لا شكّ أن الحوار الإقتصادي الذي دعا اليه رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ لإيجاد نقاط تقارب بين العمال والموظفين (باستثناء هيئة التنسيق التي لم تتم دعوتها) والهيئات الإقتصادية، كان ضروري في ظل هذه الآراء المتضاربة حول سلسلة الرتب والرواتب. بين موظفين لم يطالهم أي تصحيح للأجور منذ سنوات بالرغم من التحولات والأزمات الإقتصادية العالمية التي لم تسلم منها حتى الدول النفطية الكبرى وبين أصحاب الشركات الخاصة (التي نمت ليمتد عدد فروعها الى دول العالم) والمصارف (أصحاب الودائع الكبرى والأرباح الخيالية)، الذين لا يمكن تجاهل دورهم في دعم الإقتصاد ليستمر بظل كل الأزمات التي مرّ بها لولا "أموالهم".

بين خبراء يرون أن ضخ هذا المبلغ الكبير، حوالي مليار ونصف دولار، بعد إقرار السلسلة سيساهم في إنعاش السوق لارتفاع القدرة الإستهلاكية، وبين مصرفيين يرون ان الضرائب ستؤدي الى انكماش وهروب رؤوس الأموال من لبنان...لا يبقى لنا سوى الكثير من التساؤلات أبرزها: هل سيتم هذا الإقرار الموعود؟ ما هي التعديلات التي طالبت (أو مارست ضغوطها) الهيئات الإقتصادية بإجرائها على السلسلة؟

يؤكد نائب رئيس جمعية تجار بيروت جهاد التنير تقدير الهيئات الإقتصادية لخطوة رئيس الجمهورية ميشال عون "البنّاءة بالدعوة للحوار الإقتصادي بشأن سلسلة الرتب والرواتب"، موضحاً: "نحن لسنا ضد إقرار السلسلة لأننا نعلم أنها حق للموظفين الذي لم يحصلوا على زيادة في رواتبهم منذ سنوات بالرغم من الغلاء المعيشي، مع العلم أنها فضفاضة قليلاً وخاصّة بالنسبة للمقاعدين، في ظل غياب الأرقام الدقيقة لتكلفة السلسلة".

وأضاف التنير في حديثه لـ"الإقتصاد": "نحن ضد تمويل السلسلة عبر الضرائب، التي تعتقد الحكومة أنها لن تمس الطبقات الفقيرة إلا أننا نعيش باقتصاد حر ترتبط به الأمور ببعضها. زيادة الـTVA ستؤثر على كافة الطبقات حتماً ، كما أن زيادة الضرائب على مداخيل الشركات سيدفعها إلى إعادة احتساب الكلفة والأرباح وبالتأكيد لن تستثمر المزيد من أموالها في لبنان فكما نعلم، رأس المال الإستثماري يتجه الى البلدان التي فيها ضرائب أقل".

وأضح أنه كان من الأجدى الإستعاضة عن الضرائب بترشيد الإنفاق، ووقف الهدر، والإستغناء عن النفقات غير المجدية ومراقبة المشاريع بدقة أكثر، وقال: "بشكل عام نحن كهيئات اقتصادية لدينا رؤية مختلفة كلياً عن الحكومة بخصوص تمويل السلسلة"، مثنياً في هذا السياق على إقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص قائلاً: "لكن نريد ضمانة بابتعاد السياسة عن المشاريع التي سيتم تنفيذها ولا نريد فقط الإشتراك بالإستثمار بل أيضاً الإشتراك بالإدارة فجميعنا نعلم كيف هي تجربة الإدارات العامة".

وأضاف التنير أن "السلسلة اليوم أصبحت أمر واقع ولكن نأمل أن تجري بعض التعديلات على طريقة التمويل، وهو أمرٌ أشار اليه البيان بختام الحوار في بعبدا، وقد بدأت الإجتماعات فعلياً بين وزير المالية علي حسن خليل ورئيس لجنة المال والموازنة ابراهيم كنعان لإعادة النظر بهذه الأمور ونحن سنتعاون معهم على هذا الأساس".

وشدد التنير على أن سلسلة الرتب والرواتب، بالطريقة التي تسير بها ستؤثر على الإقتصاد سلباً بالتأكيد، ومفعولها سيكون انكماشي على الحركة الإقتصادية.

بدوره، الخبير الإقتصادي د. إيلي يشوعي، رأى ان الأمور تحصل بعشوائية كبيرة وأن القرار من الأساس كان خاطئاً والأمور ستنتهي "باصطدام الدولة مع الناس"، مشيراً الى ان تمويل سلسلة الرتب والرواتب بهذه الطريقة أي عبر الضرائب العشوائية "وأوّلها الـTVA تعني أن ما يُعطى باليمين للبنانيين يؤخذ منهم باليسار، من قال لهم أن الطلب غير مرن تجاه السعر؟ خاصةً في هذا الوضع الإقتصادي الذي نعيشه، نحن في حالة ركود منذ سنوات".

وأشار د. يشوعي الى مسألة تدخّل الدولة بالقطاع التربوي الخاص قائلاً: "يحق للدولة أن تقدّم لموظفيها ما تريد من زيادة رتب ودرجات وفئات والى ما هنالك، لكن لا يمكنها أن تفرض المثل على القطاع التربوي الخاص فهذا أمر غير قانوني وأنا أطالب بطعن دستوري في هذا الموضوع"، موضحاً أن "أكبر المتضررين هم أهالي تلامذة المدارس الخاصة حيث يتوجب عليهم تمويل السلسلة بدفع الضرائب ودفع الزيادة في الأقساط المدرسية وهذا أمرٌ غير منطقي". وأضاف: "في الإقتصاد الحر، القطاع الخاص سيّد نفسه والقطاع العام سيّد نفسه، لا يمكن الربط بينهما".

إذاً، ليس أمامنا سوى انتهاء المحادثات التي تجري لإعادة النظر بالضرائب المزمع فرضها، يليها قرار رئيس الجمهورية المتخذ مسبقاً، كما بدا لبعض الحضور في اللقاء. هي ليست مسألة تحدٍّ بين الهيئات الإقتصادية والمواطنين، هي أزمة ثقة ذهبت مع الريح بعد سنوات من الركود الإقتصادي تم القضاء فيه على الميزان الحقيقي للمجتمع " الطبقة المتوسطة".

من دون شك أن الطرفين يسعون الى تعديل البنود الضرائبية، لكن لكّ طرف بنوده. كلنا نعلم أن ما وصلنا اليه اليوم ما هو الا نتيجة غياب التخطيط، وعدم وجود رؤية اقتصادية واضحة، وعدم توظيف أهل الكفاءة بالمناصب التي تليق بهم، هو باختصار: "الأساس المهترئ".