زينة طرباه الحص هي امرأة ناجحة وطموحة ذات شخصية قوية، لا يثنيها شيئ عن تحقيق ذاتها، والوصول إلى أهدافها. هي امرأة تتحلّى بالتصميم والإصرار والنشاط، وتتّصف بالذكاء والتألق والحكنة.

طموحاتها غير محدودة، وعزيمتها لا تُحبط أبدا، فهي تسعى دائماً إلى تحسين قطاع التربية والتعليم في مسقط رأسها لبنان، وفي مدينة كفوربفوا الفرنسية التي تحتضنها.

كان لـ"الإقتصاد" مقابلة خاصة مع رئيسة جمعية "Amicale Liban Courbevoie"، زينة طرباه الحص، للحديث عن مسيرتها المهنية، وخططها المستقبلية، ورؤيتها لواقع المرأة اللبنانية في المجتمع والسياسة والعمل.

من هي زينة طرباه الحص؟

ولدت في الأول من كانون الثاني 1961 في العاصمة اللبنانية بيروت، لكنني أعيش منذ فترة طويلة في مدينة كوربفوا الفرنسية.

تخصصت في مجال اللغات الأجنبية التطبيقية في جامعة "السوربون"، ومنذ شهر كانون الأول 2016، تسلّمت رئاسة جمعية "Amicale Liban Courbevoie"، "ALC". أما في نيسان 2016، فقد تم تعييني سفيرة للتوأمة ما بين مدينتي كوربفوا في فرنسا وبيت مري في لبنان، من أجل تنفيذ مشروع التبادل الدولي بين المدينتين.

ومنذ أيلول 2014 وحتى يومنا هذا، أنا أدرّس اللغة الإنجليزية في "جامعة باريس الغربية" (Paris Ouest). ومنذ أيار 2004 وحتى الآن، تسلّمت مهمة تنسيق أنشطة ما بعد المدرسة في قاعة بلدية كوربفوا، وخلال تلك الفترة، وضعت برنامجاً لحلقات العمل المختصصة باللغة الإنجليزية في مدينة كوربفوا، للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين أربع سنوات وعشر سنوات.

ومن العام 1997 وحتى العام 2004، كنت معلمة متخصصة في اللغة الإنجليزية كلغة ثانية في المدارس في كوربفوا، حيث صادفت أطفالاً من مختلف الثقافات، وعملت على استخدام أساليب وتقنيات مبتكرة من أجل تشجيع الأطفال على تعلم لغة أجنبية.

ومن العام 1984 حتى العام 1995، تسلّمت أمانة الخزانة في بنك "Fransabank" في فرنسا.

كيف انطلقت مسيرتك المهنية ومتى؟

بدأت مسيرتي المهنية فعليا فور عودتي من العمل بعد إجازة الولادة. ففي نهاية مرحلة التخصص الجامعي، وجدت نفسي أعمل في أحد البنوك، التي لم يكن لها أي علاقة بدراستي وتدريباتي وتطلعاتي.

في العام 2004، شاءت الصدف أن أستلم رئاسة قسم أنشطة ما بعد المدرسة في قاعة بلدية كوربفوا، وفي الوقت ذاته واصلت نشاط تدريس اللغة الإنجليزية في كلية "نانتير" (Nanterre).

كيف أصبحت رئيسة لجمعية "Amicale Liban Courbevoie"؟

جمعية "Amicale Liban Courbevoie" موجودة منذ العام 2012، لكنها كانت غارقة في سبات عميق.

وبالتالي تواصل معي رئيسها في ذلك الوقت، فرانسوا لطّوف، العضو في مجلس البلدية في مدينة كوربفوا، والصيدلي المشهور، وباتفاق متبادل قررنا إعادة إحياء الجمعية بفضل التوأمة التي تم توقيعها في حزيران 2015 بين كوربفوا وبيت مري في لبنان، بهدف جعلها ذات مغزى أكبر، وإعادة معناها الحقيقي، وذلك من خلال إنشاء مشاريع تستهدف الشباب. وبعد تلك المرحلة، بدأت الأمور تسير بشكل طبيعي.

ما هي الصعوبات المهنية التي تواجهك في مسيرتك؟

لم أواجه فعليا صعوبات كبيرة، ولكن تجدر الإشارة إلى أن واقع كوني امرأة، يتطلّب مني دائما بذل المزيد من الجهود، ولكن شخصيتي القوية ساعدتني على فرض نفسي والتقدم.

هل تخططين للعودة في يوم من الأيام للعيش والعمل في لبنان؟

أنا أعمل بالفعل مع بلدية بيت مري، وقد أنشأنا مشروعاً دولياً للتبادل، تم إطلاقه في 18 نيسان 2017. ومن خلال هذا المشروع، استقبلت كوربفوا ثمانية شبان وشابات في رحلة ثقافية. وستتم رحلة العودة في العام 2018، بالتعاون مع المجلس الإستشاري للشباب في كوربفوا (Conseil Consultatif de la jeunesse de Courbevoie).

ونحن نتوقع إنشاء المجلس الإستشاري للشباب في بيت مري (Conseil Consultatif de la jeunesse à Beit Méry )، الذي هو عبارة عن هيئة إستشارية غير سياسية، يطلقها الشباب من خلالهم ولأجلهم، تهدف إلى رفع أصواتهم، والإسهام في إحلال الديمقراطية المحلية.

أما بالنسبة إلى مسألة العيش في لبنان، فلمَ لا؟

هل تعرضت يوماً ما إلى التمييز لمجرّد كونك امرأة؟

أنا لا أعلم حقا إذا كان هذا هو التمييز، لكنني أعرف تماماً أنه على المرأة أن تكافح وتناضل بشكل يومي من أجل تحقيق أهدافها. وحقيقة كونها امرأة يتطلب منها بذل المزيد من الجهود من أجل إثبات نفسها والوصول إلى طموحاتها كافة. وهذا الواقع غير طبيعي إذا أخدنا بالاعتبار أن الرجل والمرأة يمتلكان المهارات المتساوية.

برأيك، ما هي الصفات التي أسهمت في تطوّر مسيرتك المهنية وساعدتك على النجاح كسيدة عاملة؟

أنا امرأة عنيدة، لا أستسلم أمام الرفض، بل أثابر دائما من أجل الحصول على ما أريده.

ما هي الخطط والأهداف المستقبلية التي تسعين إلى تحقيقها؟

مشاريعي المستقبلية متعلقة بالتربية والتعليم، فقد عقدت لقاءات عدة مع وزارة التربية الوطنية في لبنان، واقترحت مشروعا لتعزيز اللغة الفرنسية في المدارس الحكومية في مرحلة الحضانة.

أما الهدف من هذا المشروع، فهو التركيز على تعليم لغة أجنبية للطفل في المدارس، وإعادة النظر في التقنيات المستخدمة، والعمل على جعلها أكثر سهولة من خلال الألعاب.

وقد طبّقنا مرحلة تجريبية ناجحة جدا في نيسان الماضي، ولكن للأسف تمّ تعليق المشروع في الوقت الحاضر، بسبب نقص الموارد. لذلك أتمنى من كل قلبي أن نتمكّن من الحصول على التمويل اللازم من أجل تنفيذ هذه المشاريع بالتعاون مع وزارة التربية.

كيف نجحت في تحقيق التوازن ما بين عملك وحياتك الخاصة والعائلية؟

لقد أتيحت لي الفرصة للعمل في مجال التعليم، مما سمح لي مزامنة أوقات العمل مع جداول مواعيد مدرسة الأولاد.

لكن المرأة لديها القدرة على تنسيق أمور عدة وإدارتها في الوقت ذاته؛ وهنا تكمن قوتنا!

هل تعتقدين أن لبنان هو بيئة مشجعة للمرأة على العمل وتحقيق طموحاتها؟

أعتقد أن الحالة العامة في لبنان تتطلّب الكثير من العمل والجهد، إذ إنه من الضروري أولا تغيير العقليات، ولهذا السبب يجب إقناع المرأة قبل الرجل على التوقف عن الخضوع، والتركيز على الدراسة والتدريب، وعدم التردد في التوفيق بين العمل والحياة الخاصة.

من ناحية ثانية، هناك في لبنان فئة معينة من النساء أيضا اللواتي ينفقن أموال أزواجهنّ، ويقضين أيامهنّ في تحويل أنفسهنّ إلى دميات "باربي"، والتنزه من قهوة الى أخرى. ولأولئك النساء أقول:"أنتنّ تهدرن طاقاتكنّ في أمور سطحية، في حين أنه يجب أن تستخدمن بعضاً من هذه الأموال للقيام بالأعمال الإنسانية التي يحتاجها بلدنا إلى حد كبير".

ما هي العقبات التي تحول دون تحسين وضع المرأة في لبنان؟

لبنان هو دولة ديمقراطية برلمانية من حيث المبدأ، ولكن للأسف يقوم هذا النظام البرلماني على المحاصصة الطائفية، ما يشكل عقبة حقيقية أمام تحسين أوضاع النساء.

فالمرأة تعاني بالفعل من عقبة في حياة الأسرة بشكل عام، فتخيلوا ماذا سيكون وضعها مع ثماني عشرة محكمة دينية، تحكم كل واحدة منها وتقرر بشكل مختلف ومستقل.

ولا بد من الإشارة إلى أن المساواة بين الأب والأم في الأسرة غائبة، والحالة ذاتها بالنسبة إلى المساواة بين الرجل والمرأة في ما يتعلق بالتعليم، والعمل، وفي مسألة مشاركة المرأة في صنع القرار السياسي.

وفي ما يتعلق بحقوق المرأة، ما رأيك في الإنجازات الأخيرة المحققة في هذا المجال؟

لا تزال القوانين في هذا المجال تمييزية (قانون العقوبات، قانون الجنسية، قانون الأحوال الشخصية،...). وعلاوة على ذلك، فإن الدولة غائبة تماماً عن تطبيق القوانين بشكل عام، ولهذا السبب فإن عمل الجمعيات ضروري لدفع المرأة نحو النضال من أجل نيل حقوقها.

كيف تقيمين دور "الرجل" في لبنان بشكل عام؟

الرجل في لبنان هو "ممثل الجماعة" (patriarche) بالمعنى الحقيقي للكلمة. وهذا بسبب التعليم الأساسي الذي تلقاه؛ ودعونا لا ننسى أن هذا التعليم تم توفيره من قبل امرأة، وهي والدته!

أما على الصعيد المهني، فالرجل يحاول دائما السيطرة على المرأة. كما أن هناك بعض الرجال الذين ما زالوا يعتقدون أن دور المرأة يقتصر على الزواج، وتربية الأولاد، وبالتالي البقاء في المنزل.

وأنا شخصيا تواجهت مراراً وتكراراً مع هذا النوع من الأشخاص، ولكن كما قلت سابقاً، شخصيتي القوية لا تترك لهم الفرصة أو المجال للتطاول.

ولا بد من الإشارة إلى أن المرأة ليست بحاجة إلى إعلان المساواة، وهي قادرة على التألق وتحقيق نتائج أفضل من الرجل، وبالتالي نحن لا نطالب سوى بالمساواة في الحقوق كمواطنين.

هل لديك طموح سياسي؟ وكيف تقيمين وضع النساء في لبنان في الحقل السياسي؟

بالنسبة لطموحي السياسي، فأنا أرغب حقاً في تحقيق التغيير في مجال التعليم. لكن بعض الأشخاص ينسون الأرض وشعبها عندما يصلون إلى مراكز السلطة، في حين أنني أعتبر نفسي امرأة من الميدان، وأريد أن أبقى كذلك.

أما في لبنان، فإن نسبة النساء في البرلمان منخفضة جداً، ولا تتعدى نسبة الخمسة بالمئة. وبالتالي فإن تحقيق المساواة هو بمثابة حلم، ولهذا السبب لا يجب علينا أن نغفل أو أن يغيب عن بالنا. فالمرأة تمثل أكثر من نصف السكان، وهذه مسألة الديمقراطية، لذلك من الضروري أن تكون ممثلة بشكل صحيح ضمن هيئة صناع القرار.

نصيحة إلى المرأة.

هناك حاجة إلى زيادة الوعي العام بالنسبة إلى موضوع المساواة في الحقوق، وهذه الحاجة تستدعي تنظيم الإحتجاجات والفعاليات الهادفة لتغيير نظرة المجتمع إلى قدرة المرأة على التواجد في مهن لا يتوقع منها الناس أن تتواجد فيها.

فجميع نساء العالم يرتبطن في النضال ذاته من أجل نيل الكرامة، والحصول على المزيد من الحقوق؛ مثل الحق في التعليم والثقافة، والمساواة في الأجور، والتطوير الوظيفي، والتنوع الجندري في الرياضة،... وبالتالي هناك العديد من الحقوق الأساسية للمرأة، التي من الضروري أن نستمر في النضال من أجلها.

ولا بد لنا من الإنخراط والتكاتف معاً، لأنها هي الطريقة الوحيدة لإزالة التفاوتات، والإسهام في تقدم مجتمعنا. وهذا الإلتزام سيؤدي حتماً إلى إحلال مجتمع أكثر عدلا.