أنجز "فرنسبنك" دراسة عن قطاع ​النفط والغاز​ في لبنان تحت عنوان "هل لبنان دولة منتجة للنفط والغاز؟" حيث أشارت الى ان الدراسات والمسوحات التي قامت بها شركات بريطانية ونرويجية وأميركية توضح وجود احتياطيات من النفط والغاز في المياه اللبنانية وذلك بحدود 30 تريليون قدم مكعّب من الغاز و660 مليون برميل من النفط السائل آخذين بعين الاعتبار مساحة 10% من هذه المياه التي تم اجراء مسح لها.

وكشفت الدراسة انه بناء على تقديرات جهات دولية متخصصة، فان قيمة احتياطات الغاز في لبنان هي بحدود 164 مليار دولار وقيمة احتياطيات النفط هي بحدود 90 مليار دولار للفترة الممتدة بين عامي 2020 و2039.

هذه التقديرات متواضعة مقارنة بالمقالات والدراسات السابقة التي ازدحمت بها وسائل الاعلام منذ "اكتشاف" الثروة النفطية في لبنان ، وقد ذهب بعضها الى الحديث عن 3 الى 4 الاف مليار دولار كثروة منتظرة ، وفي الوقت نفسه اشتعل السجال حول كيفية الاستفادة من العائدات المنتطرة ، وهي ينبغي اطفاء الدين العام ، او انشاء صندوق للاجيال القادمة ، على غرار الكويت ، أم توظيفها في استثمارات مختلفة .

وغاب عن التحليلات والتقديرات والاقتراحات ، الى حد بعيد ، اقتراح استثمار الطاقة المتوقعة ، وخصوصا الغاز ، في انتاج الكهرباء ، مع ما يعنيه ذلك من توفير مليار دولار سنويا (حسب سعر برميل النفط 40 دولارا )على الخزينة ثمن الفيول المستخدم حاليا ، هذا عدا الاتسخدامات الاخرى .

يبدو ان الحكومة غائبة عن هذا النقاش ، ففي الوقت التي تتوالى الدراسات والخطط والاقتراحات من القطاع الخاص ، تغرق الدولة مجددا في نقاشات سياسية تبعدها عن متابعة ما يجري ، وتحرم البلد من فرص حقيقية للنهوض الاقتصادي . وهذا ما تشير اليه السجالات العقيمة حول خطط اصلاح وتأهيل قطاع الكهرباء ، اذ يغيب فعليا بند انشاء معامل جديدة مطلوبة لتلبية الاحتياجات الحالية والمستقبلية من التيار الكهربائي .

في نهاية العام 2013 اجرت وزراة الطاقة مناقصة لبناء معمل دير عمار 2 وقد فازت مجموعة لبنانية - اسبانية بالمناقصة ، الا ان الحكومة الغتها بحجة التوفير، واعادت تلزيم المشروع الى شركة اخرى ، ولكن حتى اليوم لم تبدأ ورشة بناء المعمل .

لا مجال هنا لاحياء النقاش حول اسباب الغاء المناقصة وثم اعادتها ، الا ان ما يعنينا ان العرض الاول ( اللبناني - الاسباني) كان يشتمل على امكانية الانتاج في المعمل المستقبلي على الفيول أو الغاز . وهنا بيت القصيد ، فالتوفير الذي ارادته الحكومة عندما منحت التلزيم لشركة أخرى ، عدا عن ان الايام اثبتت انه وهمي ، لا يشمل موضوع الغاز على الاطلاق.

المعمل لم يقم حتى الساعة ، ولن يقوم على الارجح ، وتغيب في الوقت عينه ، خطط بناء معامل جديدة على الغاز .

الدول المجاورة تنبهت الى اهمية الغاز في انتاج الكهرباء ، فهو اقل كلفة ، واقل تلويثا من الفيول ، في مصر والاردن قامت مشاريع كبيرة في السنوات الاخيرة لاستيراد الغاز المسيل وتحويله الى غاز لانتاج الكهرباء. ومع ان مصر تنتج الغاز فان تزايد استهلاكها المحلي جعلها تستورد كميات كبيرة في انتظار نتائج تطوير انتاج حقلين كبيرين للغاز في المياه الاقليمية المصرية يجري العمل فيهما منذ العام 2015 .

البحرين تعاقدت مع شركة استثمار كويتية على انجاز مصنع لاستقبال الغاز المسيل ومن ثم تحويله الى غاز وانتاج الكهرباء، والشركة المعنية باشرت العمل على انجاز المصنع ويقدر المصنع سيعمل بعد عام تقريبا بقدرة تساوي 1,5 مليون طن من الغاز سنوياً، ، وستتوافر الكهرباء للبحرين في حدود ستة سنتات لكل كيلووات/ ساعة، مقابل 22-24 سنتاً من تكاليف الانتاج في لبنان.

الكويت ، وهي دولة نفطية بامتياز ، تعاقدت على شراء ثلاثة ملايين طن من الغاز المسيل سنويًا، سواء من قطر أو عمان أو نيجيريا، ولاحقا من أوستراليا والولايات المتحدة، وهي تخطط لزيادة طاقة استيرادها على المدى المتوسط، وكل هذا يجري وهي تنتج 16.5 بليون متر مكعب من الغاز المخالط. لكن استيراد الغاز المسيل بالكميات المشار اليها وبموجب أسعار تساوي أربعة دولارات لكل الف قدم مكعب أو 24 دولارًا للطاقة المتوافرة من برميل نفط، يؤدي الى تحقيق وفر اقتصادي ملحوظ ومنافع بيئية للكويت والكويتيين من عملية استيراد الغاز المسيل.

الغاز الطبيعي​ بعد تسييله هو الوقود المثالي لتوليد الكهرباء لسهولة وانخفاض الاستثمار في انشاء محطاته، وقد سجلت تقارير ​البنك الدولي​ ازديادا عالميا سنويا بنسبة 3 الى 4 % ، باللجوء اليه والاستغناء عن النفط .

لا شك ان الحكومة الحالية اطلقت ورشة استخراج النفط والغاز منذ اجتماعها الاول ، باصدار المراسيم التطبيقية ، وعملية التراخيص جارية ، ولا تأخير يسجل في هذا المجال . الا ان المطلوب ، بالتوازي ، وضع خطة متكاملة لبناء معامل الكهرباء على الغاز ، او احياء الخطط القديمة مع كل ما تتطلبه من مشاريع رديفة لاستخراج الغاز وتسييله ونقله ، للاستفادة من الثروة الموعودة ، وانهاء كارثة الكهرباء المتفاقمة.

الخطط بتحويل الانتاج الكهربائي الى الغاز الطبيعي موجودة، وقد عرض الوزير السايق للطاقة ارتور نظريان بعض ملامحها قبل عامين ، مؤكدا اهمية هذا الخيار الذي يساهم في زيادة انتاجية معامل الكهرباء الموجوة بنسبة 15-20 % ويوفر حوالى مليار و91 مليون دولار على الخزينة، اي اقل من نصف كلفة الطاقة التي تدفعها مؤسسة كهرباء لبنان، لافت الى وجود مشروعين في هذا الصدد:

- مشروع انشاء محطة عائمة لتخزين وتغويز الغاز السائل ثم تحويله الى غاز طبيعي لتشغيل كل المصانع الحالية، وقد انجزت الوزارة مناقصتها عام 2014 بالتعاون مع Poten & Partners والبنك الدولي ومجلس الانماء والاعمار واتت النتائج مشجعة لجهة مستوى الشركات المشاركة (12 شركة اجنبية) او الاسعار التنافسية. واظهر تقرير المناقصة (الذي أحيل على مجلس الوزراء وقتها) ان الفارق بين سعر الفيول الذي يستخدمه معمل دير عمار حاليا وسعر الغاز هو حوالى 160 مليون دولار سنويا بينما يبلغ التوفير في معمل الزهراني نحو 150 مليون دولار.

- مشروع خط الغاز الساحلي لربط كل معامل انتاج الكهرباء والمجمعات الصناعية الساحلية بخط الغاز العربي الواصل الى البداوي (كلفة المشروع 445 مليون دولار)، والذي يسمح في المستقبل عند استخراج واستثمار الغاز اللبناني بتصدير فائض الانتاج الى اوروبا براً من دون كلفة اضافية.

هذه المشاريع تحتاج الى وقت لتنفيذها ، هو نفسه الوقت الذي تتطلبه ورشة اسخراج النفط والغاز ، فلماذا لا يتم العمل على خطين او ثلاثة معا ، ألم نضيع ما يكفي من عمر هذا الوطن ؟