تتجه أنظار اللبنانيين نحو الجلسة التشريعية التي يعقدها مجلس النواب يومي الثلاثاء والأربعاء، حيث ستكون سلسلة الرتب والرواتب على رأس جدول الأعمال، ومن المنتظر بحسب تصريحات وزير المالية علي حسن خليل اقرارها بعد ان طال أمدها منذ سنوات.

ولكن تبقى الأمور غامضة فيما يخص تأمين الإيرادات الخاصة بتمويل السلسلة، حيث كان هذا السبب الرئيسي في تأخير إنجاز هذا الملف، مع رفض الهيئات الإقتصادية لأي ضرائب على القطاع المصرفي، وكذلك استبعاد فرض ضرائب قد تطال الطبقة الفقيرة والمتوسطة... فما الذي تغيّر من نيسان الماضي وحتى اليوم لكي يعود الحديث عن إقرار السلسلة إلى الواجهة؟ ومن أين سيتم تأمين الإيرادات؟

في سياق آخر برز الحديث أيضاً عن إقتراب معركة جرود عرسال اللبنانية، حيث يجري التحضير لها على قدم وساق .. فهل ستنعكس هذه الأجواء سلباً على موسم الصيف الذي يبدو واعداً مع إرتفاع عدد السياح بشكل ملحوظ ؟؟

هذه الأسئلة وغيرها أجاب عنها رئيس الرابطة العالمية لخبراء الإقتصاد في لبنان وعميد كلية إدارة الأعمال والإقتصاد في جامعة الحكمة، البروفيسور روك أنطوان مهنا.

- بداية هل تتوقع إقرار السلسلة غداً ؟ وماذا عن خطورة إقرارها دون إجراء إصلاحات وتأمين الإيرادات المطلوبة ؟

الأجواء الموجودة اليوم تشير إلى أن السلسلة ذاهبة نحو الإقرار لأسباب تتعلق بالتحضير للإنتخابات النيابية المقبلة، فالهدف إنتخابي للأسف، وإقرارها سيتم دون الإلتفات لتداعياتها الإقتصادية ... السياسيون يستخدمونها كأداة إنتخابية لتجييش الناخبين والتحضير للإنتخابات، لا أكثر ولا أقل.

لا شك أن السلسلة هي حق للقطاع العام وهي ليست منّةً من أحد، لكن إقرارها لا يجب أن يكون إلا من خلال إصلاحات، وقبل الحديث عن الإصلاحات المطلوبة يجب الإشارة والتحذير من الإقدام على إنتحار ضرائبي .. "فلا لإقرار سلسلة من خلال زيادة الضرائب والرسوم".

ونحن لدينا الإمكانية اليوم لتأمين إيرادات السلسلة من خلال بعض الإجراءات القادرة على تخفيض نسب الفساد – حتى بظل عدم وجود قرار سياسي بوقف الفساد بشكل نهائي – ، حيث بإمكان الحكومة العمل على وقف التعديات على الأملاك البحرية والبرية، ووقف التهرب الضريبي عبر تهريب الكثير من أنواع التبغ والكحول وأجهزة الخليوي، (فبحسب الدراسات والإحصاءات تتخطى قيمة التهرب الضريبي من خلال تهريب هذه المواد الـ 1.5 مليار دولار سنوياً بأقل تقدير)، وإلزام الشركات غير المسجلة في الـ "TVA" – وهي كثيرة – على التسجيل ودفع الضرائب السنوية والتصريح بشكل حقيقي عن قيمة وارداتها من الخارج دون التلاعب بالفواتير وإستقدام فواتير مخفضة للتقليل من المستحقات الجمركية، وهنا باتي دور الترابط الإلكتروني بين الإدارات (الجمارك، وزارة المال، وزارة الإقتصاد)، حيث يمكن مراقبة الأسعار ومقارنتها مع الفواتير المقدمة لوقف أي محاولة للتهرب الضريبي.

فقيمة الفساد والتهرب الضريبي سنويا يتخطى الـ 5 مليارات دولار، ويمكننا توفير جزء من هذا الهدر السنوي عبر العديد من الإصلاحات والتي ذكرت بعضها الأن.

وعلينا الإنتباه أيضا بأن العمالة في القطاع العام لإقتصاد مرن كالإقتصاد اللبناني، لا يجب أن تتعدى الـ 10% من إجمالي العمالة في سوق العمل ككل، واليوم عدد العمالة في القطاع العام للأسف تتخطى الـ 20%، لذلك علينا البدء باللامركزية الإدارية واللاحصرية للبدء بإصلاح الأوضاع في الإدارات الرسمية، أضف إلى ذلك موضوع الأساتذة والمتقاعدين، وإلا فإن السلسلة ستتضاعف ولن تستطيع المالية العامة تحملها.

ويجب أن لا نغفل أيضا بأن إقرار السلسلة سيخلق فروقات كبير بين مداخيل القطاع العام ومداخيل القطاع الخاص، مما سيؤثر على العدل الإجتماعي، خاصة أن الدولة لن تستطيع إلزام الشركات الخاصة برفع الحد الأدنى للأجور، لأن هذا سينعكس سلبا على هذه الشركات وسنشهد على موجات صرف كبيرة مما سيرفع من نسب البطالة بشكل كارثي.

هل سينعكس الحديث عن إقتراب معركة عرسال برأيك على الموسم السياحي في لبنان ؟

لبنان اليوم ينعم بإستقرار أمني فريد مقارنة مع دول المنطقة، فالإستقرار الامني الموجود لدينا أفضل من الإستقرار في بعض الدول الأوروبية .. لكن الحديث الإعلامي عن تحضيرات عسكرية لمعركة قريبة هو أمر غير محبّذ بدون شك، ويؤثر على السياح القادمين.

من جهة أخرى يجب أن لا ننسى بأن معظم السياح هم مغتربين، وهذا السائح لن يتأثر ببعض الأخبار عن معركة في الجرود .. لكن للأسف بدلاً من أن نستفيد من الأعداد الكبيرة للبنانيين في الخارج وإستقطابهم عبر تذاكر سفر مدعومة او عبر شركات طيران منخفضة التكلفة، نُبقي الحصرية بيد الشركة الوطنية التي ترفع أسعار تذاكرها وخاصة في المواسم.

كيف تقيّم أداء الإقتصاد في النصف الأول من العام ؟

بعد إنتخاب رئيس للجمهورية مع نهاية العام الماضي وتشكيل حكومة جديدة، كان الأمل كبيرا بأن نشهد على نمو إقتصادي جيد في العام 2017، ولكن للأسف هذه الصدمة الإيجابية لم تعطي مفعولها الإقتصادي المنتظر، خاصة ان أمور عديدة حصلت بعد ذلك وأثرت على الجو العام، كعرقلة مشروع الموازنة وإقتراح زيادة ضرائب ورسوم عشوائية وغير مدروسة، وهذا ما أدى إلى مفعول عكسي على المناخ الإستثماري والإستهلاكي.

أضف إلى ذلك الإنقسام حول قانون الإنتخابات الجديد والمماطلة بإقراره، مما أدى إلى توقف العمل على الملفات الحيوية والإقتصادية والتركيز فقط على إقرار قانون جديد ... كل هذه الأمور إنعكست سلبا على أداء الإقتصاد بالنصف الأول، وأدت إلى إنخفاض نسب النمو في هذه الفترة مقارنة مع الفترة نفسها من العام 2016. وذلك على الرغم من إرتفاع عدد السياح مقارنة مع العام الماضي، ولكن إنفاق السياح تراجع بشكل كبير، حيث ان قدوم السائح الخليجي مازال خجولاً وقدرة الخليجي الشرائية تراجعت أيضاً بسبب تراجع الأوضاع الإقتصادية في تلك البلاد مع إنخفاض أسعار النفط.

أيضا النمو في القطاع المصرفي إنخفض هذا العام، كما أن الركود الإقتصادي في معظم القطاعات الأخرى إنعكس سلبا على البطالة المتأثرة أساساً بوجود العمالة السورية.

ما هي توقعاتك للنصف الثاني من العام 2017؟

إن لم يبدأ العمل على بعض الملفات الحيوية من أجل إعادة الصدمة الإيجابية للبلد، خاصة اننا أنجزنا قانون الإنتخابات، فإن أداء الإقتصاد سيستمر بالتراجع ونسب النمو لن تكون كبيرة.

ومن الملفات الحيوية التي يجب العمل عليها والتي تعطي روح للإقتصاد هي إقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، الذي سيساعدنا على البدء بمشاريع إصلاح البنى التحتية وعلى رأسها الطرقات والكهرباء .. فالمواطن اليوم بحاجة إلى كهرباء وطرقات جيّدة وفرص عمل، وإشراك القطاع الخاص في ورشة الإصلاح سيؤدي إلى خلق فرص عمل نحن بامس الحاجة إليها.

هناك أيضا ملف الضرائب الخاص بقطاع النفط، وإنشاء صندوق سيادي مستقلّ .. إضافة إلى العمل على مكافحة الفساد عبر آليات معينة منها إقرار قانون الإثراء غير المشروع، وخلق لجنة عليا لمكافحة الفساد من اجل إستكمال القانون الذي أقره مجلس النواب وهو "حق الإطلاع على المعلومات"، إضافة إلى الحكومة الإلكترونية التي تخف من الرشاوي في القطاع العام.

كل هذه الأمور مطلوب العمل عليها اليوم، لتحسين الوضع الإقتصادي وتحفيز النمو .. وإلا فإن الوضع سيستمر بالتراجع.