الإصرار هو حتما أول خطوات النجاح، فالانسان الذي يتحلّى بهذه النعمة يسعى دائما الى مواصلة جهده وعمله الدؤوب من أجل تحقيق أهدافه، ولا يستسلم أبدا حتى تتحقق جميع طموحاته.

هذه العبارة توثّقها مسيرة النقيبة نايلة دوغان، التي لم تتوقف يوما رغبتها في التقدم ومحاولاتها للتطور في المجال الذي اختارته لنفسها، ووهبت نفسها له. وعلى الرغم من أنها واجهت طوال السنوات عقبات عدة وصعوبات متنوعة وعوائق تقنية وعملية، لكنها بالمثابرة والإصرار تمكنت من تثبيت رجليها على طريق النجاح والانتصار، لأن الوسيلة الأكثر فعالية لتحقيق النجاحات الحياتية والمهنية هي بالاستمرار بقوة وعزم حتى النهاية.

كان لـ"الاقتصاد" مقابلة خاصة مع رئيسة نقابة القابلات القانونيات في لبنان، نايلة دوغان، للتعرف الى المراحل التي مرّت بها طوال رحلتها المهنية، بالاضافة الى خطواتها المستقبلية، ورؤيتها لواقع المرأة.

- عرفينا أكثر عليكِ وعلى المراحل التي مررت بها خلال مسيرتك المهنية.

خضعت للتدريب الأساس حتى أصبحت ممرضة مجازة، كما حصلت على دبلوم الدولة الفرنسية في التمريض من "جامعة القديس يوسف"، "USJ".

بعد ذلك، أردت أن أكمل الدراسة، ولكن بسبب الحرب، لم يكن هناك شهادات أو دراسات أخرى، ولهذا السبب قررت أن أصبح قابلة قانونية، مع العلم أنني لم أكن أمتلك أدنى فكرة عن هذا الاختصاص، وبالتالي لم أكن أحبه، انما كانت هذه هي الشهادة الوحيدة الأعلى من شهادة التمريض.

فعدت الى "الجامعة اليسوعية" لمدة سنتين، ومن ثم عملت في مستشفى "أوتيل ديو"، وتعلّقت كثيرا بهذه المهنة. وبعد سنة ونصف، سافرت للعمل في الاردن خلال فترة الحرب، وتعرفت هناك على دور القابلة القانونية؛ فهي تقوم بعمل الولادة الطبيعية وتتابع المرأة الحامل خلال فترة الحمل. وفي المستشفى التي كنت أعمل فيها، كان الطبيب غير موجود، ويتم استدعاءه عند الحاجة فقط، وبالتالي تقع المسؤولية الكاملة على القابلة. لذلك كنت أقول لهم أن "الله في موجود السماء والقابلة على الأرض"، فالمستشفى لم يكن يمتلك معدات متطورة مثل التي كنا نستخدمها في "أوتيل ديو"، ولهذا عرفت قيمة التخصص الذي اخترته. فقد غادرت لبنان بعد مدة سنة ونصف فقط من الخبرة - وهذه الفترة تعتبر قصيرة - وتواجدت في مكان حيث تحملت مسوؤليات كبيرة.

وفور عودتي، أكملت دراستي في الجامعة، وحصلت على شهادة الماجستير في التعليم. ومن ثم طلبت مني مديرة مدرسة القبالة في "الجامعة اليسوعية" منذ 40 سنة، القدوم للعمل مع شخصين من الذين علموني، لأنها كانت قد وصلت الى سنّ التقاعد. وشاءت الصدف أن يضطرا للسفر لظروف خاصة، وبالتالي عملت هناك لمدة أربع سنوات، ومن ثم أعطوني مركز المديرة، وبقيت في هذا المنصب لمدة 14 سنة.

وخلال تلك الفترة، طوّرنا مناهج التعليم، وتمكنّا من المشاركة في مؤتمرات عالمية خاصة بالطب النسائي. كما استطعنا بعد فترة الحرب، أن نحقّق التعاون بين "الجامعة اليسوعية" ومصلحة إدارة الشؤون الخارجية في فرنسا، وبدأنا بإحضار القابلات القانونيات الفرنسيات من أجل تطوير قدراتنا وتنظيم الدورات التدريبية للقابلات في لبنان. ومن ثم أطلقنا الشهادة الجامعية في تقنيات التوليد، وكان الطلب عليها كبيراً.​​​​​​​

في ذلك الوقت، كنا قد قدمنا مشروع قانون لإنشاء نقابة خاصة بالقابلات القانونيات، بالتعاون مع رئيسة جمعية القابلات القانونيات خريجات "الجامعة اليسوعية"، الأم ماري ليونارد مزرعاني. وخلال هذه الفترة، سافرت الى فرنسا، وأكملت مع بعض الزميلات، المطالبة بحقوقنا حتى العام 2014. وفي تاريخ 15 حزيران 2014، أجريت انتخابات النقابة، وتم انتخابي كنقيبة للقابلات القانونيات.

كيف تصفين مسيرتك الغنية بالأحداث؟

​​​​​​​

مسيرتي لم تكن سهلة بالطبع، وتطلبت مجهودا كبيرا. فخلال الفترة الأولى، كان لبنان قد خرج لتوّه من مرحلة الحرب، ولم تكن المستشفيات تعمل بنظام الاعتماد (système accréditation ) كما تفعل اليوم، ومن جهة أخرى كنا نعاني من صعوبة في التواصل مع الخارج بسبب غياب التكنولوجيا، ولم نكن نمتلك في الجامعة المجسمات الموجودة في الوقت الحاضر.​​​​​​​

وبالتالي حصلت كل هذه التغييرات خلال مسيرتي المهنية، مما سهل الأمور أكثر فأكثر مع مرور الأيام والسنوات.

من قدم لك الدعم الأكبر في رحلتك المهنية؟

لولا دعم عائلتي ووالديّ وزوجي لما تمكنت من الاستمرار، لأن فترة الدراسة تطلبت مني جهدا ووقتا طويلا، وبالتالي كان دورهم مهما وأساسيا. فعندما استلمت منصب المديرة، كنت صغيرة في السن وكانت طفلتي بعمر السبعة أشهر، وبالتالي كانت المسؤوليات كبيرة.

من ناحية أخرى، حصلت على الدعم أيضا من مديرة "الجامعة اليسوعية"، لأنها رأت بي ما لم أراه في نفسي. كما أن الجامعة بحد ذاتها، لم تتوانَ أبدا عن إعطائي المستلزمات التي أطلبها.

هل أن التوازن بين العمل والعائلة موجود في حياتك؟

​​​​​​​لم يكن يوما التوازن موجود في حياتي، لأن عملي يأتي دائما قبل عائلتي، وفي الوقت الحاضر زاد الوضع تأزما، لأنني كنت أحصل على بعض التسهيلات في الجامعة، بينما في النقابة التسهيلات غائبة، بسبب كثرة الأعمال والمشاريع التي علينا القيام بها من أجل الانطلاق؛ فنقابة القابلات القانونيات تنطلق حاليا من الصفر، وبدون أي موارد بشرية أو مادية.

كيف تصفين نفسك اليوم كسيدة عاملة ونقيبة؟

العمل كثير والمشاريع كثيرة، فهناك العديد من النقابات الموجودة حاليا على الأرض، ونحن كنا "منفيين" بسبب غياب نقابتنا، لذلك نريد أن نلحق بالقطار، وبالتالي نسعى في الوقت الحاضر الى تثبيت وجودنا على الأرض؛ وهذا ما حدث خلال فترة قصيرة بسبب مثابرتنا على العمل.

فعندما أضع هدفا أمامي، أسعى للوصول اليه مهما كان الثمن، وقد يكون وصولي في بعض الأحيان، على حساب وقتي وصحتي.

ما هي الخطوات التالية؟

في السنة الماضية تعاونا في مشروع مع "اليونيسف"، قدمنا من خلاله 800 صورة شعاعية للسيدات في المناطق اللبنانية كافة، وقمنا بألف مسحة عنق، وأكثر من ألف فحص للسكري، وأضفنا الى السجل الصحي حوالي 400 قابلة. كما نظمنا الدورات التثقيفية للسيدات في مجال الرضاعة الطبيعية، والدورات التدريبية للقابلات القانونيات.

والأهم من ذلك كله، أننا خلقنا استراتيجية جديدة بالنسبة الى المشورة في تنظيم الأسرة، وأنا بنفسي حضرت كتابا حول هذه الاستراتيجية، واختبرنا فعاليته في منطقتين لبنانيتين خلال السنة الماضية، وحصلنا على نتائج مرضية للغاية. وسيتم طبع هذا الكتاب خلال السنة الجارية.

من جهة أخرى، لدينا عدد من الدورات وورشات العمل في البقاع والشمال، من أجل التدريب على الاستراتيجية، وسوف يتم تطبيقها قريبا في أقسام ما بعد الولادة في المستشفيات؛ وهذه سابقة لم يحققها أحد بعد.

ما هو موقفك من وضع المرأة في لبنان اليوم؟

لبنان يضمّ عددا كبيرا من النساء القديرات والرائدات على المستوى العلمي والعملي. لكن المرأة اللبنانية لم تحصل على حقوقها بعد، فالكوتا النسائية غير موجودة في البرلمان مثلا. لذلك يجب العمل على تحسين هذه الأمور، لكي تحصل المرأة على حقّها، كما يجب تغيير القوانين لكي تنصفها.

ما هي نصيحة نايلة دوغان الى المرأة؟

​​​​​​​

المرأة اللبنانية هي امرأة ذكية تتمتع بقدرات كبيرة. وحتى أن النساء اللواتي لم يحصلن على الفرصة لمتابعة الدراسة في الجامعات، يمتلكن قدرات وخبرات قد يستفيد منها المجتمع.

لذلك يجب أن تحصل المرأة في لبنان على حقها، ولا يجب أن تستسلم أبدا بل عليها الاستمرار في مسيرتها النضالية، لأن الانسان لا يصل الى أهدافه وطموحاته بسهولة. وأنا شخصيا أعتقد أن صوت المرأة بات مسموعا أكثر في أيامنا هذه.