ليست قصة رمانة وانما قصة قلوب مليانة (سياسيا).

هذه حقيقة الخلاف الذي نشرت بعض وقائعه الصحف في الايام الماضية ، بين وزير الطاقة سيزار ابي خليل والمدير العام للاستثمار غسان بيضون . فما ذكر على انه السبب الرئيسي للخلاف، اي تعاقد الوزير بالتراضي مع شركة خاصة لتحل محل الاستشاري Needs المنسحب من مشروع مقدمي الخدمات في قطاع توزيع ​الكهرباء​ ، هو خلاف قديم يعود لاكثر من سنة ونصف ، وقد طوي يومها . فماذا حدث ليخرج الى العلن الآن؟

السياسة هي السبب مجددا وفقا لمصادر في وزراة الطاقة ، فالجهة السياسية التي تقف خلف بيضون مكشوفة، ومعروفة بمعارضتها الشرسة لخطة النهوض بقطاع الكهرباء المقرة في مجلس الوزراء عام 2010 ، ومشروع مقدمي الخدمات جزء منها. هذه المعارضة بدأت تظهر منذ العام 2011 ، بعد ان تعذر على هذه الجهة السياسية لاسباب ذاتية المشاركة في المشروع بشركة رابعة تتولى العمل في محافظتي الجنوب والنبطية، تضاف الى الشركات الثلاث المعروفة. وكانت اولى خطوات العرقلة الاعتصام الاول للمياومين ، ومعظمهم محسوب على الجهة اياها ، فتعطلت انطلاقة مقدمي الخدمات وتأخرت اكثر من اربعة اشهر ، لم تنته الا باتفاق سياسي ، تضمن مخالفة قانونية فاضحة ، بالقول ان المياومين السابقين سينضمون الى الشركات الثلاث ، وهذا ما حصل. ثم لاحقا، يدخلون الى ملاك مؤسسة كهرباء لبنان ، علما ان اكثر من ثلثهم لا يملكون الاهلية القانونية للتوظف في الدولة ، اما بسبب العمر او الوضع المهني او الحالة الاجتماعية.

ثم جرى تعجيز الشركة مقدمة الخدمات التي تولت المحافظتين المذكورتين باشغال اضافية تكلف عشرات ملايين الدولارات ولا يلحظها العقد ، وغالبا لمصالح حزبية ، مثل مد شبكة الكهرباء الى مجمعات خدماتية تابعة لهذه الجهة من دون موافقة مؤسسة كهرباء لبنان ، ورغما عنها ، ما جعل ويجعل مقدم الخدمات هناك بين مطرقة قوى الامر الامر الواقع وبين سندان القانون.

بعد ذلك دفعت الجهة السياسية اياها المياومين لتنفيذ اضراب ثان عطل العمل لخمسة اشهر ، وتم احتلال مبنى الادارة المركزية في بيروت ، وتم تلحيم البوابة الرئيسية ، وقطعت الطرقات ارهابا ، وتهجرت الادارة الى معمل الذوق ، وتعطلت اعمال الجباية ، ولا يزال سكان العاصمة بيروت مثلا ، يسددون فواتير العام 2016 حتى اليوم ، بسبب التخريب اللاحق باعمال الجباية ، من دون التطرق الى الاضرار التي لحقت باعمال الصيانة وتحديث الشبكة.

تجدر الاشارة ان الشركات الثلاث اوفت بحصتها من الاتفاق اذ وظفت جميع المياومين (الراغبين) ، وهم لا يزالون موظفين فيها حتى اليوم ، الا ان المشكلة الحاصلة بين من يريدالالتحاق بمؤسسة كهرباء لبنان عبر المباريات المحصورة التي يجريها مجلس الخدمة المدنية ، هي مشكلة قانونية ادارية .

عند نهاية مدة العقد مع مقدمي الخدمات ، وبسبب العراقيل الكثيرة التي حالت دون تحقيق كامل اهدافه ، وخصوصا تحويل شبكة النقل الى ذكية قررت مؤسسة كهرباء لبنان تمديد المدة لاربع سنوات اخرى ، ووافقت وزارة الوصاية (الطاقة ) ، الا ان العرقلة جاءت من الجهة السياسية نفسها ، في وزراة المالية ، رغم موافقة ديوان المحاسبة . وعليه انتقل الملف الى طاولة مجلس الوزراء الذي شكل لجنة وزارية برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري لدرس الموضوع وبته .

بالعودة الى الخلاف "المستجد " ، وما قيل عن تأنيب وجهه الوزير للمدير ، وعن حسم خمسة ايام ومن راتبه ، فان وزارة الطاقة اكدت في بيان أنه "ليس هناك خلاف بين وزير الطاقة والمياه ومرؤوسه المدير العام للاستثمار يستأهل الضجة التي أثيرت إعلاميا حوله، فالوزير هو رأس الادارة التي يوجب القانون أن تعمل بموظفيها بشكل منتظم وفق ما رسمته القوانين والانظمة المرعية الاجراء، وكل أمر يتعلق بذلك تتم معالجته اداريا وفق القانون وبعيدا عن المزايدات والسجالات"(انتهى البيان ).

المشكلة هنا ، كما في كل الوزرات والادارات العامة ، ان البعض يستقوي بالجهات السياسية التي وظفته ، او بقوى الامر الواقع ( كما جرى في اشكال آخر بين وزير الصحة غسان حاصباني واحد مدراء المستشفيات). ولا يعود للتراتبية والهرمية في السلطة والادارة اي اعتبار ، لان الموظف المخالف ، او الذي يثير مشاكل سياسية لا جدوى منها ، يعرف سلفا انه محمي ولن يخضع للمساءلة ، تماما كما حصل مع الزعران الذي اطلقوا النار عشوائيا ابتهاجا ، فقتلوا وجرحوا مواطنين ابرياء ، ولما اوقفتهم القوى الامنية تدخل السياسيون لاعادة اطلاقهم في الاحياء الآمنة.

بهذا المنطق فان المدير "بياخد عا خاطرو " اذا نال توبيخا او تانيبا من رئيسه (الوزير)، ولانه غير محق من الناحية القانونية ، يسرب اخبار وزارته للاعلام ويطلق حملة مزايدات وسجالات، لاتمت الى النظام العام بصلة ، وهدفها تسييس الامر تمهيدا لفلفته.

اليوم ثمة سجال حام في البلد حول الكهرباء ، وقد اثار موضوع استئجار البواخر نقاشات وسجالات داخل وخارج المؤسسات الدستورية ، وووجهت الانتقادات من جهات سياسية عديدة ، فوجدت الجهة التي ينتمي اليها بيضون فرصة للانقضاض ، من باب آخر، على وزراة الطاقة التي بات يصدق فيها المثال : وحدها الشجرة المثمرة تتعرض للرشق.