وقع 352 قاضياً يوم أمس عريضة موجهة إلى رئيس واعضاء مجلس القضاء الأعلى رئيس وأعضاء مجلس شورى الدولة ورئيس وأعضاء مجلس ديوان المحاسبة، تطالب بـ"استقلالية القضاء وإلغاء سلسلة الرتب والرواتب تحت طائلة الاعتكاف الشامل، وذلك استنادا إلى المادة 44 من قانون القضاء العدلي والمادة 20 من الدستور اللبناني والفقرة "هاء" من مقدمة الدستور التي تنص على استقلالية القضاء".

واعتبروا أن "بعض التشريعات المقرة أخيرا أدت إلى الامعان في الانتقاص من استقلالية القضاء والقضاة والاساءة إلى مفهوم السلطة القضائية ولاطلالة لبنان الداخلية والدولية".

وكان مجلس القضاء الاعلى قد أعلن الإضراب اعتراضاً على مضمون المادة 33 من قانون سلسلة الرتب والرواتب التي من شأنها انهاء التقديمات الاجتماعية على اختلافها للقضاة وافراغ هدف انشاء صندوق التعاضد من جميع مفاعيله.

ولمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع وتأثيره على الإقتصاد كان لنا هذا اللقاء مع المحامي بالإستئناف، والمستشار المعتمد لدى عدة هيئات دولية د.شربل عون عون:

- قبل الحديث عن إضراب القضاء وسلبياته، ما هي برأيكم علاقة الاقتصاد بالسلطة القضائية بشكل عام؟

انّ السلطة القضائية مرتبطة ارتباطا" وثيقا" بالتنمية الاقتصادية بشكل عام، فالدستور اللبناني شرّع هذه العلاقة وفرضها بجعل القاضي حاميا" للحقوق والحرّيات؛ وبالحديث عن الحقوق فيمكن الحديث عن الاموال والعقارات والشركات التجارية وغيرها.

لكن القضاء بشكل عام يشكو اليوم من عدّة نواقص سواء من حيث التجهيزات او البنى التحتية لبعض المحاكم، الامر الذي من شأنه التأثير على انعاش الاقتصاد وعدم أعطاء اية ضمانات اكيدة للمستثمرين. اضافة" الى انّ عدد القضاة اصبح لا يتماشى مع حجم النزاعات المطروحة والتي ارتفع عددها كثيرا" في الآونة الاخيرة خصوصا" بعد الازمة الاقتصادية التي تمرّ بها البلاد. فانّ القضاء اللبناني ليس لديه القدرة على مجابهة كلّ القضايا والنزاعات المطروحة امامه في آجالها المعقولة ممّا خلق نوعا" من عدم الرضى سواء من المتقاضين او من المتداخلين عامّة" في الشأن القضائي.

مما لاشك فيه انّ ظروف العمل الحالية للقضاء قد تؤثّر سلبا" على التنمية الاقتصادية. فاذا كانت مثلا" المحكمة التجارية او العقارية او غيرها تأخذ معدل 4 سنوات للبتّ في قضية ما، فايّ مستثمر سيغامر باستثمار امواله في لبنان؟؟؟ الامر الذي من شأنه ان يؤثر سلبا" على الحركة الاقتصادية في البلاد.

وليس صحيحا" انّ تراجع الاستثمار هو فقط له علاقة بالارهاب. فالارهاب اصبح موجودا" في الآونة الاخيرة في جميع انحاء العالم ممّا يعني انّ الاستثمار برأينا اصبح مرتبطا" بالرّبح لانّ المستثمر يبحث دوما" عن السّرعة والثّقة في المعاملات التجارية كونها من المفترض ان تنفّذ بوضوح وبانّه في حال وقوع اي نزاع بشأنها، فانّ هناك آليات قانونية تضمن حماية حقوقه.

وانّ القضاء هو ركيزة من ركائز الدولة. لذا، يجب اعادة الثّقة فيه وعدم الارتكاز على سلبياته. وانّ لوسائل الاعلام دور مهمّ في تحسين صورة السّلك القضائي وذلك بالابتعاد عن الجانب السلبي له واظهار صورة تفاؤلية تساعد على استرجاع الثقة فيه وتساهم في خلق مناخ آمن يشجّع المستثمر على الاستثمار في البلاد.

- لماذا أضرب القضاة في لبنان؟ وهل برأيكم هذا الامر كان له تأثير على الحركة الاقتصادية؟

انّ مجلس القضاء الاعلى قد أبدى اعتراضه على مضمون المادة 33 من قانون سلسلة الرتب والرواتب التي من شأنها انهاء التقديمات الاجتماعية على اختلافها للقضاة وافراغ هدف انشاء صندوق التعاضد من جميع مفاعيله. لذلك، اعتبرت السلطة القضائية بانّ هذا الامر من شأنه ان يرتدّ سلبيا" على أوضاعهم الاجتماعية وعلى رواتبهم التي هي أساسا" ليست مرتفعة.

انّ قرار الاعتكاف القضائي له بالطّبع ارتداد كبير وسيء فهو يعيق الحركة الاقتصادية بشكل ظاهر. وهذا الامر قد لمسناه خلال الاسبوعين الماضييين. فانّ جميع النيابات العامة توقفت عن استقبال ايّة شكاوى امامها باستثناء المتعلّقة بمرور الزمن. انّ الشكاوى المقدّمة امام النيابات العامة الاستئنافية هي عادة" كثيرة جدّا"، فكيف بالاحرى اذا تمّ توقيفها لفترة أسبوعين. أضف الى ذلك، الدعاوى امام قضاء الامور المستعجلة الذي يؤدي عدم قبولها الى ارتداد سلبي على كافّة المواطنين والحركة الاقتصادية. فالمادة 579 من قانون أصول المحاكمات المدنية تجيز لقاضي الامور المستعجلة اتّخاذ التدابير المستعجلة في المواد المدنية والتجارية وذلك عند حصول ايّ تعدّي واضح على الحقوق.... فلفترة أسبوعين، لم يأخذ قضاة الامور المستعجلة في لبنان اي قرار مستعجل في هذا الخصوص. ناهيك عن القضاء العقاري الذي يمتنع عن وضع ايّة اشارات من اجل حفظ حقوق المدعين وردع المدعى عليهم من تهريب أموالهم.

- هل يحقّ للموظف العام الإضراب؟ وماذا عن القضاة؟

انّ المادة 15 من قانون الموظفين تمنع على الموظف العام الاضراب او التحريض على الاضراب بشكل عام أثناء ممارسته لوظيفته، ولكن القضاة يعتبرون بأنهم سلطة مستقلة وقد حان الوقت من أجل التعامل معهم على هذا الاساس لأن حقوقهم مصانة بالدستور ولا يجب على احد المساس بها.

ولكنّي أرى شخصيا" بانّ المسؤول الاول هي الدولة وان الاعتداءات والتهديدات التي يتعرّضون لها القضاة تجبرهم على القيام بذلك كونهم برأيي في صراع مع بعض السياسيين الفاسدين منذ زمن طويل. هناك رؤية وسياسة ممنهجة لتهميش دور القضاة ووضعهم تحت أمرة السلطة السياسية وتحويلهم من سلطة قائمة الى مجرّد قطاع او سلك يأتمر من السلطة السياسية. انّ الدفاع عن حقوقهم ومواقفهم هو واجب قد فرض عليهم حتى لا يتمّ تكرار الامر بشكل عشوائي وغير ممنهج.

وانّنا نرى بانّ السياسات الفاسدة في لبنان تؤدّي الى الفساد في كل القطاعات. وبرأينا انّه ليس هناك من قضاء فاسد بل في اغلب الاحيان سلطة سياسية فاسدة تحاول فرض أوامرها وقراراتها المعيبة على القضاة من اجل اصدار أحكامها.

أخيرا"، نعتبر بانّ هذا الاضراب قد أهدر حقوق عددا" كبيرا" من المواطنين وكان لا بدّ على الدولة ان تتحرك سريعا من اجل الوصول الى حلّ عن طريق اعطاء ضمانات أو القيام بأية خطوة ايجابية تجاه السلطة القضائية تساعد على وضع ضوابط لهذا الاضراب ومعايير من شأنها عدم المساس بحرّيات الناس وحقوقهم، كاستثناء على سبيل المثال القضايا المستعجلة وغيرها من الامور الضطرارية التي لا يمكن ان ترتدّ سلبياتها على الموطنين بشكل مباشر.

- ماذا بعد انتهاء الاضراب؟

بعد انتهاء الاضراب، هناك مصيبة ستحلّ على القضاة وعلى المخافر بشكل عام لانّه كما قلنا سابقا"، انّ كافّة المخافر اللبنانية هي مثقلة بملفّات وشكاوى المواطنين. فانّنا لا نعلم كيف سيتمّ التعامل مع الشكاوى العالقة في المخافر لفترة أسبوعين دون اي تحريك.