أقرّت لجنة المال والموازنة النيابية الشهر الماضي مشروع قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص بعد عشر سنوات من الانتظار ، فحكاية هذا المشروع بدأت في العام 2007 في عهد رئيس الوزراء فؤاد السنيورة، حين كان جهاد أزعور وزيراً للمال. وقد راح ضحية الصراعات السياسية لان الحكومة ارسلت آنذاك المشروع إلى مجلس النواب، إلا أن رئيس المجلس ​نبيه بري​ رفض تسلّمه جراء الأزمة السياسية وتعطيل أعمال البرلمان. وعام 2010 أُعيد طرح المشروع في عهد حكومة الرئيس سعد الحريري، إذ قدّم الوزير علي حسن خليل (بصفته نائبا آنذاك ) المشروع نفسه من دون أي تعديلات بصيغة اقتراح قانون إلى المجلس النيابي، فأُلِّفَت لجنة وزارية لدراسته ، ولكنها لم تنه عملها بسبب سقوط الحكومة ، لينام المشروع في ادراج الحكومة ثم مجلس النواب كل هذه السنوات.

في موضوع الشراكة بين القطاعين العام والخاص فان لبنان متأخر جدا ، فهذا النمط من النشاط الاقتصادي يحظى باهتمام كبير من قبل الدول والمجتمعات ومراكز الابحاث في مختلف أنحاء العالم منذ مطلع التسعينيات. وقد زاد الاهتمام بهذه الشراكة لان عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية تعتمد على جمع كل مكونات وامكانيات المجتمع، بما فيها من طاقات وموارد وخبرات ​القطاع العام​ ، وكذلك الخاص، لاقامة شراكات محددة في قطاعات معينة ، تتولّى إنشاء المشاريع بمختلف أنواعها وتشغيلها. وقد سعت الدول المتقدمة والنامية على حد سواء إلى خلق التنظيمات المؤسسية ، وسنت التشريعات والنظم اللازمة ، لادارة هذه الشراكات لتوجيه المشاريع والأعمال وإدارتها وتشغيلها وتطويرها وتنميتها من أجل خدمة أغراضها في تحقيق النهوض الاقتصادي .

عندما يقر المجلس النيابي هذا المشروع ويحوله الى قانون نافذ فان الكثير من العمل ينتظر الدولة والقطاع الخاص معا، وثمة ورشة هائلة تنتظر من يقوم بها ، وهي بالطبع انقاذ المرافق العامة كافة من حالة الترهل والعجز الحالية، واعادة تأهيلها كلها من دون استثناء ، والتي يستحيل من دونها اي نهوض اقتصادي.

يقول الدكتور نزار يونس في كتابه " جمهوريتي ": على الدولة واجب توفير المرافق العامة اللازمة لتلبية حاجات "بيئة الأعمال" المنتجة للثروة. لكنها رب عمل فاشل، فهي قاصرة عن مجاراة القطاع الخاص في مجالات تجهيز المرافق العامة وإدارتها وتشغيلها، إن من حيث الكلفة أو من حيث مستوى الجودة والكفاءة. لذلك دأبت الدول المتقدمة على إيلاء القطاع الخاص مسؤوليات تجهيز المرافق العامة واستثمارها، وخاصة الخدماتية منها، عن طريق الخصخصة أو الشراكة أو عقود الإدارة والتشغيل أو عقود التجهيز والاستثمار عن طريق B.O.T. . وقد استوجب هذا التطور استحداث منظومة من التشريعات والقوانين والأطر المؤسساتية التي توفّر للإدارات العامة المعنية القدرة على مراقبة سلامة تنفيذ الموجبات التعاقدية المتبادلة بين القطاعين العام والخاص، مما يصون المصلحة العامة ويوحي للقطاع الخاص المتشكِّك بالثقة التي يحتاجها للتوظيف في المرافق العامة".

فهل يشكل القانون الجديد الرافعة الضرورية للقيام بهذه الورشة ؟

يتطلب الامر الكثير من الوقت ، والاهم الكثير من الثقة ، وهي للاسف مفقودة ، فكل حديث عن مشاركة مع القطاع الخاص يفسر على انه خصخصة شاملة، بمعنى تنازل الدولة عن ملكية الاصول، او تخليها عن سلطة الاشراف على المشاريع ، وهذا غير صحيح على الاطلاق . فالدولة خاضت تجارب ناجحة ينبغي استكمالها وتعميمها ، ونذكر منها تلزيم الهاتف الخليوي ، الى شركتين وتلزيم الجباية والصيانة في الكهرباء الى ثلاث شركات، وقد نجحت التجربتان في تأهيل القطاعين المعنيين ، وفي الوقت نفسه زيادة واردات الخزينة بمئات ملايين الدولارات سنويا ، مع احتفاظ الدولة بسلطة الاشراف على الاعمال ، وبالملكية الكاملة لهذين القطاعين.

ومن المقترحات المفيدة ايضا، قيام مشاريع باستثمارات مشترك بين القطاع الخاص والادارة العامة، لأن نظام الـ PPP يؤمن الشفافية المطلوبة لتقليص فجوة اللاثقة بين شركاء الانتاج ، ويؤمن الاستمرارية المطلوبة في القطاع الخاص للاستستثمار في مشاريع طويلة الامد .

أخير فان شراكة القطاعين العام والخاص على اسس قانونية وعقدية واضحة ،قد يلغي الحاجة الى تلزيم المشاريع المطلوبة الى القطاع الخاص، مع ما يجر ذلك من مناوشات واشتباكات حول المناقصات وما يشتبه فيها من صفقات ومحسوبيات وفساد .

وفي كل الاحوال فان الدكتور يونس المدرك لحجم ازمة الثقة في لبنان ، يؤكد ان " إدارة العلاقة بحيادية وموضوعية بين القطاع العام والمستثمر الخاص تستوجب إنشاء هيئة وطنية ناظمة تستقطب ثقة الدولة والمستثمر والمواطن، تتفرّع عنها هيئات قطاعية لديها المنهجية والصلاحيات والكفاءة لتنفيذ استراتيجية القيادة السياسية التي ستتولى زمام السلطة".