لطالما تخيّل لنا في لبنان لو أن كمية الشعارات الوطنية التي يتحفنا بها السياسيون ورجال الأعمال تتحوّل لأفعال ماذا سيحدث، هل كنا سنعاني من أزمة نفايات؟ أو سنمرّ على هذه الحفر في الطرقات؟ (ليس قبيل الإنتخابات طبعاً) أو نضطر لدفع الرشاوى لنحصل على معاملاتنا؟ هل كنّا سندفع فاتورتي مياه وفاتورتي كهرباء؟ هل سنسمع إطلاق نار في مناسبات الفرح؟

لو أن كل رجل أعمال من الذين جنوا معظم أموالهم من خيرات هذا الوطن، بادر إلى ردّ جزء من جميل مجتمعه عليه، أو فكّر في أنه لا يريد لأبناء بلده أن يمرواّ بالظروف السيئة التي مرّ بها، كم من لبناني يعيش في الفقر المدقع كان سيتأمن له احتياجاته الحياتية، اللازمة على الأقل.

عيّاد ناصر، إبن أحد المناطق النائية في لبنان وتحديداً الأوزاعي، سافر، عمل، اجتهد، جنى الكثير من المال، لكنه لم ينسَ المكان الذي جاء منه، فعاد ليرد الجميل ويحوّله لـ"أوزفيل".

ولمعرفة المزيد من التفاصيل عن رحلة عيّاد في عالم الأعمال وتجربته في ردّ الجميل كان لـ"الإقتصاد" معه هذا اللقاء:

- في البداية، حدّثنا عن مرحلة الطفولة والدراسة في حياتك وكيف تنقّلت في عالم الأعمال؟

أنا شخص لم ينهي المرحلة الجامعية، دخلت الجامعة لعدة أيام فقط ومن ثم تركتها لأنطلق في الحياة العملية وذلك لأسباب مادية. طفولتي لم تكن سهلة بتاتاً، أمي تخلّت عنّي عندما كنت صغيراً، فتربّيت مع والد لم يكن موجوداً، واضطررت منذ الصغر للإعتماد على نفسي.

سافرت إلى فرنسا لأبحث عن أمي التي علمت بعد 12 عاماً أنها مستقرة هناك، لكن لم أجد عائلة فبدأت مسيرتي المهنية من نادل في مطعم فرنسي لأربعة أشهر- 14 ساعة في اليوم، عاملت فيها الزبائن كالملوك لأجني بين أربعين وخمسين دولار يومياً كإكرامية، إلى أن وجدت نفسي في عالم العقارات صدفةً بالإضافة إلى عملي كنادل. في البداية كنت وسيطاً عقارياً، بعدها أصبحت مطوّراً أي أبني بنفسي ومن ثم أبيع.

عندما عدت إلى لبنان في العام 1998، اشتريت شقة في بعبدا لأسكن فيها وأضفت تعديلاتي الخاصة عليها وكانت تعجب الجميع ويطلبون شقة مماثلة لها، فبدأت أشتري شققاً وأعدّل فيها، هنا كانت انطلاقتي في لبنان وهكذا بات اسمي معروفاً في هذا المجال.

تطوّر عملي حتى أصبح بين لبنان وفرنسا وأسست بين العامين 2004و 2005 شركتي "Loft Investment" والتي حرصت من خلالها على تغيير نوعية البناء فاعتمدت في أبنيتي على علو السقف مثلاً أو على بناء طابق واحد بدلاً من اثنين ولكن بمساحة واسعة.

أحد المبادئ التي ساعدت في نجاح الشركة هي أننا نبيع المساكن للأشخاص لنمنحهم الإستقرار وليس لنسرقهم ونستخدم مواد أولية غير جيدة.

- من قدّم لك الدعم خلال مسيرتك المهنية؟

عندما تزوجت كان لدي عملي وسيارتي ومصروفي، إلا أن عائلة زوجتي قدموا لنا شقة، إضافةً إلى التي كنا نسكنها كهدية، فقمت بتأجير الشقتين وانتقلت بالمال إلى ميامي في الولايات المتحدة حيث عملت أيضاً كوسيط عقاري في الشقق.

في العام 2003 عدنا إلى لبنان واستمريت بعملي في العقارات، وقدمت لنا عائلة زوجتي مئة ألف دولار إضافية إشتريت بها عشر شقق، دفعت 10% من كل شقة ثم بعتها محققاً نسبة 50% كأرباح.

- ما هي مشاريعك المستقبلية بعد نجاحك في "Loft Investments"؟

سألوني منذ عشر سنوات في مقابلة مع مجلة "Times" عن الخطوة التالية بعد تأسيس "Loft Investment"، التي رأوها إحدى الشركات التي كانت سريعة النمو، فقلت لهم إننا لا يمكن أن نكبر أكثر في الوقت الذي يتراجع فيه وطننا. لذلك ليس لدي خطط كبيرة للعمل في لبنان وإنما أركز حالياً على مشاريع أخرى كـ"أوزفيل".

- كيف بدأت فكرة "أوزفيل"؟

قصة لبنان شبيهة بقصتي، والداه (الحكومة والشعب) تخليا عنه تماماً كوالديّ. ومنذ عامين عندما بدأت أزمة النفايات، عدت إلى لبنان ورأيت الناس يعيشون حياتهم بشكل طبيعي من سهر إلى رقص وصلوات في الكنائس والمساجد دون أن يتأثروا بما يحصل لبلدهم، هنا قلت لصديقتي والتي لها علاقات واسعة في مجال الفن (الرسم تحديداً) "أريد أن أصنع فنًّا من النفايات" فبدأت الإتصال بأصدقائها من الفنانين في العالم وفي لبنان.

للأسف، الفنانون العالميون من أصدقائها أحبّوا الفكرة كثيراً، أما اللبنانيين فكان لديهم حساسية من أن فنّهم سيكون على الطرقات بالإضافة إلى أنه ليس هناك فائدة مادية من الموضوع.

وأريد أن أذكر هنا أنني عرضت الفكرة على مصرفين لبنانيين أتعامل معهما واقترحت أن يتحملوا جزءاً من التكلفة ويشاركوا بهذه الفكرة التي تسهم بتحسين وضع منطقة لبنانية، لكن جوابهما كان "ماذا سنستفيد نحن؟" وكأن هدفهم دائماً هو الأخذ من لبنان. المشكلة في وطننا ليست فقط الدولة الفاسدة بل المواطنين غير الصالحين، الأنانيين الذي باتوا يهتمون لمصالحهم الشخصية فقط.

هنا قررت أن أدعو الفنانين العالميين على حسابي الخاص إلى لبنان، خاصةً أنهم سيعملون دون مقابل.

في البداية، الأوزاعي لم تكن الهدف بل بدأنا بمناطق عدة منها برج حمود والكولا والأشرفية، ولكن بعدها اقتصر العمل على المنطقة الظاهرة للمطار والمنسيّة منذ سنوات ليس فقط من الحكومة والأحزاب، بل من الطبقة المخملية من الشعب اللبناني، المنهمكة بشراء السيارات الفارهة والساعات الباهظة (مع العلم أنهم جميعاً يصلون متأخرين إلى مواعيدهم) دون أن يلتفتوا إلى واجبهم تجاه المجتمع.

بدأت بالمشروع بمبنى تلو الآخر وعلى حسابي الخاص والقيمة وصلت الى 120 ألف دولار، إلا أنني لا أعتبرها خسارة بل هي هدية إلى وطني الذي أحبّ، عبر إضافة الجمال وتوحيد اللبنانيين بالعمل لأجل منطقة محسوبة على طائفة معينة وحزب معيّن. نعتوني بالمجنون ولكن ستيف جوبز يقول: إن "الأشخاص الذين لديهم من الجنون ما يكفي ليظنوا أنه يمكنهم تغيير العالم، غالباً هم الذين يقومون بذلك".

اليوم الأوزاعي أصبحت "أوزفيل" وبدأ الجميع من مواطنين وأجانب بالتهافت إلى هذه المنطقة لالتقاط الصور. كما أن هذا المشروع ساعد على ترسيخ فكرة الإعتماد على الذات للتغيير، نحن لسنا بحاجة إلى البلديات المهمِلة، بل يمكننا الإنطلاق بحملات تنظيف وتشجير كل منّا في منطقته.

- ما هي نصيحتك للشباب اللبناني اليوم؟

نصيحتي هي أن يعملوا في المجال الذي يحبونه حتى يتمكنوا من إعطاء الأفضل دون أن يشعروا بالتعب أبداً. لا تعملوا من أجل المال، بل لأنكم تحبون ما تقدمون. عندما أبيع إحدى الشقق التي أسكنها أشعر وكأنني أبيع مرحلة من حياتي معها، ولكنني أبيعها بحب لأنني أعلم مدى إعجاب الزبون بها.