شغفها، وحبها للعمل، وإصرارها على التقدم في ظل الظروف المحيطة، صفات لا يمتلكها سوى المناضل البارع. هي من الأشخاص الذين بدأوا وسعوا لتمكين المرأة ودعم وجودها في مراكز صنع القرار. هي من النساء المثابرات في سبيل تثبيت وجودهن وإثبات قدراتهن.

عملت بصدق وشفافية، وهبت وقتها وخبرتها باحترافية ومهنية، وكرّست حياتها لخدمة مجتمعها ومحيطها.

إنها فكتوريا الخوري زوين، عضو المجلس البلدي في سن الفيل، المنتخبة على دورتين، والناشطة السياسية والمدافعة عن حقوق المرأة.

تخصصت زوين في مجال العلاقات العامة، وحازت شهادات تقنية عدة من الأمم المتحدة، و"الاسكوا"، وغيرها من الجهات المختصة. كما عملت على تنظيم حملات توعية للنساء، من أجل تنمية قدراتهن، وإشراكهن في العمل السياسي في لبنان والدول العربية. وقد درّبت آلاف النساء على كيفية خوض الإنتخابات، والعمل على صياغة السياسات العامة، كما درّبت الفائزات من نواب مجالس بلدية وأعضاء على منهجيات العمل.

منذ العام 1999 وهي تعمل في المنطقة كمستشارة ومدربة على برامج عدة مرتبطة إما بالحكم المحلي أو بالأحزاب السياسية أو بإشراك المرأة في العمل السياسي. فقد عملت مع منظمة المدن العربية على إنشاء مراصد حضرية، ووضع خطط إستراتيجية لعدد من المدن في الدول العربية.

عملت مع "المعهد الديمقراطي الوطني"، "NDI"، كمديرة عليا للبرامج، وكانت مسؤولة عن برامج محلية وإقليمية تدعم النساء بشكل مباشر، ومنها "مدارس الحملات الإقليمية" التي عملت من خلالها مع أحزاب سياسية وناشطين وناشطات في الدول العربية، وبرنامج "أكيد فيا" الذي درّب النساء من مختلف المناطق اللبنانية على صياغة السياسات العامة والمدافعة عنها.

ومن خلال مشروع "نساء لبنانيات في البلديات"، الذي أطلقه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع المعهد الديمقراطي الوطني وجمعية "نساء رائدات"، درّبت زوين أكثر من ثلاث مئة امرأة حول العمل البلدي وكيفية خوض الإنتخابات.

هي من مؤسسي تحالف "نساء في البرلمان" الذي انطلق من إيمانها بأهمية التنسيق بين جميع هيئات المجتمع المدني من أجل دعم المرأة للوصول إلى مواقع صنع القرار. ويضم هذا التحالف أكثر من مئة وخمسين جمعية محلية، وقد قام بزيارة جميع الكتل والأحزاب السياسية من أجل إقرار إجراءات مؤقتة على القانون الإنتخابي، ودعم دراسات عدة حول هذا الموضوع.

وضعت زوين استراتيجية لحملة توعية ضمن برنامج "وصول النساء إلى العدالة" وذلك مع جمعية "عدل بلا حدود"؛ أما الهدف من هذه الإستراتيجية، فهو دعم ومناصرة النساء الضحايا اللواتي لا يستطعن الوصول إلى العدالة.

هي ضو مؤسس في الجمعية الوطنية للتنمية المحلية والإقتصادية، وتترأس هذه الجمعية وتقوم من خلالها بدعم جميع النساء اللواتي فزن في الانتخابات البلدية وتدريبهن من خلال برنامج "هي من أجل لبنان".

كان لـ"الإقتصاد" المقابلة الحصرية مع فكتوريا الخوري زوين، للتعرف إلى مسيرتها المهنية ونظرتها إلى واقع المرأة في لبنان اليوم:

- كيف تصفين مسيرتك المهنية في الشأنين السياسي والإنمائي؟ هل مرت بسلاسة أم كانت مليئة بالمشاكل والعوائق؟

بدأت مسيرتي عندما كنت متطوعة في بلدية سن الفيل. وهذا العمل التطوعي دفعني للتعلق بالشأن العام، وشجعني على الترشح في العام 2004 إلى عضوية البلدية.

وفي ذلك الوقت، لم يكن الناس قد اعتادوا بعد على ترشح النساء إلى عضوية البلديات، وكانوا يعتقدون أن البلدية هي عبارة عن جهة تهتم بالتنظيف والحراسة والتزفيت فقط. لذلك واجهت بعض الصعوبات، أولاً في تقبل الناس لوجود النساء على اللوائح الإنتخابية. وثانياً، لأنني كنت أماً لطفل بعمر ثلاث سنوات، وكنت أيضاً حامل خلال فترة الحملة الإنتخابية. وثالثاً لأن المرأة في لبنان تترشح للبلدية في منطقة زوجها، وليس في منطقتها. لكن العمل التطوعي ساعد الناس على التعرف إليّ أكثر.

وكان البعض يقولون لي أن أذهب إلى المنزل للإهتمام بأولادي، و"شو جايي تعملي بالبدية"، وجوابي كان دائماً التالي:"لأنني أسعى إلى الإهتمام بأولادي، أريد الحضور في البلدية، فأنا قادرة على الإسهام في تحسين هذه المنطقة لكي نعيش فيها بارتياح".

وبالتالي فإن الشق السياسي من مسيرتي المهنية بدأ من هنا، كما انطلق أيضاً بدعم كبير من عائلتي.

- من قدم لك الدعم الأكبر طوال مسيرتك البلدية والسياسية؟

زوجي هو الداعم الأكبر، ويداً بيد نتقدم معاً إلى الأمام، لأنه يشجعني دائما على العمل. فالشخص الذي يتعاطى في الشأنين السياسي والعام، أكان رجلا أم امرأة، هو بحاجة إلى دعم الشريك، وبالتالي فإن الرجل العامل في هذا المجال بحاجة إلى دعم زوجته والعكس صحيح.

وبالنسبة لي، كل عائلتي وأولادي ومحيطي متفهّمين لهذا الأمر، ويساعدونني على الدوام، خاصة أنني أضطر أحياناً إلى السفر خارج البلاد. لذلك لم أشعر يوما بمشكلة أو عائق بسبب عملي.

- هل ينظر اليك المجتمع بتمييز لمجرد كونك امرأة؟

يمكن التحدث هنا عن الفرق ما بين عامي 2004 و2016، من ناحية المعركة الانتخابية. ففي العام 2016،التمسنا دعماً كبيراً للنساء من جميع الجهات، الأمر الذي كان غائبا في العام 2004، حين كانوا يتفاجأون من وجود النساء على اللوائح، ويقولون :"ما بقى في رجال بسن الفيل؟". لكن النظرة تغيرت اليوم،ولم نعد نسمع هذا الحديث.

فالمجتمع رأى كفاءات المرأة ومهاراتها في البلديات، من العام 2004 إلى العام 2010، ومن 2010 إلى 2016، لذلك أصبح يحبذ فكرة وجودها أكثر فأكثر. واليوم بات لدينا 660 امرأة في البلديات، مع العلم أن هذا العدد ليس كافياً، لكنهن تمكّنّ من الفوز في الإنتخابات، ومن العمل واستلام اللجان وإظهار قدرات المرأة على إحداث تغيير، وهذا الواقع يؤثر على نظرة المجتمع بشكل عام.

لكن من جهة أخرى، لدينا طبقة سياسية لم تنجح في تأدية مهامها، وأوصلت البلد إلى ما هو عليه اليوم، لذلك فإن الناس بحاجة للتعرف إلى وجوه جديدة، وأعتقد أن الجميع باتوا مقتنعين بعدم القدرة على بناء البلد وإحداث التغيير طالما أن نصف المجتمع الموجود فيه غائب عن مواقع صنع القرار.

لذلك هذه هي معركتنا لكي نتمكن من إيصال المرأة إلى مراكز صنع القرار، وحينها من الممكن أن تفشل أو تنجح، لكن عندما نُدخل طريقة جديدة في العمل، وأفكاراً جديدة، ووجوهاً جديدة، ستتغير الأولويات وتتبدل طاولات النقاش.

- هل ترين أن الكوتا النسائية ضرورية في لبنان؟

لقد تم تطبيق الكوتا في عدد كبير من الدول، بسبب غياب الحلول الأخرى. وبالنسبة لنا، الكوتا هي وسيلة لكي نضمن وصول النساء إلى البرلمان، ففي ظل قانون الإنتخاب السابق، كيف كان من الممكن أن تفوز المرأة إذا لم تكن مدعومة من الأحزاب السياسية؟ في حين أن تلك الأحزاب لا ترشح أو تدعم النساء، والدليل على ذلك أن الحكومات شبه خالية من النساء، لأن الأحزاب لا تسلّم الحقائب الوزارية إلى المرأة، مع العلم أن في لبنان نسبة كبيرة من النساء المؤهلات لكي يستلمن الوزارات.

من ناحية ثانية، القانون الجديد أيضا لا يتضمن كوتا على الترشح أو على المقاعد، وبالتالي إذا لم تكن المرأة مرشحة مع حزب يدعمها، لن تصل أبداً. لكن عدداً كبيراً من النساء سيترشحن، ونتمنى أن يقول المواطن كلمته، وأن تدعم المرأة أختها المرأة، وأن يصوت الرجل للمرأة وللوجوه الجديدة.

فنحن لا نطلب أن يتم التصويت على أساس الجنس، بل نريد أن يستمع الناس إلى التاريخ السياسي للمرأة المرشحة، ويفهموا مسيرتها النضالية وتحركاتها وقناعاتها، لأننا بحاجة إلى دم جديد في البلد، ومن حقنا جميعاً المشاركة في صنع القرار.

- ما هي الصفات التي ساعدتك على التقدم والنجاح؟

بالنسبة لي، الكفاءة والشغف بالعمل، والقدرة على إفادة محيطنا، هي عوامل تتيح للإنسان التقدم. وأنا شغوفة إلى أقصى الحدود تجاه العمل الذي أقوم به. فعندما بدأت حياتي المهنية، كنت شريكة مع زوجي في شركة للكمبيوتر، وكنا نهتم بالناحية التجارية والتكنولوجية من الأمور. لكن عندما دخلت إلى البلدية في العام 2004 كعضو مجلس بلدي، ورأيت التغيير الذي أستطيع تحقيقه بشكل يومي في حياة الأشخاص، تغيرت نظرتي إلى الحياة، وشعرت بعدم قدرتي على العودة إلى عملي الأساس.

فهدفي ليس فقط المدخول المادي الذي سأحصل عليه في نهاية الشهر، بل أصبح لدي رسالة أسعى إلى نشرها، وهي أننا نستطيع إيصال الأشخاص الراغبين في العمل بالشأن السياسي، والقادرين حقاً على إحداث التغيير، في جميع دول العالم وخاصة في لبنان..

من جهة أخرى، عندما قررنا، زوجي وأنا، البقاء في لبنان، عمدنا إلى القيام بكل ما باستطاعتنا لكي يكون قرارنا صائباً وصحيحاً. وأريد في يوم من الأيام أن أنظر إلى أولادي وأقول لهم إنني فعلت كل ما بيدي لكي يبقوا هنا في بلدهم.

- هل شعرت يوما بالتقصير تجاه حياتك الخاصة ومنزلك وأولادك بسبب انشغالك بالعمل؟

الإنسان الذي يعمل في أي مجال كان، سيشعر حتماً بالتقصير من وقت إلى آخر. لكنني أركز بشكل كبير على تنظيم وقتي، وأتلقى الكثير من الدعم من زوجي وعائلتي.

كما أن أولادي يفتخرون بما أقوم به، وأنا أتواصل معهم على الدوام، لذلك يشعرون أنهم جزء ممّا أقوم به.

لكن أولويتي ستبقى لأولادي ،مع العلم أن المرأة العاملة في الشأن العام، يكون عملها أولوية أيضاً، لأنها تخدم في النهاية أولادها ومحيطها في الوقت ذاته.

- ما هي الرسالة التي تودين إيصالها إلى المرأة اللبنانية؟

أريد إيصال رسالة إلى المرأة اللبنانية والى جميع الأشخاص الذين ينظرون إليها: وهي أنه يجب احترام قرارات المرأة كافة، فإذا قررت البقاء في منزلها وتربية أولادها، يجب احترامها. وإذا قررت العمل، يجب احترامها. وإذا قررت تعاطي الشأن العام، يجب احترامها،...

لا يجب أن نحكم عليها، أو نفرض عليها القرارت، بل على العكس علينا احترام أفكارها ومشاريعها وتطلعاتها وطموحاتها.

وللمرأة اللبنانية أقول: "لدينا اليوم فرصة حقيقية لكي نقول كلمتنا، ولو أن هذا القانون الجديد ليس 100% كما كنا نطمح أن يكون، إلا أنه يعتمد النسبية، ويوجد فيه صوت تفضيلي، ويجب أن تصوت المرأة للمرأة. فهناك قضايا تخص البلد بأكمله، والمرأة قادرة على إبداء رأيها، وعلى تغيير هذا الواقع الذي نعيش في ظله. لذلك يجب أن نتحد مع بعضنا البعض لكي نتمكن حقاً من إحداث هذا التغيير. فلبنان بحاجة إلينا، ومن واجبنا أن بقيم فيه، ونعمل بكل جهد لتحسينه".