا يزال القطاع يسجّل نسب مردودية منخفضة مقارنةً مع المتوسّطات الإقليمية، كون مردوديّة الموجودات المحتسَبة على أساس سنوي تبلغ 1% ومردوديّة الأموال الخاصة 10.5% في ظلّ هوامش ضيّقة من الفوائد ونمو ضعيف للاقتصاد الوطني.

إلى أي مدى ستؤثر السلسلة والضرائب الموازية التي تم إقرارها على الاقتصاد والقطاع المصرفي؟

في خضم سلسلة واسعة من التحاليل التي تناولت سلسلة الرتب والرواتب والتي أفضت عن قراءات متناقضة لنتائج هذا الأمر غير النمطي، تتركز قراءتنا لتداعياته على مستوى المالية العامة، الاقتصاد والحسابات الخارجية والتخم والقطاع المصرفي حول ما يلي:

على صعيد تأثيرها على المالية العامة، لن يكون لإقرار سلسلة الرتب والرواتب تأثير بالغ على عجز المالية العامة ذاك أن الإنفاق الإضافي بقيمة 1800 مليار ليرة عادلته إيرادات بنفس القيمة تقريباً من خلال 18 بنداً للإيرادات والتي نقدر مفاعيلها بنحو 1780 مليار ليرة، علماً أن زهاء نصفها مرتبطبالقطاعين المصرفي والعقاري. لا شك أن أبرز التغيرات في حسابات الدولة ستظهر في ارتفاع الإنفاق الحكومي إلى 30.5% من الناتج المحلي الإجمالي من 28.3% سابقاً نتيجة زيادة رواتب موظفي القطاع العام والتي تشكل حالياً 36% من مجموع الإنفاق الحكومي بالمقارنة مع 31% سابقاً، وارتفاع الإيرادات الحكومية إلى 21.8% من الناتج المحلي الإجمالي بالمقارنة مع 19.6% سابقاً على إثر الضرائب الإضافية.

على صعيد تأثيرها على الاقتصاد، إن الضرائب المفروضة سيكون لها تأثير انكماشي على النمو الضعيف للاقتصاد اللبناني. مما لا شك فيه أن الرواتب الجديدة للقطاع العام ستحفز الإنفاق الأسري داخل الاقتصاد، ولا سيما الإنفاق الاستهلاكي من قبل المستفيدين، غير أن رفع الضرائب سيكون له تأثير سلبي على استثمارات القطاع الخاص بسبب تزايد الكلفة التشغيلية للأعمال. ويأتي ذلك في سياق مناخ يكتسب فيه مضاعف الاستثمار أهمية أكبر من مضاعف الاستهلاك، ما قد يولد تأثيراً انكماشياً وإن طفيفاً على المستوى الماكرو-اقتصادي عموماً والذي نقدره بنحو نصف نقطة مئوية للنمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي سنوياً، في موازاة بروز ضغوط على مسار خلق الوظائف.

على صعيد تأثيرها على الحسابات الخارجية، قد تؤدي المصادقة على سلسلة الرتب والرواتب إلى زيادة الواردات نتيجة ارتفاع الطلب الاستهلاكي إضافة إلى تراجع الصادرات نتيجة ارتفاع الكلفة التشغيلية. وقد يكون لذلك تأثير مزدوج على العجز التجاري في لبنان والذي وصل إلى مستوى مرتفع نسبته 30% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يشكل ضغطاً على ميزان المدفوعات الذي سجل أساساً عجزاً قيمته 1.1 مليار دولار في النصف الأول من العام 2017 وراكم عجوزات مقدارها 9.4 مليار دولار منذ العام 2011.

على صعيد تأثيرها على التضخم، إن المصادقة على سلسلة الرتب والرواتب قد يكون لها تأثير مزدوج، ذاك أن الإنفاق الإضافي داخل الاقتصاد سيشكل ضغطاً على الأسعار كما أن معدلات الضريبة المرتفعة ستؤدي إلى ارتفاع أسعار الاستهلاك والأقساط المدرسية. من المقدر أن التأثير على مؤشر الأسعار سيناهز 4% إلى 5% هذا العام ولكن ذلك انطلاقاً من نسبة تضخم شبه منعدمة. الجدير ذكره أن التضخم سجل نسباً سلبية في العامين 2015 و2016 مقدارها -3.7% و-0.7% على التوالي في ظل الأسعار المتدنية للنفط ووهن الطلب. بمعنى آخر، إن باستطاعة الاقتصاد اللبناني أن يتحمل ارتفاعاً طفيفاً في الأسعار بعد فترة شبه ركود في الأسعار شهدها لخمس سنوات متتالية، حيث أن مؤشر الأسعار الحالي استقر اليوم عند نفس مستواه في نهاية العام 2012.

على صعيد تأثيرها على القطاع المصرفي، إن المصادقة على سلسلة الرتب والرواتب سيكون لها تأثير على القطاع المصرفي من خلال أربعة ضرائب مختلفة هي: زيادة الضريبة على فوائد الودائع المصرفية من 5% الى 7%، إلغاء الحسومات الضريبية المرتبطة بالتوظيفات في سندات الخزينة وشهادات الايداع (ما يعني ترسيخالازدواجية الضريبية)، وزيادة الضريبة على أرباح الشركات من 15% الى 17%، وإلغاء الحوافز للشركات المدرجة في البورصة من 5% إلى 10%. عليه، سيتجلى التأثير الصافي لهذه الضرائب في حسم 300 مليون دولار إلى 325 مليون دولار من الأرباح المحلية للقطاع المصرفي البالغة قيمتها 2 مليار دولار، ما يعني حسم 15% من الأرباح والذي سيشكل ضغطاً على نسب العوائد عموماً والتي هي أصلاً دون تكلفة الأموال الخاصة.

أخيراً، في حين أن المصادقة على سلسلة الرتب والرواتب سيكون لها تأثير على أكثر من صعيد، نرى أنه لن يكون لها تداعيات سوقية خطرة من شأنها أن تؤثر على الاستقرار المالي والنقدي في لبنان والذي ظل سائداً لنحو ثلاثة عقود داخل اقتصاد يتمتع بعناصر حماية جمة وخطوط دفاعية متينة على المستوى النقدي والمصرفي عموماً.

ما هو رأيك بإقرار الشراكة بين القطاعين العام والخاص وتأثيره على الاقتصاد اللبناني، وخاصةً أن المصارف ستكون أهم الممولين للمشاريع المرتقبة؟

لا شك أن إقرار الشراكة بين القطاعين العام والخاص تطور هام في سبيل دعم الاقتصاد اللبناني والمالية العامة. إذ تبرز الشراكة بين القطاعين العام والخاص في لبنان المبنيّة على مشاطرة المهارات والخبرات في سبيل تقديم أفضل الخدمات للمنفعة العامة بين الخيارات التي تحبّذها المصارف شرط أن تكون مشاريع الشراكة المطروحة تجمع بين الحاجة الاقتصادية والجدوى المالية في ظل إدارة دؤوبة. في حال توفرت تلك الشروط نعتبر أن المصارف تستطيع أن تلعب دوراً أساسياً في إنجاح تلك الشراكات من خلال تأمين قسطاً من التمويلات المرجوة مباشرة أو لصالح زبائنها ومستثمريها. في هذا السياق، تستطيع الدولة المواصلة في الاعتماد على الوفورات في القطاع المصرفي، لاسيما تلك المحرّرة بالليرة اللبنانية، للمساهمة في تمويل ورشة النهوض الاقتصادي بشكل عام. إن فعالية النماذج المتاحة لهذه الشراكة في المشاريع الاقتصادية قد تلعب دوراً هاماً في خلق فرص العمل، وتعزيز الرأسمال البشري، وتطوير الاستثمارات المحلية والتجارة، وتعزيز إنتاجية العمل ومناخ الاستثمار والأعمال وتحسينالرعاية الاجتماعية بشكل عام. إن التفاوت المتزايد بين هذه الاحتياجات وقدرات الدولة لا بد أن تدفع السلطات بازدياد إلى الاعتماد على الشراكات بين القطاعين العام والخاص.

نحن بملء الثقة أن هذه الشراكة تتيح الاستفادة من الخبرة والفعالية والجودة التي يتمتع بها القطاع الخاص مع نفوذ القطاع العام وسعيه نحو مصالح المستهلكين بشكل عام، ونحن نرى أن هنالك آفاق جدية لهذه الشراكة أن ترى النور. ونذكر في هذا السياق على سبيل المثال لا الحصر مشاريع السدود المائية إضافةً إلى مشاريع قطاع الطاقة المطروحة والتي ترتكز على الاعتماد على الغاز والطاقة البديلة لتوليد الطاقة خلال السنوات المقبلة والتي قد تخلق فرص للقطاع الخاص في المشاركة بإنتاج الطاقة الكهربائية وغيرها، ناهيك عن استعداد المصارف لتمويل كافة البنى التحتية اللازمة والتي يفترض تجهيزها قبل جذب الاستثمارات العالمية لاستخراج الغاز الطبيعي من سواحل لبنان في المستقبل.