قلما نسمع عن رجل أعمال شق طريقه بنفسه في عمر شاب، فعادة ما تُشبعنا مقاطع الفيديو التحفيزية بهذا النوع من القصص.. صحيح أنها موجودة فعلاً في المجتمع إلا أنه من الصعب أن نلتقيها كل يوم من "نُدرتها" فنمط الحياة بات أصعب والظروف أضحت أقسى..

شخصيتنا اليوم تتحدث عن مسيرة شاب لبناني تدرّج من أحلك الظروف إلى أحلاها...

باشر عمله من منزله فلم يشكّل له رأس المال عائقاً، وحتى يومنا هذا وبعد تأسيسه أحد أكبر شركات الوساطة العقارية في منطقتي بيروت وجبل لبنان مع فريق عمل كامل كله من فئة الشباب، لا يزال يعتبر أن الماديات ليست الغاية الكُبرى..إنما وسيلة لتطوير الطاقات.

ولنتعرف أكثر إلى هذه الشخصية النموذجية كان لـ"الإقتصاد" مقابلة خاصة مع المؤسس والمدير التنفيذي لشركة "Brokers XP" ... عبد الله صالح الذي شاركنا أبرز محطات حياته المهنية وقدّم لنا أفضل النصائح من خلال تجربته الخاصة.

-من أين انطلقت مسيرتك الأكاديمية؟

تخصصت في الجامعة اللبنانية الدولية " "LIU في مجال إدارة المعلوماتية، أي في ما لا يرتبط بمجال عملي الحالي.

بدأت في مسيرتي المهنية في عالم الوساطة العقارية في العام 2009، في سنّ الواحد والعشرين عاماً. وكنت قبلها أعمل في المجال العقاري أيضاً ولكن في شقه التطويري.

عندما قررت تأسيس شركتي الخاصة "Brokers XP" كان هدفي تحقيق الإستقلالية التامة، وأن أؤسس مساراً خاصاً بي لأني اعتبرت أن المخاطرة في هذا العمر نسبتها مقبولة إلى حد ما.

وكنا نحقق معدلات نمو عاماً بعد عام، رغم أن وضع البلد لم يكن مستقراً إلا أننا نجحنا في التغلّب على العراقيل السياسية والإقتصادية. والآن يمكننا أن نقول - وبكل تواضع - إننا الشركة رقم واحد في مجال الوساطة العقارية لجهة عدد الموظفين والعمليات وتعتبر الشركة الأكبر في منطقتي بيروت وبعبدا.

بالطبع الطريق لم تكن خالية من العراقيل إلا أن هدفنا كان واضحاً نُصب أعيُننا.

-كيف واكبت مراحل الشركة التطورية؟

بدأت بالعمل من منزلي، فلم أكن حينها أملك رأس المال الكافي لأؤسس مكتباً وأوظف فريق عمل. كنت أعمل على صعيد فردي، بمساعدة بعض الأشخاص المقربين مني.

لذا لم يشكل رأس المال بالنسبة لي عائقاً في البداية، إتجهت للتركيز الشديد على أدق التفاصيل، وترشّيد الإنفاق بالإضافة إلى دراسة الخيارات بشكل دقيق جداً، خاصة فيما يتعلق بالإستثمار في تطوير الشركة وتوسيع عملياتها، إنتباهي لهذه التفاصيل كان لصالحي فكنت أقدر قيمة كل دولار.

بالنسبة لي، فإن معيار نجاحي هو نمو الشركة السنوي، وليس فقط على الصعيد المادي، بل أيضاً توسّع أعمال الشركة ونطاق عملها. فباشرنا أعمالنا من منطقة كليمنصو – عين المريسة وبدأنا نتوسع إلى منطقة فردان، ومن بعدها عملنا في منطقة الجناح وصولاً إلى وسط بيروت والأشرفية.

وفي العام 2017 شكّلنا فريق عمل خاصّ لمنطقة بعبدا.

إذاً، أنا أقيّم نفسي نشاط عملنا ليس من المنظور المادي فحسب، رغم أن إيراداتنا المالية تزيد عاماً بعد عام بنسبة 20%.

بدأنا نعمل من مكتب مكوّن من أربعة وعشرين متراً، ومن بعدها انتقلنا إلى مكتب آخر مساحته لا تتجاوز ستين متراً، وصولاً إلى مكتبنا الحالي الذي أعتبره المركز الرئيسي للشركة، وندرس حالياً إمكانية تأسيس فروع أخرى بداية العام 2018، بحيث تحظى كل منطقة بمكتبها الخاص.

-هل شكّل لك عمرك الشاب عائقاً في مسيرتك المهنية، فهل آمن بك رجال الأعمال الكبار منذ بداية رحلتك في مجال الوساطة العقارية؟

هنالك جانبان للموضوع، الأول أنه عندما باشرنا في العمل لم تكن سمعة القطاع كما هي عليه اليوم، فكان يُنظر إلينا من باب "السماسرة"، في بيروت كانت هذه النظرة موجودة في العام 2009 وكانت تُشكل تحدياً بالنسبة للجميع، ولكن مع تنظيم القطاع ووجود نقابة وضعت حجر الأساس لتنظيم هذه المهنة بدأ الوضع يتحسّن.

أما التحدي الثاني، فكان عمري الذي برأي البعض لم يسمح لي بإنجاز صفقات مع أشخاص يكبرونني سنّاً بأكثر من عشرين عاماً، إلا أنني لم أعتبر هذا الأمر مشكلة، لأنني كنت أعمل ضمن معايير دقيقة، وعادة ما يُقدر الاشخاص العمل الجاد فلا يعودون يستدركون أو يهتمون لعمر الشخص عوضاً عن كيف يفرض عمله ورؤيته في مجال عمله بجدية.

فكانوا ينظرون لمسألة العمر من ناحية إيجابية من باب التشجيع أننا نعمل بشكل محترف رغم أن سننا صغير.

ماذا يُميّز شركة "Brokers XP" عن غيرها في السوق؟

يمكننا أن نعتبر أن شركتنا اليوم تجاوزت كل التوقعات، على سبيل المثال من حيث آلية التوظيف التي نتبع خلالها معايير محددة كضرورة أن يكون موظفاً حاصلاً على شهادة جامعية، متمكناً من اللغات الأجنبية، وغيرها.

الإهتمام بهذه التفاصيل وغيرها أسهم في حصولنا على سمعة طيبة في السوق، إذ نرى اليوم العديد من الأشخاص الذين يلجأون إلى شركتنا رغم أنهم كانوا قد اطلعوا على العقار وتفاصيله مسبقاً، إلا أنهم على ثقة بأننا سنتمكن من توفير سعر أفضل لهم وأن نضمن لهم مسيرة واضحة بعيدة من التلاعب في المعاملات القانونية.

يمكننا القول: إن خبراتك المهنية تتراكم يوماً بعد يوم مع نمو الشركة. كيف تغيّرت نظرتك إلى لأمور منذ تأسيسك الشركة حتى يومنا هذا؟

لا شك أني مررت بالعديد من الأخطاء، إلا أنني أعتبر أنني تخطيتها لسبب واحد وهو إقتناعي بأني المسؤول الوحيد على رسم منحى حياتي بالطريقة التي أرغب بها، وإن اعترض طريقي بعض العراقيل، فعليّ أن أتابع المسيرة لأصل إلى ما أطمح له.

ومن التحديات التي واجهتنا في العام 2014 حينما قررت أن أفتح فرعاً جديداً للشركة في قطر، ولكن لسبب ما لم أتمكن من الحصول على إقامة، ما يعني أني خسرت استثمار ورأس مال كبير كنت قد باشرت به.

عندها كان بإمكاني أن أتخلى عن كل شيء وأستسلم للإكتئاب والشعور بالخيبة، إلا أنني قررت أن أبحث عن الجزء الجيد من هذه التجربة وأن أستثمر الخبرة التي إكتسبتها في قطر في مكتبنا بلبنان.

ومن التجارب التي مررنا بها أيضاً هي آلية التوظيف، التي لا تعتبر مَهمّة سهلة على الإطلاق، فعندما بدأنا في الشركة كانت نسبة الموظفين الذين يتركون العمل بعد أشهر معدودة مرتفعة جداً، وهذا أمر لا يُستهان به، خاصة أن مجال عملنا مرتبط بشكل وثيق بالأفراد، فكلما يستقيل موظف كان علينا أن ندرب ونطور شخصاً آخر متخوفين من أن يتركنا أيضاً. شكلت لي هذه المرحلة نوعاً من الإحباط، ولكننا تمكنا من حلّ هذه المشكلة فمنذ ثلاثة أعوام وحتى يومنا باتت هذه النسبة تساوي صفراً! وهذا يعود لطريقة تعاملنا مع بعضنا البعض، الإستقرار على الشق المالي والعديد من العوامل الأخرى، وبالنسبة لي هذا كان أحد المؤشرات التي أثبتت لي أنني تطورت في العمل.

أما المؤشر الآخر فهو توسيع عملياتنا، لأن مجال عملنا يعتمد على المركزية، ولأن هذا المجال حساس جداً ويتضمن العديد من الخبايا، كان أمامنا تحدٍ كبير بأن نخرق هذه القاعدة و أن ننطلق إلى اللامركزية عبر فروع متعددة منتشرة في المناطق التي نعمل ضمنها.

منذ العام 2009 وحتى اليوم مررت بالعديد من الصعوبات...انكسرت.. ليس على الصعيد المادي إنما على صعيد إيماني في قدراتي وحلمي في بعض الأحيان، إلا أن هذا "الإنكسار" كان بالنسبة لي جرعة "المناعة" التي قوّتني.

نلاحظ ان كل العاملين في "Brokers XP" هم من فئة الشباب، وأن البيئة الحاضنة للشركة مفعمة بهذه الطاقة الإندافعية، كيف تتعامل مع الموظفين، وكيف تحفّزهم؟ وهل كان الموضوع أسهل بالنسبة لك لأنك تشاركهم الفئة العمرية نفسها؟

أحد التحديات التي مررت بها أيضاً، هي وجود أشخاص محبطين في الشركة، لكنني تمكنت من تحفيزهم عن جديد، بطبيعة الحال نظرتي للموظف لا تتلاقى أبداً مع مبدأ "أن دوره الوحيد هو أن يكسب المال لي" إنما له حقوق كما لي حقوق، لذا أحاول أن "أمسك العصى من منتصفها" فمن واجبه أن يلتزم بمهامه ويحترمها، كما له حقوق عليه أن يأخذها حتى آخر دولار.

وعلى صعيد متصل نؤمن في الشركة بـ" ثقافة التأمّل" علما أنها ليست موجودة على صعيد منشر في السوق، إلا أننا في مكتبنا نؤمن بها، لذا نعقد يومياً جلستين للتأمل ، صباحاً وبعد الظهر، ما زاد نسبة الإيجابية في المكتب، ووفر لنا أجواءً مفعمة بالطاقة والإنتاجية.

لا ننظر للموظف وكأنه علامة "الدولار" ، وإنما شريك معنا له حقوق وعليه واجبات. أتفهّم أن الموظف في بعض الأحيان قد يُقصّر في عمله وأحياناً يمر بحالات من الإحباط ومن واجبي أن أدعمه، على ألا يطول ويؤثر على مسار العمل، وهذا أمر لا يتساوى فيه الجميع فهي حنكة التواصل مع الأشخاص.

ما هي الرسالة التي تود إيصالها للشباب من خلال رحلتك الخاصة؟

أقول للشباب لا تجعلوا الأموال هدفكم الوحيد، وهنا أقصد هذه العبارة بمعناها العملي والفعلي ولست أَنظمَ أقوالاً مأثورة، كلنا نرغب في الحصول على مبلغ يتناسب مع تطلعاتنا بل يفيض عنها أحياناً، ولكن الغاية الكبرى هي الإستمتاع في الحياة على كل الأصعدة.

أن أتجه إلى عملي وأشعر بشغف في تحقيق المزيد من الإنجازات، أن أكون مرتاحاً في علاقتي مع ربي، وعلى صعيد أسرتي أن أكون سعيداً وغير مقصر في حقوقهم، بل، برأيي : أنه على الإنسان أن يسعى يومياً وأن يبنى حالة من التوازن في كل الأمور التي يحبها.

وليس فقط أن تكون الغاية هي الحصول على أموال إضافية، قد يكون هدفاً جيداً إلا أنه إذا كان سيصرف عنك السعادة والراحة ويحرمك ممن تُحب، فلا أعتقد أن أحداً منا يرغب في أن يعيش تعيساً وإن كان معه أطنان من الأموال.

نصيحتي للشباب.. لا تتنازلوا عما تحبون، في نهاية المطاف الأموال لا تأتي إلا عبر معادلة ثابتة، العمل الجاد يضمن لك حياة كريمة، إستمتع بهذه الحياة، إفعل ما تحب بشغف ولا تتنازل عن الأمور الأساسية في الحياة : كتطورك الذاتي، العائلة، الصحة، وعلاقتك مع ربك لصالح "الماديات" فحسب.