أظهر التقرير الفصلي لمصرف لبنان، تراجعاً في الحركة الإقتصاديّة تظھر في الفصل الأول من 2017، فقد أظھرت حصيلة الآراء المتعلّقة بـ"إنتاج القطاع الصناعي" بحسب التقرير تراجعاً إلى نسبة -11% خلال الفصل الأول من العام 2017، كذلك إنخفض مؤشّر "إجمالي الطلب" تحت خانة أداء القطاع الصناعي إلى -12%، مقابل -3% في الفصل الرابع من العام 2016، كما أصبح مؤشّر "حجم الإستثمارات" أكثر تشاؤماً بحيث تراجعت النتيجة في القطاع الصناعي من -1% إلى -9% خلال الفترة المذكورة.

أمّا لجھة أداء القطاع التجاري، فقد زادت الفجوة المتعلّقة بحصيلة آراء مدراء الشركات فيما خصّ حجم المبيعات المحقّقة خلال الفصل الأول من العام 2017 إلى نسبةٍ سلبيّةٍ بلغت 12%.

وكذلك الأمر بالنسبة لقطاع البناء والأشغال العامة، فقد تراجعت حصيلة الآراء الإيجابيّة لمدراء الشركات المُستطلَعين لكلٍّ من المؤشّرات الثلاث في ھذا المجال، أي "مجمل الأعمال" وقطاع "البناء" و"الأشغال العامّة"، بشكلٍ ملموس إلى - 39% و- 35% و- 42% بالتتالي.

من جهة أخرى أشادت وكالة التصنيف الدوليّة "موديز" بالسلة الضريبية الجديدة التي أقرها مجلس النواب اللبناني، معتبرة أن ھذا القرار يشكل أوّل إصلاحٍ للإيرادات الحكومية في لبنان منذ مؤتمر "باريس 3"، وخطوة نحو التصديق على مشروع الموازنة المقترَح للعام 2017 (الأوّل منذ 12 عاماً).

فما هي أسباب تراجع الحركة الإقتصاديّة في النصف الأول من 2017 ؟ ولماذا أشادت "موديز" بالإجراءات الضريبية الجديدة ؟ ماذا عن النصف الثاني من 2017 ؟ وهل سنشهد على تحسن بالمؤشرات الإقتصادية ؟ ... أسئلة كثيرة أجاب عنها الخبير الإقتصادي د. إيلي ياشوعي في هذه المقابلة مع "الإقتصاد".

- برأيك ما هي أسباب تراجع الحركة الإقتصادية في النصف الأول من العام 2017؟

بداية أستغرب بأن هذا التقرير الصادر عن مصرف لبنان المركزي، لم يدفعه للتفكير وإعادة النظر بالسياسات النقدية الخانقة للإقتصاد وللحركة الإقتصادية، والتي ينتهجها منذ العام 1993 حتى اليوم.

 ألم يعلم المركزي بعد أنه بإمكانه تحريك العجلة الإقتصادية من جديد، عبر توفير النقد للقطاع الخاص ؟؟

فليس من المنطقي أبداً أن يتعامل المصرف المركزي من الوضع الراهن كمركز دراسات ومركز إحصاءات، وأن تكون مهمته الوحيدة إصدار التقارير ... لأنه معني وبشكل مباشر بالتراجع الحاصل في معظم المؤشرات والقطاعات الإقتصادية، والسياسة النقدية المتبعة هي من اهم وأكبر واخطر الأسباب التي أوصلت الإقتصاد إلى هذه المرحلة.

فإذا أردنا الحديث عن القطاع الصناعي مثلاً، نجد بأن السبب الرئيسي لتراجع هذا القطاع هو إنخفاض نسبة الصادرات الصناعية .. ومسؤولية البنك المركزي هنا كبيرة، فكل الخبراء الإقتصاديين يعرفون بأن هناك قاعدة إقتصادية أساسية تقول بأن الدول التي تعتمد نظام قطع ثابت، لا يمكنها ان تتعامل بتجارتها الخارجية إلا مع دول تنتهج وتعتمد نظام القطع نفسه ... لأن تطبيق نظام القطع الثابت في التجارة الدولية مع دول وأنظمة تعتمد مرونة القطع، يؤدي إلى إرتفاع الكلفة على الدولة الأولى مقارنة مع شركائها التجاريين، وبالتالي تفقد عامل المنافسة في تبادلاتها التجارية الخارجية وتمنع الإقتصاد من أن يصحّح نفسه بنفسه ...

لذلك الحل الوحيد هو إعتماد سياسة نقدية مرنة حتى ولو حصل بعض التراجع في سعر الصرف ... فمصر مثلا أقدمت على تحرير سعر صرف الجنيه، ويقومون أيضا بتصحيح الدولار الجمركي ليساوي جنيهات أكثر، والإقتصاد المصري الأن بدأ ينتعش. وعلى الرغم من أن هذا الإجراء قد يرفع نسب التضخم، ولكن إرتفاع نسبة الصادرات وتحسّن التجارة، سيمنع هذا التضخم من أن يسجل مستويات مرتفعة.

من جهة أخرى لا يجب الخوف من إنخفاض القدرة الشرائية لأصحاب الدخل المحدود، لأن الشركات وأرباب العمل سيصبح لديهم القدرة على رفع الحد الأدنى للأجور مع تحسن أعمالهم وتجارتهم وإرتفاع نسب صادراتهم.

يبقى أن القطاعات الإنتاجية في لبنان تعاني من إرتفاع كلفة الإنتاج بسبب إرتفاع سعر الخدمات الأساسية المقدمة من الدولة، وأحد اهم عناصر إرتفاع كلفة الإنتاج هو ثبات النقد، فإدارة الخدمات العامة في لبنان اليوم يجب أن تنتقل إلى القطاع الخاص، وتحرير النقد يساعد القطاع الخاص للحصول على تمويل من أجل عصرنة وتطوير الخدمات العامة.

فالدولة لا يجب أن تكون مهمتها إدارة الخدمات، بل مهامها يجب أن تكون وضع خطط وإستراتيجيات بيئية وإقتصادية .. ولكن للأسف في لبنان مهمتهم الوحيدة هو إجراء الصفقات المشبوهة وتدمير البلد والإقتصاد.

- ما هي أسباب إشادة وكالة "موديز" بالإجراءات الضريبية الجديدة في لبنان؟

من المستغرب جداً أن يصدر تقرير عن وكالة دولية، يشيد بإجراءات ضريبية غير مباشرة في زمن ركود إقتصادي وتراجع في معظم المؤشرات. فهل خبراء "موديز" مقتنعين فعلاً بأن زيادة الضرائب المباشرة في وضع إقتصادي سيء سيرفع حجم الناتج المحلي ؟؟؟

برأيي هذه الإشادة ملغومة وأشك بمصداقيتها .. وهذا التقرير دُفِعَ ثمنه من قبل الحكومة اللبنانية.

- هل سيتحسن أداء المؤشرات الإقتصادية برأيك في النصف الثاني من العام الجاري؟

لن نشهد على أي تغيير أو تحسن في الحركة الإقتصادية في حال إستمرار السياسة النقدية الحالية ... وبرأيي هناك ثلاث مواقع رئيسية ومهمة في لبنان يجب أن يستلمها أشخاص مهنيين وكفوئين، وهذه المراكز هي حاكمية مصرف لبنان، وزارة المالية، ووزارة الإقتصاد والتجارة. كما يجب إستحداث وزارة جديدة تحت إسم اللامركزية الإدارية والمالية.

هذا هو الحل الوحيد للبدء بورشة الإصلاح وللعودة إلى السكة الصحيحة.