هي سيدة لبنانية متألقة وسيدة أعمال ناجحة، تتّسم شخصيتها بالذكاء وحب الإطلاع وسرعة البديهة، ويجذبك إليها حديثها الشيّق والمفيد والممتع، كما يأسرك ودّها ولطف تعاملها مع الآخرين.

هي شخص ناشط في المجال الإقتصادي، والعملي، والجامعي، والتربوي، والإجتماعي، والسياسي، والعائلي،... تقيم المحاضرات، تنظم الأعمال، وتجري الأبحاث، وتسيطر بذكائها وخبرتها الطويلة على كل ما تقوم به. كما تعمل بكفاءة ومهارة وحنكة عالية جداً، دون أن تفارق وجهها الابتسامة العريضة والرقيقة.

أفتخر بأن أقدم إليكم اليوم قصة سيدة الأعمال والشريك الإداري في شركة "Management Mix"، ​سوزي سمرجيان​، التي خصّت "الإقتصاد" بهذه المقابلة المميزة، والتي تحدّثت فيها عن مسيرتها المهنية الطويلة، وعن دور المرأة في المنزل وسوق العمل.

- ما هي المراحل التي مررت بها حتى وصلت الى ما أنت عليه اليوم؟

تخصصت في مجال العلوم الإقتصادية في "جامعة القديس يوسف"، "USJ"، حيث تابعت أيضا دراساتي العليا. وبعدها، توجهت الى فرنسا وحصلت على شهادة الدكتوراه في العلاقات الإقتصادية الدولية من " Écoles doctorales - Université Paris-Sorbonne".

في العام 1992، عدت الى لبنان، ومنذ ذلك الوقت والى حد اليوم، أعطي المحاضرات في كلية الإقتصاد في "جامعة القديس يوسف". وخلال تلك الفترة، كنت عضواً في مجلس إدارة الجامعة، وفي مجلس الكلية، وفي مجلس الأبحاث العلمية.

في المقابل، شاركت في تأسيس شركة متخصصة في الدراسات الإقتصادية، وقمنا بأبحاث عدة حول التضخم، ومصاريف اللبنانيين، والبطالة في لبنان، وغيرها من المواضيع...

وفي العام 1996، أسسنا شركة ثانية متخصصة في المواصفات العالمية للجودة، فكانت بمثابة شركة تعنى بالإستشارات الإدارية والتدريب على الإدارة والمواصفات العالمية.

في العام 1999، عينتني الحكومة اللبنانية عضواً في بورصة بيروت، وكنت المرأة الوحيدة في ذلك الوقت. وأنا أمارس مهنتي كأمين صندوق للبورصة منذ حوالي ثماني عشرة سنة.

في العام 2000، أسسنا شركة ثالثة، وأحضرنا شركة "TUV Rheinland" إلى لبنان، التي تقدم الشهادات للمؤسسات التي تعطي تقارير الجودة مثل "ISO 9000". كما أحضرنا "TUV Rheinland Academy"، لتدريب الأشخاص لكي يصبحوا بدورهم مدققين للمؤسسات.

ولا بد من الإشارة إلى أن إطار العمل لم ينحصر في لبنان فحسب، بل توسع إلى الشرق الأوسط، والخليج العربي، وإفريقيا، وبلدان الإتحاد السوفياتي سابقاً، بالإضافة إلى الشركة التي أسسناها في قبرص.

وبالإضافة أيضاً إلى عملي في الشركات والبورصة والجامعة، أنا عضو فعال في مؤسسات عدة في لبنان إجتماعية، تربوية، ثقافية، خيرية،...

فنحن مثل أي لبناني، نرتاح في العيش على أراضي لبنان الواسعة، ولكن في الوقت ذاته طموحنا يتخطى محيطنا وحدود الوطن خاصة في مجال الأعمال، لأننا نمتلك رأسمالا بشريا مهما.

- كيف تصفين مسيرتك المهنية الطويلة؟

أنا ولدت وتربيت في مدينة زحلة الراقية، التي تضم عدداً كبيراً من السيدات اللواتي حققن نجاحات وإنجازات ضخمة في المجتمع والعمل.

إنما هناك ثلاثة عوامل أساس للتقدم والنجاح في حياة المرأة بشكل عام وفي حياتي بشكل خاص:

أولا، المرأة بحاجة الى والدين داعمين والى محيط مباشر يؤمن بها، ولا يضع أمامها العقد، لكي تتمكن من السير بطريقها. وأنا كنت محظوظة بعائلتي الصغيرة وبعد فترة بزوجي الذي يكرّس المساواة ولا يهتم بالتعقيدات الذكورية التي تميز المرأة عن الرجل؛ فزوجي هو إنسان رؤيوي، يؤمن بقدرات المرأة وبالشراكة بين الرجل والمرأة، وهذا الأمر مهم للغاية.

ثانياً، زوجي وأنا شركاء في العمل والمنزل والمجتمع والسياسة، وفي كل شيء. وهذا الأمر يخلق جواً طبيعياً لأي إنسان، لكي يحقق ذاته ويقوم بالمبادرة، ويقدم الإنجازات في حياته.

ثالثا، من المهم على الإنسان بشكل عام أن يؤمن بقدراته، ويتمتع بحس المبادرة. فإذا لم يبادر بنفسه، لن يقدم له أحد النجاح "على طبق من فضة". وبالتالي عليه أن يستحق المنصب الذي يحصل عليه.

لذلك لا أشعر بالفرق بين الرجل والمرأة، وفي عملي لم أقيّم نفسي يوماً على أنني امرأة، ولم أتعامل يوماً مع أي أحد على أساس جنسه. حتى أنني لا أفرّق بين أولادي، لأن جميعهم قادرون على تحقيق النجاح، والتحليق في الأعالي، ولا يجب أن نضع العقد أمامهم.

ففي نهاية المطاف، يسعى الإنسان دائماً إلى العيش براحة وسعادة، وإلى تحقيق الذات والإنجاز، لذلك هو بحاجة إلى العلم والخبرة، وإلى التوازن ما بين الحياة الشخصية والحياة المهنية والإجتماعية.

لكن لا بد من القول، إن لبنان يتضمّن معوقات تتخطى المجتمع والعائلة والشريك والمرأة بحد ذاتها، وتتمثل في القانون. وبالتالي نحن بحاجة اليوم إلى تفعيل وتعديل وتحسين القانون لكي ينصف المرأة بشكل عام، لتتمكن من الإنطلاق بطريقة أسهل وأقوى وذات فعالية أكبر.

-هل تؤيدين وجود كوتا نسائية في المجلس النيابي؟

نعم لكن كمرحلة أولى فقط، فطالما أنه لدينا اليوم أحزاب سياسية على رأسها وفي قيادتها رجال، وطالما أن هذه الأحزاب لا تعطي المجال للمرأة لكي تظهر في القيادة، نحن بحاجة حتماً إلى الكوتا المرحلية.

فوراء الكواليس المرأة ناشطة، لكنها غائبة في القيادة وصنع القرار. لذلك أعتبر أن الكوتا مفيدة في مرحلة ما. ولكن لا يجب أن تصل أي امرأة بسبب هذه الكوتا، بل علينا أن نسعى إلى وصول المرأة التي تتمتع بالكفاءة والخبرة والعلم والثقافة والإرادة، ولديها حس المبادرة والأفكار الخلاقة والإلتزام.

فعلى كل إنسان أن يكون التزامه لعائلته ولوطنه أكثر من أي شيء آخر. إنما هذا لا يعني أن التزام المرأة لبيتها أكثر من وطنها، أو التزامها في منزلها أكثر من عملها. فلماذا يلتزم الرجل بوطنه وعمله ومجتمعه أكثر من المرأة؟ ما الذي يفرق بينهما؟ أنا أعتبر نفسي ملتزمة ومعنية بكل القضايا الإجتماعية والسياسية والإقليمية، ولا أترك المجال لكي يُقال لي: "تقدمي، لقد فتحنا لك الباب". لكن المناصب العليا في الدولة بحاجة إلى سلطة عليا تفتح المجال أمام المرأة.

- هل شعرت يوماً بالتقصير تجاه زوجك وأولادك ومنزلك بسبب انشغالك بالعمل؟

طوال حياتي كنت أعمل، وأنا امرأة ملتزمة 100% بكل أعمالي ونشاطاتي، لكن الأولوية بالنسبة لي هي لعائلتي.

فقد أثبتت الدراسات أن أولاد المرأة العاملة يتمتعون بمسؤولية أكبر، ويشعرون مع الآخر، ولديهم شخصية قوية. كما أوضحت الأبحاث أن المرأة العاملة تعطي من وقتها لأولادها بشكل كثيف وقوي؛ وبالتالي تقدم خلال ساعة واحدة، أكثر من ما يمكن تقديمه في عشر ساعات. وبالتالي يجب التركيز والإهتمام بنوعية الوقت (Quality time).

فأنا أخصص بشكل سنوي، أسبوعاً كاملا للأولاد. وبالتالي عرفت كيفية تحقيق التوازن بين عائلتي وأولادي ومسيرتي المهنية، لأنه لا يجب أن نلغي شيئاً من حياتنا، وبالتالي لا يمكن إلغاء عملي من أجل عائلتي، ولا إلغاء عائلتي من أجل تحقيق ذاتي وإنجاز أهدافي.

ولكن في نهاية المطاف ما ننجزه ليس لنا، ولكي يحقق الإنسان التوازن في حياته، عليه أن يعطي قيمة مضافة لنفسه ومجتمعه وعائلته ووطنه وعمله.

- ما هي مشاريعك المستقبلية؟

مشاريعي كثيرة في المستقبل، أما بالنسبة إلى العمل الشخصي والفردي أي المؤسسات التي نمتلكها، فطموحنا أن نكبر أكثر، ونتوسع إلى بلدان لم نصل إليها بعد، وندخل إلى مجالات أخرى من ناحية الإستشارات والدراسات والمشاريع. فليس لدي أي مشكلة في أن أكون رائدة في أي مجال أبرع فيه، وطموحي أن أعطي قدر الإمكان من الناحية الفكرية؛ فطاقتي للعطاء كبيرة...

- ما هي نصيحة سوزي سمرجيان إلى المرأة؟

أولا، أنصح المرأة أن تؤمن بنفسها، فمهما كثرت العراقيل أمامها، عليها أن تحاول حلها دون مشاكل وصراعات.

ثانيا، لكي تصل المرأة إلى مراكز القيادة، يجب أن تعمل قدر الإمكان على علمها وفكرها وثقافتها، لأن هذه العوامل تتيح لها أن تفرض رأيها، وتقدمه دون أي عقدة أو مشكلة.

ثالثا، يجب أن تهتم بالحصول على الكثير من الخبرة، والتنويع في هذه الخبرة، لأن هذا الأمر سيعطيها مجالاً أكبر لكي تفرض نفسها في المجتمع.

رابعا، عليها أن تعمل على ذاتها، ولا تنتظر بل تبادر. فالمبادرة أساسية لكي تتقدم المرأة وتنجح.

خامسا، طموح الرجل في التقدم والنجاح أقوى من طموح المرأة، لأنها تفكر أحيانا أنها لن تحصل على المنصب لذلك تنسحب. وبالتالي فإن نصيحتي الدائمة هي الالتزام؛ إذ يجب أن يلتزم الإنسان بكل يقوم به، ويتجه إلى العمق في عمله. كما لا يجب أن يفكر بطريقة سلبية، بل عليه الإتسام بالإيجابية، والتحلي بالطاقة والنشاط والمبادرة والإرادة.

وفي النهاية أنا أفتخر بكل إنسان، أكان رجلاً أم امرأة، بدأ من الصفر، وحقق إنجازات في المجتمع، في السياسة، في العلم، في الطب، في الهندسة، أو في أي مجال كان. فالإنسان الذي يبدأ من الصفر، هو إنسان يعتمد على نفسه. لذلك أقول للجميع "اعتمدوا على أنفسكم، وعلى قدراتكم، ومهاراتكم!".