أطلقت قيادة الجيش اللبناني يوم الجمعة الماضي معركة "فجر الجرود" لتحرير جرود القاع ورأس بعلبك التي يسيطر عليها تنظيم "داعش" الإرهابي، وتمكن الجيش في يومين فقط من تحرير أكثر من 80 كلم مربع من أصل 120 كلم مربع إحتلها مقاتلو "داعش" منذ العام 2014 ... ولا شك ان لتقدم الجيش اللبناني وإجتثاث الإرهاب من الأراضي اللبنانية أصداء إيجابية على كافة الصعد، سياسية كانت أم أمنية أو إقتصادية.

وتزامنت معركة "فجر الجرود" مع أعلان المكتب الاعلامي لرئاسة الجمهورية اليوم، ان الرئيس ​ميشال عون​ وقع قانوني ​سلسلة الرتب والرواتب​ وتمويلها واصدرهما وفقا للاصول الدستورية، وبالتالي أصبح قانون السلسلة وقانون الضرائب الجديدة واقعاً لا مفرّ منه، على الرغم من التحذيرات الكثيرة التي أطلقتها الهيئات الإقتصادية والخبراء الإقتصاديين، بأن لهذه الضرائب سلبيات كبيرة ستنعكس بشكل كارثي على الإقتصاد الوطني.

فما هي إيجابيات تحرير الأراضي الجردية المحتلة على الثقة بلبنان وعلى الإقتصاد بشكل عام؟ هل سترتفع ثقة المستثمر بلبنان مع الإستقرار الأمني والسياسي الحاصل؟ كيف ستنعكس الضرائب الجديدة على إقتصادنا الوطني؟ وماذا ينتظرنا في الأشهر المقبلة ؟ ... أسئلة كثيرة أجاب عنها الخبير الإقتصادي د. ​لويس حبيقة​ في هذا الحديث مع "الإقتصاد".

بداية، كيف سينعكس تحرير الأراضي الجردية على الثقة بلبنان وإقتصاده ؟ وما إيجابيات هذه الخطوة؟

لا شك ان العملية التي يقوم بها الجيش اللبناني في جرود القاع ورأس بعلبك ستنعكس بشكل إيجابي على لبنان، حيث سيكون البلد أكثر أمناً من الفترة السابقة، خاصة وأن هذه المجموعات الإرهابية كانت في السابق مصدرا للهزات الأمنية والتفجيرات ... وبالتالي سيصبح لبنان أكثر إستقراراً من الناحية الأمنية وستصبح البيئة أفضل لجذب الإستثمارات أو للدخول بأعمال ومشاريع جديدة.

اما بالنسبة للثقة بالإقتصاد اللبناني فهي لا ترتبط فقط بالناحية الأمنية، بل ترتبط بشكل وثيق ببعض التشريعات والقوانين الضرورية التي يجب العمل عليها لإعادة ثقة المستثمرين والمستهلكين ولعودة الإستثمارات إلى البلد .. ومن النقاط التي يجب العمل عليها، محاربة الفساد، تسهيل الإجراءات والعمليات الإدارية المطلوبة لدخول الإستثمارات إلى لبنان، تعيين الأشخاص المناسبين في المواقع المناسبة، قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص – على الرغم من أن الخصخصة أفضل برأيي من الشراكة لأن الدولة أثبتت فشلها في إدارة المرافق العامة – إنجاز التعيينات الإدارية، مكننة العمل الإداري، الكهرباء، الماء، الإتصالات ... وغيرها من الأمور الأخرى.

فلا يتوهم أحد بان إنتصار الجيش سينهي كل مشاكلنا، لأننا نعاني من العديد من المشاكل ... وبناء الدولة يحتاج للكثير من العمل، ونتمنى أن يكون إنتصار الجيش بداية للسير في الطريق الصحيح، ولكي تتفرّغ الدولة إلى هذه الملفات الحيوية التي هي الأساس لإستعادة الثقة بلبنان وإقتصاده.

بعد توقيع رئيس الجمهورية اليوم لقانوني ​سلسلة الرتب والرواتب​ وتمويلها واصدرهما وفقا للاصول الدستورية ... ما هي إنعكاسات ذلك على الإقتصاد الوطني وعلى المواطن والمستهلك اللبناني وعلى الأسواق أيضا؟

لا شك أن توقيع سلسلة الرتب والرواتب كان يجب أن يحصل لأن هذه السلسلة هي حق لموظفي القطاع العام .. ولكن كان من الأفضل عدم توقيع قانون السلة الضريبية الجديدة خاصة أننا في وضع إقتصادي سيء للغاية.

والمزعج في هذا الملف ليس فقط إقرار الضرائب، فالحكومة لم تتجه نحو تخفيض الإنفاق ووقف الهدر ومحاربة الفساد على الرغم من ان كافة الخبراء والمحللين أجمعوا على أن هذا هو الحل الأمثل لإستقامة المالية العامة .. ففرض ضرائب في الوضع الراهن دون الإتجاه والعمل الجدي نحو وقف الهدر والفساد، يعني أن الحكومة الحالية تموّل الفساد، فالضرائب الجديدة ستؤمن مدخول إضافي لهؤلاء الفاسدين لكي يستفيدوا بشكل أكبر.

مشروع سلسلة الرتب والرواتب يمكن تمويله بسهولة إذا أوقفت الدولة مزاريب الفساد والهدر، وبعد ذلك يمكن فرض ضرائب في اماكن معينة لزيادة الإيرادات .. ولكن في الوقت الراهن ليس لدينا ثقة حول كيفية إنفاق هذه الإيرادات الإضافية.

ومن ناحية أخرى ستنعكس هذه الضرائب بشكل سلبي على القدرة الشرائية للمواطن اللبناني، وبالتالي على حركة الأسواق أيضاً.

كيف تقيّم الحركة السياحية في لبنان هذا الصيف ؟ وهل كانت على مستوى التوقعات؟

الحركة السياحية هذا العام إقتصرت على المغتربين اللبنانيين، والموسم كان لبناني بإمتياز ... فلم نرى عدد كبير من السياح الخليجيين والعرب والأوروبيين، وبالتالي لم تكن الحركة أبداً على مستوى التوقعات.

اليوم أصبحنا على مشارف نهاية موسم الصيفي، فالأسبوع القادم تبدأ المدارس والجامعات بفتح أبوابها .. لذلك ما علينا سوى العمل من الأن لتحضير الأجواء المناسبة ولإعادة الثقة بلبنان، لنتمكن من الوصول إلى موسم سياحي جيد في العام القادم.

إقتربنا من نهاية الربع الثالث من 2017 ... كم ستبلغ نسب النمو برأيك؟

نسب النمو ستكون ضعيفة جداً ولن تتخطى الـ1% ... ولكن هذه النسب لا قيمة لها، لان لبنان إقتصاده صغير ومتأخر والناتج المحلي للفرد لا يتخطى الـ 10 آلاف دولار .. وبالتالي نحن نحتاج إلى نمو سنوي يصل إلى 5% على أقل تقدير ليبدأ إقتصادنا بالتعافي.

في لبنان يجب ان نكون منطقيين ومتوازنين بتطلعنا .. ولا شك أن ما يجري في الفترة الأخيرة جيّد ومهم، ولكن الطريق أمامنا طويل جداً لإعادة بناء الثقة.