صباح الاثنين 14 آب 2017 عادت إعتصامات هيئة التنسيق النقابية إلى الشارع اللبناني، بعد أن أعلنت الإضراب الشامل في كل الإدارات والمؤسسات العامة، والإعتصام أمام جمعية المصارف في وسط بيروت، للمطالبة بإقرار قانون سلسلة الرتب والرواتب ونشره في الجريدة الرسمية. وذلك بالتزامن مع اللقاء الحواري الذي دعا اليه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في بعبدا، من أجل البحث في أوجه الخلاف والتناقض حول قانونَي السلسلة في القطاع العام، واستحداث بعض الضرائب لتمويلها، بحضور رئيس الحكومة سعد الحريري والوزراء المختصين، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بالإضافة إلى ممثّلين عن الهيئات الإقتصادية والعمّالية والمالية، ونقباء المهن الحرة، والمدارس الخاصة، والمعلمين في المدارس وأساتذة الجامعة اللبنانية.

وبالتالي عاد الترقّب من جديد ليكون سيد الموقف في أحد الملفات الأكثر تعقيداً في البلاد. والتساؤلات تطغى على الأجواء العامة؛ فما هي الخطوة التي سيقدم عليها الرئيس عون؟ هل سينشر قانون السلسة في الجريدة الرسمية أم سيردّه الى مجلس النواب لإعادة النظر فيه؟ ماذا عن الأحكام الضريبية التي ستموّل السلسلة؟ أجاب على هذه الأسئلة عضو هيئة التنسيق النقابية محمد قاسم في مقابلة خاصة مع "الإقتصاد":

يُجمع الخبراء الإقتصاديون على أن إقرار سلسلة الرتب والرواتب دون إجراء الإصلاحات سيؤدي إلى تدهور الحالة الإقتصادية في البلاد، وذلك بسبب عدم وجود رؤية اقتصادية واضحة حول مفاعيل هذه السلسلة. ما رأيك بهذا الموضوع؟ وهل هناك خطورة في إقرارها دون الإصلاحات ودون تأمين الإيرادات المطلوبة؟

من هم هؤلاء الخبراء الإقتصاديون؟ ولمصلحة من يعملون؟ لأن معظم الخبراء الموثوق بهم يؤكدون أن إقرار السلسلة سيحرك العجلة الإقتصادية، وسينصف ثلث الشعب اللبناني، وسيضخ سيولة في السوق اللبنانية؛ وبالتالي تشكل السلسلة عامل الإستقرار الإقتصادي والإجتماعي.

أما التهويل الذي تنطلق منه جمعية المصارف، واتحاد المؤسسات التربوية الذي يجتمع على أساس "ستة بستة مكرّر"، والهيئات الإقتصادية التي هي سبب ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، فهو يأتي من خبراء خاصين يبررون "فلسفة" هذه الجهات.

فصحيح أن السلسلة ستؤدي الى أعباء مالية، لكن من الممكن أن تتم تغطية النفقات من خلال معالجات بسيطة تقوم بها الدولة. أما بالنسبة إلى موضوع الإصلاحات، فقد أغرقونا في ما يسمى بالإصلاحات منذ خمس سنوات. ولكن ما هي هذه الإصلاحات المطروحة؟ إذ إنه يجب أن تتم أولا في مرافق الهدر والفساد.

لكن الإصلاح الحقيقي يبدأ بقيام دولة الرعاية الإجتماعية ودولة القانون ودولة المواطنية، لكي يصبح اللبناني متساوياً في الحقوق والواجبات. ومن حقوق المواطن الذي يفقد جزءاً من راتبه أو جزءاً من القدرة الشرائية لراتبه، أن تصحّح الأجور كل سنة بحسب مؤشر الأجور. فنحن نبحث اليوم عن سلسلة رواتب لتراكمات تبلغ من العمر عشرين سنة، حيث إنه منذ العام 1996 وحتى الآن لم يحصل أي معلم أو أي موظف أو أي إداري على أي قرش من غلاء المعيشة، باستثناء مبلغ 200 ألف ليرة الذي أعطي في العام 2012. في حين أن مؤشر الغلاء الواضح يتجاوز حاجز الـ150%. وهذا يعني أنه إذا كانت السلسلة الحالية تصحح الأجور لنهاية العام 2011، فهناك ستّ سنوات متبقية يتغاضون عنها. ونحن حتى الآن لم نثر هذا الموضوع كي لا يقال إننا نضخم المشاكل، وإلا فإن غلاء المعيشة تخطى عتبة الـ150% بحسب جميع الخبراء.

والدولة انتظرت حتى تراكمت كل هذه السنوات، ولولا ضغط هيئة التنسيق النقابية ونزولها إلى الشارع؛ لما كانت قد أقرّت السلسلة ولا الإصلاحات الضريبية.

وبالنسبة إلى الأحكام الضريبية المرافقة لقانون السلسلة، ما رأيك بهذا الموضوع؟

كهيئة تنسيق نقابية نحن نطالب بحق مكتسب لنا من العام 1996، أما بالنسبة إلى الضرائب المطروحة فلم أرَ فيها شيئاً مميزاً، إلا الزيادة بنسبة 1% على الضريبة على القيمة المضافة التي سندفعها كلنا كمواطنين لبنانيين.

وزيادة 2% على حسابات المصارف. أما البنود المتبقية فهي اجرائية وتطال معظم الشعب اللبناني. ونحن لسنا موافقين على كل الضرائب، ولم نطلب منهم فرض الضرائب من الأساس.

القطاع الخاص يرفض رفضاً قاطعاً كل الضرائب التي لا تستثني أي مواطن في لبنان، وتم الحديث عن أن تمويل السلسلة مؤمن لمدة سنة واحدة فقط. ما هو ردك؟

التجار رفعوا أسعار بضائعهم من الأساس، وهذا الكلام يدل على "العهر" السياسي والإقتصادي. فهم لا يجدون من يلجمهم، وبالتالي يتمادون في هذا الكلام.

كما أن كل نقاش يتم معهم، يثبت أنهم أكبر قطاع إحتكاري في هذا السياق؛ حيث إنهم يعتقدون أنه من المسموح لهم زيادة أسعارهم دون الأخذ بالإعتبار واقع المواطن الإقتصادي.

وبالتالي أعتبرهم أبواق لصندوق النقد الدولي، ومعلمهم هو أحد أركان السطلة السياسية في لبنان.

أما التمويل فيجب أن يتم، وأن يكون مؤمَّناً على الدوام. فمجلس النواب درس قانون سلسلة الرتب والرواتب ووافقت عليه كل اللجان النيابية واللجان المشتركة، وأقره المجلس بعد خمس سنوات من الإنتظار، لذلك لا أعتقد أن المجلس النيابي يسعى إلى تدمير الإقتصاد اللبناني. فإيرادات السلسة مؤمنة، وإذا كانوا يتهمون المجلس النيابي بتدمير الاقتصاد، فليعدوا بأنفسهم أسعارهم كما كانت في العام 1996.

في حال امتنع الرئيس عون عن التوقيع على القانون، ما هي تحركاتكم وخطواتكم المستقبلية؟

في هذه الحال سنعود إلى الشارع من جديد كما كان يحصل سابقاً، ولكن هذه المرة هناك تعبئة أكبر، لأنه تمّ "الضرب على الجرح"، ما يفرض على أصحاب القضية، أي على هيئة التنسيق النقابية مجتمعة وكل قطاع بمفرده، أن لا يعطّلوا السنة الدراسة فحسب، بل أن يشلوا الإدارة والمؤسسات العامة.

فالجميع رأى ما حدث اليوم، وهذا ليس كلام تحدٍ، بل كلام تحذيري، لأن "اللعب بالنار يحرق".

ونحن لا نهدد بل نناشد الرئيس عون بأن يأخذ القرار الصائب، لأنه لا يجوز أن يطاح بقرار مجلس نيابي، رغم أننا نعتبر أن هناك غبن في السلسلة للكثير من القطاعات، ولكن ارتضينا أن تقرّ هذه السلسلة بكل شوائبها على أن نبقى خمس سنوات جديدة على حالنا.

وفي حال وقع الرئيس تحت ضغط الهيئات الإقتصادية والمصارف، سنواجه حينها أزمة سياسية وأزمة في الحكم بأكمله، لذلك أشكّ بأن يعيد الرئيس عون هذا القانون لأنه يبحث عن مخارج تحفظ حق الجميع.

وإذا تمت إعادة قانون السلسلة إلى مجلس النواب مجدداً، معناها أن هناك مشروع إطاحة، وقد خضع النظام السياسي في لبنان والحكم بأكمله إلى إملاءات المصارف والهيئات الإقتصادية وأصحاب المدارس الخاصة، أي الأطراف التي تجني الأرباح على حساب الناس ومصالحهم.