استضاف اليوم المجلس الاقتصادي والاجتماعي اللبناني، في إطار برنامج مموّل من الاتحاد الأوروبي، جلسة حوار حول "أزمة الاقتصاد والإصلاحات العاجلة" ترأسّها وزير الاقتصاد الاستاذ رائد خوري. وأُطلقت في المناسبة سلسلة منتديات حوارية تهدف إلى تعزيز الحوار الاجتماعي الثلاثي من ضمن مبادرة المجلس الاقتصادي والاجتماعي "نهوض لبنان نحو دولة الإنماء".

وضمّت جلسة الحوار التي أقيمت في المجلس الاقتصادي والاجتماعي في بيروت، أكثر من مئة ممثلاً من منظمّات اقتصادية، ونقابات عمّالية ومن المجتمع المدني، وخبراء اقتصاديين، ومسؤولين حكوميّين وممثّلين من الاتحاد الأوروبي لمناقشة أولويات الإصلاح الاقتصادي في ظل السياق الحالي والتحديات الآنية التي يواجهها لبنان.

قال وزير الاقتصاد رائد خوري "يتعرض الاقتصاد اللبناني لتحديات خارجية تفرض عليه العمل المكثف والسريع لزيادة قدرته التنافسية في الأسواق الداخلية والخارجية. وبالتالي الاصلاح الاقتصادي يبدأ من رؤية مستقبلية واضحة تقوم على محاور إستراتيجية تتناول المعوقات الهيكلية وتطرح حلولاً واصلاحات ضرورية لمعالجتها."

واضاف " وضعنا في وزارة الاقتصاد والتجارة الخطوط العريضة لخطة الاصلاح الاقتصادي وللإستجابة لمتطلبات التنمية المستدامة وتقوم الخطة على المحاور التالية: خلق المناخ المحفز للإستثمار وتوفير الفرص المتكافئة للجميع، وتحفيز مبادرات القطاع الخاص، والحفاظ على الشباب داخل الوطن، والحد من العجز في الميزان التجاري عبر تعزيز الصادرات اللبنانية، ومنع الممارسات الاحتكارية و تعزيز المنافسة في الأسواق."

ورحّب رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي اللبناني ​روجيه نسناس​ بالحضور وشكرهم على مشاركتهم، وقال: " في احتفال السراي بإطلاق "نهوض لبنان، نحو دولة الإنماء" وذلك قبل أسابيع ثلاثة من انتخاب فخامة الرئيس العماد ميشال عون في سدة رئاسة الجمهورية، كنا وعدنا بتنظيم ورش عمل تسهم، مع انطلاقة العهد، في النهوض والإنماء."

وأضاف: "هذه الورشة اليوم جامعة للعبور إلى النهوض، وهذا ما شئناه من مبادرتنا قبل عشرة أشهر، عندما اقترحنا رؤية علمية وعملية، مع مجموعة من الخبراء والمسؤولين والأكاديميين، تعتبر أن النهوض ليس مسؤولية الدولة وحدها، وليس مسؤولية القطاع الخاص بمفرده، بل هو ثمرة تعاون وتضامن وتكامل بين الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، واعتبرنا نهوض لبنان ورقة حوار مع الجميع لبلورة هذه الرؤية تعديلاً أو تطويراً من أجل الوصول إلى رؤية مشتركة."

وأعاد رئيس قسم العمليات لدى بعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان د. ألكسيس لوبر التأكيد على التزام الاتحاد الأوروبي بدعم الحوار الاجتماعي الثلاثي في لبنان كجزء من الجهود من أجل خلق الظروف المواتية لحوار اجتماعي شامل ومنصف على المستوى الوطني يؤدّي إلى تنشيط فعّال للمجلس الاقتصادي والاجتماعي في لبنان بهدف تأدية دوره الدستوري.

ومن جهته، قال النائب ​ياسين جابر​: "في الأيام، والاسابيع، والأشهر، والسنوات الأخيرة كان التخاطب يحصل في الساحات وعبر أثير محطات التلفزة وأصبح وكأنه حوار طرشان بدل أن يجري في هذه القاعة بين جدران المجلس الاقتصادي والإجتماعي الذي انشئ أساساً لهذه الغاية ونأمل أن يعود قريباً إلى لعب دوره حتى لا تبقى الساحات ووسائل الاعلام هي المكان الوحيد المتاح."

ولّدت الجلسة حواراً بنّاءاً بين الشركاء الاجتماعيين حول القضايا الاقتصادية الجوهرية والإصلاحات العاجلة الضرورية لتعزيز الظروف الاجتماعية والاقتصادية في لبنان.

وكانت مداخلة لكل من الخبيرين الاقتصاديين د. سمير نصر ود. توفيق كسبار الذي شاركوا بإعداد خطة "نهوض لبنان نحو دولة الإنماء".

وقال د. سمير نصر: "إن اطلاق الاشارات المذكورة في الإصلاح المالي والإداري وجلب الاستثمارات وشبكة الأمان والمشاريع الإنشائية والمركز المالي والبيئة والزراعة والصحة والتربية وفرص العمل والثقافة والحق العلمي والعمل البلدي والشؤون الاجتماعية، تتطلب خطة واضحة طويلة المدى." وأشار إلى أن "النتائج السريعة كانت ممكنة في السنوات الماضية، والإصلاحات البنيوية كانت مطلوبة منذ فترة أطول.

وإن تراكم المعضلات وتفاقم العجز وعدم مواجهة الانزلاقات في الانفاق والهدر والفساد يجعل من الصعب لا بل من المستحيل اقتراح إجراءات سريعة المفعول".

وأضاف: "نرى من الضروري إعادة بناء الثقة من جديد من خلال مجموعة متناسقة ومتكاملة من الإصلاحات، موثقة ضمن برنامج واضح ومحمولة من فريق عمل متجانس ذات مصداقية عالية ومناقبية معترف بها، مدعومة من أوسع شريحة اجتماعية ومسهلة سياسيا من قبل الفرقاء على الأرض، تعمل على مدى عدة سنوات على إرساء قواعد مهنية للعمل وتقوم بجهد جاد على كل الأصعدة وضمن خطة مدعومة ومتفاهم عليها." وختم قائلا: "المهم الآن أن ننتقل إلى التنفيذ فالمهمة واضحة، طويلة ومعقدة، لكنها ضرورية. أما البديل فهو الإفقار."

وطرح د. توفيق كسبار مشكلتي الخلل البنوي في الاقتصاد اللبناني والخطر المالي الداهم وكيفية معالجتهما ومواجهتهما وقال: " إن أساس الخلل البنيوي هو ضعف الإنتاجية الاقتصادية التي توازي حالياً 60% ما كانت عليه قبيل الحرب في منتصف السبعينات. فالأسباب الرئيسة ناتجة عن بنية تحتية ضعيفة، وبنية بشرية ضعيفة ناتجة عن تدني نوعية التعليم بالأخص في المدارس الحكومية وعن هجرة الطاقات البشرية بالإضافة إلى ذلك مؤسسات سياسية وإدارة عامة لا يصب اهتمامها في المصلحة العامة." وأن: "المعالجة تتم من خلال برنامج جدّي لتحسن نوعية التعليم الرسمي، وبإنشاء خط سكك حديدية يصاحبه بناء طرقات واسعة وتحسين جذري في شبكة الاتصالات. النتيجة الحتمية ستكون توسيع وتقوية شبكة التواصل الاقتصادي والاجتماعي، وازدياد لافت في الانتاجية والاستثمارات خارج وسط البلاد."

أما بالنسبة إلى الخطر المالي فقال: "يتمثّل في ارتفاع متواصل في عجز الموازنة وفي الدَين الحكومي والدَين يأتيان نتيجة نفقات جارية وليس نتيجة نفقات استثمارية. ويصاحب الخطر المالي خطر نقدي مصدره عجز متواصل في ميزان المدفوعات منذ عام 2011، و"هندسات مالية" لمصرف لبنان مكلفة جداً. من نتائج هذا الواقع تطور غير صحي لوضع المصارف التي غدا أكثر من 60% من أصولها لصالح القطاع العام."

ورأى أن: "احتواء الخطر المالي الداهم يكون باتفاق الرؤساء الثلاث على الالتزام الصارم بعجز موازنة يكون انحدارياً لعدة سنوات، مثلاً 4 مليار دولار في عام 2018 لينخفض على الأقل نصف مليار دولار كل سنة لاحقة."