يٌقال "الفرص لا تحدث وحدها بل عليك صنعها بنفسك"، ورونالد الصايغ صنع الفرص الخاصة به وحقق النجاح. فبنى مسيرته المهنية على هواية يحبها ويشعر بالشغف تجاهها، وتقدم بصبر وإصرار، حتى بات اليوم قدوة لعدد كبير من الشبان والشابات الذين يمتكلون حلما ويرغبون في تحقيقه.

لا أحد يعلم من أين يمكن أن تأتيه الفكرة التي توصله الى القمة، وقصة الصايغ هي خير دليل على ذلك. فما كانت في البداية مجرد هواية، شكّل بعد فترة حجر الأساس لمسيرة مهنية ناجحة ومزدهرة في عالم التكنولوجيا والانترنت.

فلنتعرّف معا الى مسيرة رائد الأعمال اللبناني رونالد الصايغ في هذه المقابلة الخاصة والحصرية مع "الاقتصاد":

-ما هو تخصصك الجامعي؟ وكيف وصلت الى ما أنت عليه اليوم؟

تخصصت في الهندسة الكهربائية في "الجامعة الأميركية في بيروت"، "AUB"، كما حصلت على ماجستير في الإدارة الهندسية (engineering management).

توظفت لفترة في مجال تكنولوجيا المعلومات وتطوير البرمجيات، ومن ثم انطلقت بمفردي في العام 1997؛ أما اهتماماتي العملية فهي الانترنت، والمواقع الالكترونية، والتجارة الإلكترونية، والتطبيقات.

أطلقت في العام 1997، الموقع الالكتروني www.skileb.com، الذي يعتبر من أول المواقع في لبنان التي تتعاطى التجارة الالكترونية. وفي البداية كان مجرّد هواية، لكنه شكل حجر الأساس لمسيرتي المهنية، وجمع ما بين اهتماهي بالتزلج من جهة، وبالانترنت من جهة أخرى.

ومع مرور الأيام، بدأ الناس يهتمون أكثر فأكثر بالموقع، ويكتشفون هذا النشاط الموجود في لبنان، ويسألون عن أماكن التزلج، والأسعار، والحجوزات،... وبدأنا بإعطائهم الحلول. ويوما بعد يوم تطور الموقع حتى أصبح يشمل نظام للحجز (booking system)؛ ومن خلال "skileb.com"، نجحنا بإتمام بأول عملية تجارة الكترونية، وبات السائح قادر على القدوم الى لبنان، واختيار الحزم التي تناسبه.

وبالتالي أصبح جزء من عملي يتمحور حول السفر عبر الانترنت (online travel). لكن هواية التزلج موسمية، لذلك عملنا على تطوير الموقع ليشمل الحجوزات في الفنادق اللبنانية على مدار السنة، وأطلقنا بعد الفترة موقع www.lebhotels.com. وبات لدينا اليوم أكثر من 10 مواقع الكترونية متخصصة بحجوزات الفنادق والنشاطات الموجودة في لبنان.

وتوسعت الأعمال بشكل كبير، ونحن لا نزال الى حد اليوم أكبر وكالة عبر الانترنت تحصل على الحجوزات في منتجعات التزلج في لبنان، وبالتالي أسهمنا في وضع البلاد على خارطة التزلج في العالم؛ ونحن نفتخر حتما بهذا الواقع.

لكن عندما تدهورت الأوضاع السياسية والأمنية في لبنان، واندلعت الحروب في المنطقة، تراجع عدد السياح بشكل كبير، وتأثرنا كثيرا بهذا الأمر، الأمر الذي دفعنا للبحث عن أمور مختلفة، لذلك دخلت الى مجال تسليم الأزهار، والهدايا والبالونات عبر الانترنت، وأطلقنا موقع www.flowerstolebanon.com. ومن خلال هذا المواقع، تمكنا من اطلاق تسعة مواقع أخرى في دول الخليج العربي، وحتى قبرص. وأصبحت مجتمعة جميعها تحت اسم التطبيق "FlyingRoses".

ولا بد من الاشارة الى أننا استخدمنا الخبرة التي اكتسباناها في التجارة الالكترونية وخدمة الزبائن عبر الانترنت، لكننا توجهنا الى مجال مختلف عن السفر، بسبب الوضع الصعب القائم.

-برأيك، ما هو سر نجاحك في مجال التجارة الالكترونية؟

لقد بنيت مسيرتي المهنية على مجال أحبه، وانطلقت من هواية ومن شغف، وبالتالي حولت هوايتي الى عمل تجاري. وهذا الأمر يدفعني الى العمل بفرح معظم الأوقات. فأنا لم أشعر يوما أنني أقوم بواجب معين.

لكن الانسان لا يستطيع أن يؤسس عملا تجاريا لمجرد أنه يحبه، بل عليه أن يدرس امكانية بيعه في الأسواق.

من جهة أخرى، يجب أن يثابر الشخص على العمل ويتحلى بالصبر، ويركز على هدف معين، ويسعى بكامل قوته وجهده من أجل تحقيقه. كما عليه التكيف مع السوق المستهدفة.

-ما هي طموحاتك ومشاريعك المستقبلية؟ وهل تمكنت من تحقيق كامل وأحلامك المهنية؟

لم أحقق جميع أحلامي ولن أحققها يوما، فأنا بطبيعتي مبادر (Serial entrepreneur)، مما يعني أنني أطلق عملا، وأدرسه، وأقدم له كل ما بامكاني عليه لكي يكبر وينمو، ومن ثم أعين مسؤولا عنه ليديره، وأعود بعدها لتأسيس مشروع آخر.

لذلك أسعى الى تنمية أعمالي، وبيعها اذا سنحت الفرصة، وإطلاق المزيد من المشاريع والشركات، والتقدم الى الأمام. وأطمح الى أن أجد دائما ما يشجعني على الاستمرار بالعمل.

-هل شعرت يوما بالتقصير تجاه حياتك الخاصة بسبب انشغالك بالعمل؟

ليس من السهل أن يكون الانسان رائد أعمال، وبالتالي سيشعر حتما بالتقصير تجاه جانب ما من حياته. وسيقصّر تجاه نفسه أولا قبل غيره، فالطريق صعبة للغاية، وغالبية الناس في العالم يطمحون الى التقدم بعملهم، وزيادة أجورهم، والحصول على الترقيات، لكن قلائل هم الذين يتركون كل شيء، وينطلقون لتحقيق أحلامهم؛ فثمن تحقيق الأحلام مرتفع.

والنجاح سيؤثر حتما على الأوقات الخاصة بالعائلة والمحيط الاجتماعي، والتضحيات هي سيدة الموقف، لأن للتقدم ثمن خاص. لكن الشعور بالنجاح والتقدم، هو إنجاز للشخص الذي قام به، وبالتالي سيدفعه الى الاستمرار.

-لقد توسعت المنافسة في مجال التجارة عبر الانترنت، كيف تواجه هذه المنافسة؟ وهل تعتبرها عاملا ايجابيا؟

في مجال السفر عبر الانترنت المنافسة ايجابية، لأنها تلفت أنظار الناس أكثر نحو هذه الخدمة، لكنها تؤثر علينا حتما، وتأخذ جزءا من السوق، لذلك يجب أن نجد دائما ما يميزنا، ونكون أصيلين وجديرين بالثقة، ونحافظ على علاقاتنا المباشرة مع الزبائن.

وهناك مجالات عدة للتميز عن المنافسة، ومنها ابتكار الأفكار الجديدة التي لم يفكر بها أحد غيرنا، أو فكّر بها لكنه غير قادر على تحقيقها. فشركتنا صغيرة لكن قوة تحركنا وتكيفنا سريعة للغاية. انما لا يمكن العيش على الأمجاد، بل علينا مواصلة العمل وعدم النظر الى الخلف.

-من قدم لك الدعم الأكبر في مسيرتك المهنية؟

عائلتي متفهمة لعملي وتدعمني طوال الوقت، لكن عملي لطالما كان ذاتيّ التمويل.

-ما هي النصيحة التي تقدمها الى جيل الشباب اللبناني؟

أولا، على مستوى التمويل للمشروع، يجب أن ينتظر الانسان، ويركّب فكرته، ويطبّقها بنفسه، ويرى مدى فعاليتها، ويوسعها قدر الإمكان، ويدفع من أمواله الخاصة، قبل أن يتجه الى المستثمرين. فالجميع يفكرون أنه يجب الحصول على الأموال لاطلاق الأفكار، لكن الخطوة الصحيحة تكمن في دراسة جوانب المشروع كافة، قبل الحصول على التمويل الضخم؛ فكلما حصل على هذا التمويل في وقت أبكر، كلما باتت الطريق أصعب بكثير.

ثانيا، اذا أراد الانسان أن يحقق إنجازا في مجال التكنولوجيا والانترنت، عليه التركيز على الحلول البسيطة والسهلة والعملية والفعالة، والانطلاق منها، ومن ثم العمل على تطويرها. وبهذه الطريقة سيوفر الأموال، وينطلق بسرعة أكبر، ويطور العمل على أسس متينة وموجهة، ودقيقة أكثر.