مرّ صيف 2016 على لبنان ومرت معه الكثير من التحديات الإقتصادية، وعلى وجه الخصوص تلك المتعلقة بقطاع السياحة الذي يعتمد عليه هذا البلد الصغير المعروف بتضاريسه السياحية المتنوعة بحراً وجبلاً في اَن، والتي كتب عنها الكثيرون، وغنى باسمها الفنانون الذين لا يزالون يعتبرونها سرداباً لهم للخروج إلى العالم بأسره.

وها قد وصلنا إلى منتصف صيف 2017 ونحن نحاول النهوض إقتصادياً من خلال سياسات جذب الرساميل الأجنبية من جهة والسواح من جهة أخرى، ولابد للبنان أن ينجح في هذا الشأن الذي لاطالما تميز به.

هنا في هذا البلد الصغير قالباً، والكبير قلباً تتنوع الفنون التي تدرّ ذهباً على الدولة من خلال قطاع السياحة .. إلتقى الفنانون في مهرجات تحدت كل الأوضاع لتستمر بجذب هواة الفن والإستجمام في مختلف المناطق.

هذا وقد تم إفتتاح مهرجان صور مع مشهدية موسيقية مُتفردة في لبنان مع المؤلف الموسيقي جمال أبو الحسن، وقد تم إطلاق فعاليات ​مهرجانات صور​ للعام 2017 من الملعب الروماني في مدينة صور حيثُ تُقام المهرجانات، من قبل رئيسة لجنة مهرجانات صور الدولية رندى عاصي بري، خلال مؤتمر صحافي عُقِد برعاية وزير السياحة اواديس كيدانيان ومشاركته. وحضر المؤتمر مدير عام الآثار سركيس خوري ممثلاً وزير الثقافة، والدكتور غطاس خوري، ورئيس إتحاد بلديات صور المهندس حسن دبوق.

وفي هذا السياق كان لموقع "الإقتصاد" حديث مع المديرة التنفيذية لمهرجانات صور الدولية رولا عاصي التي لفتت إلى أن "العامل الذي أسهم في استمرار المهرجان هذا العام؛ هو التحدي بامتياز كرسالة للعالم أجمع أن صور ستتألق بمهرجاناتها وطبيعتها الساحرة، وستستمر بنشر الثقافة الفنية التي تليق بالمتلقين، لذلك سنتابع هذه المسيرة على مدى الأعوام القادمة".

وقالت عاصي: "إن نسبة الحجوزات فاقت العام الماضي بسبب اللفتة التي قمنا بها، وهي عبارة عن مبادرة تخفيضات بنسبة 30% لبعض المؤسسات الكبيرة التي تملك عدداً مرتفعاً من الموظفين"، وأضافت أن القيمين على المهرجان قاموا مسبقاً بدراسة أسعار البطاقات؛ وقرروا أن تكون مناسبة لجميع فئات المجتمع اللبناني والتخفيضات كانت نتيجة الوضع الإقتصادي المتردي والصعب الذي يمر به لبنان.

وأكدت عاصي أن أسعارهم هي الأنسب في شبابيك التذاكر مقارنة مع باقي المهرجانات الصيفية التي تنظم هذا العام على الأراضي اللبنانية، أغلى سعر بطاقة بلغ 140 ألف ليرة لبنانية، وصولاً إلى عشرة ألاف ليرة لبنانية كدعوة لشرائح المجتمع كافة لحضور المهرجان والإستمتاع بما يقدم فيها خاصة العائلات، فالمكونة من خمسة أفراد لها سعر خاص، رغم أن التمويل كان أقل من السنة الماضية.

تتزامن العروضات مع نهاية الأسبوع وذلك حرصاً منّا على أن تكون للسياحة في صور حصة أيضاً!

يقوم الكثير من الناس بحجز في الفنادق للإستمتاع برونق صور نهاراً وبمهرجاناتها ليلاً ما يدر على هذه الفنادق كما المطاعم والمحال التجارية الربح أيضاً، وهذا بالطبع من أحد أهداف المهرجان، بحسب عاصي.

كما أن اللجنة المنظمة حريصة من ناحية أخرى على أن تنزل الفرق الفنية والفنانين المشاركين في المهرجان في قلب صور لدفع السياحة فيها قُدماً. ذلك عدا عن أن المهرجان قد إستقطب ليس المغتربين اللبنانين فقط ، بل يحضره السياح العرب مثل الكويتيين، والسياح الأجانب..وهذا ما لم نشهده في العام الماضي.

وتابعت عاصي "يسهم المهرجان بإنعاش القطاعات الأخرى من الفنادق إلى المطاعم وصولاً إلى أسواق صور وشواطئها".

وبدوره، علّق رئيس جمعية تجار صور ديب بدوي مؤكداً احترامهم لحرص الهيئة التنفيذية للمهرجان فيما يتعلق بالسياحة والإقتصاد المتعلق بمنطقة صور، وقال "نفتخر بهذا العمل الذي يشكل أهمية كبرى لصور والجنوب ولبنان ككل، ومنطقة صور تربط الجبل بالبحر، ما يجعلها وجهه سياحية للكثيرين، ونلاحظ ذلك من حركة السوق المكتظة ما يعطينا فكرة عن الوضع الإقتصادي المزدهر للمنطقة."

ولفت بدوي أن المنطقة تجذب اللبنانيين المغتربين بحصة كبيرة، وأيضاً اللبنانيين من مناطق مختلفة، وتكثر رؤية العرب والأجانب بنسب متفاوته. وأضاف أن "المبيعات في المحال التجارية جيدة نسبياً، لكن المواد الأولية أو البضائع مرتفعة الأسعار، ما يقلل من تحقيقهم للأرباح، ولكن حركة الناس تثبت أن هناك حركة إقتصادية جيدة وأن المنطقة تنتعش".

وأكد على دور الإعلام الذي بإمكانه أن يكون اللاعب الأفضل على أرض الوطن بجذبه السياح اللبنانيين منهم والأجانب من خلال إبرازه المعالم السياحية والمناطق الخلابة بعيداً من كل المشاكل التي يعاني منها البلد، وبشكل خاص السياحة الداخلية التي من الممكن أن يكون لها دور أساسي في دفع العجلة الإقتصادية.

وتجدر الإشارة إلى أن المهرجان مستمر في الأسبوع الأول من الشهر المقبل، ففي ليلة الرابع من شهر آب التي سيحييها الفنان اللبناني وائل جسار، وليلة الخامس منه التي سيحييها الفنان الشاب خالد، الذي يجمع بفنه بين تراث المغرب العربي والغربي، وليلة السادس منه مخصصة للشعر العربي ويحييها الشعراء العرب: محمد عبد الباري من السودان، حسن المطروشي من سلطنة عمان، عمر بطيشة من مصر، وعارف الساعدي من العراق وباسم عباس من لبنان.

إنَّ تنوع لبنان وحبه للثقافة والفن يسهم في ازدهاره الإقتصاد من خلال جذبه السياح. والعامل الاَخر الذي يسهم في ذلك، هو التضاريس الجغرافية التي يتميز بها فتجعل منه مصيفاً مريحاً لمن يزوره، ولكن المفارقة تكمن في صب الدولة جام طاقتها في هذا القطاع وابتعادها نوعاً ما عن باقي القطاعات الزراعية منها والصناعية التي بإمكانها جذب الرساميل وتشغيل اليد العاملة وانتشال المواطن من صلب مشاكله اليومية..ليكون لبنان ليس فقط الحضارة والثقافة والفن، بل ليتجسد بروح مواطن مرتاح البال!