رغم كل ما رافقه من تهليل وتطبيل واعتراضات وتظاهرات ، خرج قانون ​سلسلة الرتب والرواتب​ الى التنفيذ وبقي مشروع الموازنة قيد التمحيص الطويل.

قبل انتهاء المهلة الدستورية المحددة وقّع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قانون سلسلة الرتب والرواتب وتمويلهما واصدرهما وفقا للاصول الدستورية.

وصدور القانون في الجريدة الرسمية في ملحق خاص يدخله حيذ التنفيذ فوراً. خطوة رئيس الجمهورية هذه جاءت افساحاً في المجال امام امكانية أعادة النظر ببعض القوانين الضريبية الممولة للسلسلة والتي حصدت اعتراضات من جهات مختلفة والتي لن تكون قابلة للنقاش والتعديل سوى بعد صدورها في الجريدة الرسمية .

اذاً لم يلجأ الرئيس الى المادة 57 من الدستور التي تعطيه ، "حق طلب إعادة النظر في القانون مرة واحدة ضمن المهلة المحددة لإصداره "حيث لا يجوز ان يرفض طلبه. ومن المعلوم انه عندما يستعمل الرئيس حقه هذا يصبح في حلّ من إصدار القانون، الى ان يوافق عليه المجلس بعد مناقشة اخرى في شأنه، وإقراره بالغالبية المطلقة من مجموع الاعضاء الذين يؤلفون المجلس قانوناً. وفي حال انقضاء المهلة دون اصدار القانون او اعادته، يعتبر القانون نافذاً حكماً ووجب نشره".

اما وفق المادة 56 من الدستور، فإن "رئيس الجمهورية يصدر القوانين التي تمت الموافقة النهائية عليها في خلال شهر بعد إحالتها على الحكومة، ويطلب نشرها. اما القوانين التي يتخذ المجلس قراراً بوجوب استعجال اصدارها، فيجب عليه ان يصدرها في خلال خمسة ايام ويطلب نشرها".

وكان لافتاً ان رئيس المجلس النيابي نبيه بري قد وجّه عدة رسائل في اكثر من مناسبة مفادها أن على السلسلة ان تُقر مهما كانت الظروف والتعليقات حولها. أما ماذا يحصل بعد إقرارها، فهو مرهون بالوقت والتسويات السياسية.

وعلى وتيرة ضرورة إنصاف أصحاب الحقوق مقابل الحفاظ على استقرار المال العام، انعقد اللقاء الحواري في قصر بعبدا في 14 آب واضعاً قانوني سلسلة الرتب والرواتب والضرائب المُستحدثة لتمويلها على طاولة النقاش الموضوعي الهادئ والصريح بعيداً عن التوتّر بين ممثلي القطاعات والهيئات الاقتصادية والتجارية والتربوية والصناعية والعمالية والتعليمية والمهنية، لينتهي إلى تثبيت قانوني السلسلة والضرائب التمويلية بالتوازي مع إعداد اقتراحات قوانين لمعالجة الثغرات المتوافق عليها بين مختلف الأطراف على أن يتم توقيعها من ممثلي الكتل النيابية تمهيداً لتقديمها كمشروع قانون معجّل مكرر يتضمن مادة وحيدة بالتعديلات المقترحة لإقراره .

من المعلوم انه هناك ما بين خمس أو ست اقتراحات قوانين تلحظ التعديلات والملاحظات المتوخاة لإزالة الثغرات وأبرزها الازدواج الضريبي خصوصاً أنّ لبنان من الدول الموقعة على منع هذا الازدواج.

وان كان تمويل السلسلة بمثابة ضربة موجعة للهيئات الاقتصادية فهي ليست وحدها من يرفضها فالاعتراضات كانت حتى داخل مجلس الوزراء، وكذلك من قبل العديد من النقابات والاتحادات والاحزاب السياسية، حتى إن موقف البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي كان مهماً في هذا الاطار، كما أن هناك اعتراضات حتى من جانب المستفيدين من السلسلة ومن نقابات المهن الحرة والمؤسسات التربوية.

ترّيث الهيئات الاقتصادية اولاً ثم ؟

واذ تؤكد الهيئات الاقتصادية على ان الاجراءات الضريبية الممولة شديدة الاذى للإقتصاد، ولاسيما المادة 17 التي تتناول ثلاثة امور جوهرية: زيادة معدل الضريبة على فوائد وعائدات وإيرادات الحسابات المالية والسندات لدى المصارف من 5% الى 7% (تعديل المادة 51 من القانون رقم 497/2003 ) وعدم حسمها من ضريبة الارباح، وفرض تدبير جديد على المكلفين بضريبة الدخل على أساس الربح المقطوع كالمهن الحرة، كما أن هناك محاذير مترتبة على تطبيق المادة منها خرق السرية المصرفية، وفرض الازدواج الضريبي على بعض انواع الدخل، مما يخالف مبدأ المساواة بين المكلفين بالضرائب المنصوص عليه في الدستور اللبناني فان جميع هذه الهيئات هي في حالة ترقب اليوم لما ستنجزه اللجان النيابية المختصة بالتعديل ليبنى على الشيء مقتضاه وفق ما صرحت به مصادر فيها " للاقتصاد".

وتوقعت المصادر نفسها ان يؤخذ باقتراحاتها سيما بعدما لمسته من تطمينات من كل من رئيسي الجمهورية والحكومة بان الاولوية للاقتصاد الذي يحمي الجميع. ولفتت المصادر الى امكانية حصول مساءلة للحكومة داخل المجلس على وقع الضرائب الموضوعة.

ومن المعلوم ان مبدأ الضرائب في المطلق غير مرفوض وهو مسلك معظم الدول . ولكن ظروف وضعها زفرضها تتطلب مناخات معينة . ووفق رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس فان فرض الضرائب في المناخ الحالي المنكمش، ينافي أبسط قواعد علم الاقتصاد السليم والذي يقول بالعكس تماماً أنه ينبغي خفض الضرائب لإنعاش الاقتصاد.وقد حدد شماس في مداخلة له خلال اللقاء التشاوري الحاجات الاقتصادية الآتية:

- إن القطاعات الانتاجية المرهقة بحاجة الى مَن يضخ فيها كميات كبيرة من الأوكسيجين لا أن يسحبها منها.

- إن السياسة الضريبية القاسية تتعارض تماماً مع السياسة النقدية المحفزة والصائبة التي تبعها مصرف لبنان من سنوات، فالنتيجة هي كمَن يدوس على الفرامل والبنزين معاً وفي وقت واحد.

- إن العبء الضريبي الهائل المنتظر سيكبّل العمال واصحاب العمل العمل اللبنانيين وهم منخرطون في صراع شرس وغير متكافئ ضد العمال وأصحاب العمل الأجانب. فهذه التدابير من شأنها إضعاف اللبنانيين وتقوية الأجنبي وتحديداً السوري.

- إن الرزمة الضريبية المطروحة ستغيّر وجه لبنان الاقتصادي وتجعل منه بلداً منفرداً للاستثمار والاستهلاك، فيما تتنافس دول العالم لجذب هذه وتلك.

وقال شماس: إن الفرق شاسع بين أن تموّل السلسلة من الضرائب فقط، وأن تموّل من خلال تحفيز النمو ولجم الإنفاق وتحسين الجباية. فالطريقة التمويلية الأولى هي "الكوليسترول السيئ" أما الثانية فهي "الكوليسترول الجيد" الموجود حالياً: إن في مصلحة الواردات التي لا يموت حق الخزينة عندها، وإن في المديرية العامة للجمارك التي تمكّنت من تعزيز الجباية في ظل تراجع الاستيراد، وإن لدى لجنة المال والموازنة التي وضعت يدها على مكامن كبيرة من الإنفاق غير المجدي حيث يمكن تحقيق وفورات كبيرة.

واذ تشير الهيئات الى الضرائب الاستثنائية التي فرضت على المصارف والتي فاقت 800 مليون دولاركافية لوحدها لتمويل عام 2017 ، كما أن "مجرّد 1 في المئة من تحسين الجباية يؤمّن 90 مليون دولار سنوياً للخزينة، ومجرّد 1 في المئة من النمو الإضافي يرفدها بـ100 مليون دولار سنوياً، وإن خفض الإنفاق 1 في المئة يوفر على الدولة 150 مليون دولار سنوياً فهي تسأل كيف ستؤمن الحومة التمويل للاعوام الباقية مع تراكم دين عام وصعوده السريع مقابل نسبة بطالة عالية وغياب استثمارات والاهم انعدام الاصلاحات الادارية والبنيوية اللازمة.

يبقى القول ان السلسلة اصبحت في الماضي والغد هو لمفاعيل ضرائب ستتولى تمويلها ولكن هناك حاجة ماسة لتعديلها كي "لا يموت الديب ولا يفنى الغنم".