باتريسيا رحمة هي عنوان للمجازفة والنجاح! حيث إنها نجحت في إثبات تميزها في مجال تصميم المجوهرات، رغم أنها جازفت بالرهان الخطير الذي قبلته عندما تبِعت شغفها، وتخلّت عن مسيرتها المهنية في مجال الإعلانات التي استمرت لمدة اثني عشر عاماً. فألقت على نفسها مسؤولية فنيّة جادّة، ووقفت في وجه جميع المشكّكين، وفي النهاية "طلعت قدا وقدود"!

كان لـ"الاقتصاد" مقابلة خاصة مع مؤسسة العلامة التجارية "Patrizia"، باتريسيا رحمة، للحديث عن بداياتها المهنية، وكيفية انتقالها من الإعلانات إلى تصميم المجوهرات، بالإضافة إلى طموحاتها المستقبلية، ورؤيتها لواقع المرأة الحالي في سوق العمل اللبنانية.

من هي باتريسيا رحمة؟ وكيف قررت تأسيس علامتك التجارية "Patrizia"؟

أنا قادمة من خلفية في الإعلانات والتسويق والإنتاج التلفزيوني، ولدي خبرة اثني عشر سنة في هذا المجال.

في العام 2012، توجهت إلى مدينة فلورنسا الإيطالية،وقررت التخصص في نحت المجوهرات (jewelry sculpting). فبقيت هناك لمدة ثلاث سنوات تقريباً، عدت بعدها إلى لبنان، وافتتحت علامتي التجارية "Patrizia" في منطقة الأشرفية في بيروت، وأطلقت حينها 354 خاتماً، لأنني معروفة بكوني "The ring maker"، أي صانعة الخواتم.

وتصاميمي هي عبارة عن مجوهرات مصنوعة يدويا 100%، فأنا أنحت القالب بالشمع، وأصبّه بعد ذلك على الذهب أو الفضة، أو أي معدن من المعادن الثمينة.

ولا بد من الإشارة إلى أنني قررت العمل في هذا المجال في لبنان، بسبب غياب المرأة الحرفية التي تمارس هذه المهنة. كما أن المجوهرات المصنوعة يدوياً بدأت بالانقراض يوماً بعد يوم؛ وبالتالي كانت هذه الفكرة وراء العلامة التجارية. فقد أردت تأسيس عمل مميز للغاية، يحبه الناس، ويقدم قطع يدوية، فريدة من نوعها، وذات إنتاج محدود جداً. فأنا لست صناعية، بل أقدم المجموعات المحدودة التي لا تتكرر.

من ساعدك في التمويل لإطلاق أعمالك؟

أنا مولت نفسي بنفسي، ولم أحصل على أي قرض، وذلك من الأموال التي جمعتها خلال سنوات عملي في مجال الإعلانات. حيث إنني أطلقت علامتي التجارية خطوة بخطوة، وافتتحت بعدها مشغلي الخاص.

إلى أي مدى تساعدك وسائل التواصل الاجتماعي على نشر "Patrizia" بين الناس؟

مواقع التواصل هي الرقم واحد في مجال التسويق، وتؤدّي دوراً أساسياً في إيصال العلامة التجارية إلى البلدان العربية، وأوروبا، والولايات المتحدة؛ وأنا ناشطة للغاية عبر هذه المواقع. 

كما أن الخواتم بالأساس تسوق لذاتها، لأنها غريبة ومميزة، وقد تمكنت من نيل إعجاب وإهتمام عدد كبير من الممثلين والشخصيات العامة.

ولا بد من القول إن خواتمي مميزة، لأنني أتبع التقنية الإيطالية، أي أعمل على مزج النحت بالتصميم، لكي أحصل على تأثير ثلاثي الأبعاد (3d effect) في الخاتم؛ وبالتالي أعتبر أنني أقدم منحوتات حول الإصبع.

ما الذي شجعتك على اتخاذ هذا القرار والتخلي عن مسيرتك المهنية في مجال الإعلانات؟

لطالما أحببت الخواتم بشكل عام، وعندما كنت أسافر إلى أي بلد، كنت أشتري الخواتم. وخلال رحلتي إلى فلورانسا دخلت إلى متجر، وشعرت أنني أريد تعلّم طريقة عملهم، حيث إنهم كانوا يعرضون أكثر من ستة آلاف خاتم، واكتشفت أنهم يعطون الدروس في صناعة الخواتم. ولا أعرف حقاً ماذا حدث لي حينها، لأنني بالعادة لست شخصاً مجازفاً، وخاصة في ما يتعلق بمسيرتي المهنية. لكنني شعرت فجأة أنني أنتمي إلى هذا المجال، لذلك أرسلت سيرتي الذاتية إلى المعهد فور عودتي من الإجازة إلى لبنان، وتم قبولي، فقدمت استقالتي من شركة الإعلانات، وتوجهت إلى إيطاليا.

ولا بد من الإشارة إلى أن الأمر كان صعباً للغاية، لأنني تابعت دورات مكثفة، وبدأت من الصفر، وكنت أعمل حوالى عشرين ساعة يومياً على الأقل، ونادراً ما أنام. لكنني كنت سعيدة للغاية بهذا القرار، وعندما عدت إلى لبنان، دفعني إيماني بهذا الشغف إلى التقدم، لذلك أشكر الله لأنني أسير على السكة الصحيحة. فأنا بالإضافة إلى مشغلي وعلامتي التجارية، أنظم ورشات عمل في معهد "ESMOD". وبالتالي فإن مسيرتي المهنية في صناعة الخواتم تزدهر ببطء، لكنني فخورة جداً بالنتائج التي أحققها.​​​​​​​

برأيك، ما هي الصفات التي أسهمت في تقدمك ونجاحك المهني؟

أولا، أنا شخص خلاق، وأتمتع بمخيّلة خصبة، الأمر الذي يساعدني على خلق تصاميم مميزة وإبداعية.

ثانيا، أتعامل مع زبائني بشكل جيد جداً، فأستقبلهم بنفسي وأتواصل معهم بشكل دائم، وأهتم بهم كثيراً، لأنهم في نهاية المطاف ليسوا مجرد زبائن، بل نحن على علاقة متبادلة، لأنني أعطيهم تصميماً أنجزته بنفسي، لكي يبقى معهم على الدوام.

ثالثا، الطاقة الإيجابية النابعة من المشغل وصالة العرض.

رابعا، خبرتي في التسويق، فأنا لطالما تعاملت مع الناس، لذلك أعرف تماماً كيفية التصرف خلال جميع المواقف.

إلى من تتوجه علامتك التجارية؟ وهل بإمكان جميع الميزانيات الحصول على تصميم مميز من "Patrizia"؟​​​​​​​

أتوجه إلى جميع الناس، لأنني أريد أن يرتدي كل شخص تصميماً من "Patrizia"، لذلك عملت على تخفيض أسعار القطع لكي يتمكن جميع الأشخاص من شراء تصاميمي؛ فأنا لا أستهدف الطبقات الإجتماعية بل العقول المميزة.

ما هي الصعوبات التي تواجهك في عملك؟

أولا، "Patrizia" ليست عملاً تجارياً، بل حرفياً بحتاً، وأنا بنفسي أضع الصعوبات لنفسي، لأنني أقدم التصاميم المحدودة، والقطع ذات الجودة العالية، ما يحدّ قليلا من المدخول، فبدلاً من بيع آلاف القطع مثل أي مصمم للمجوهرات، أنا أبيع قطع أقل، لكنني أقدم فنّاً وإبداعاً أكبر.

ثانيا، تزيد أسعار كل المواد يوماً بعد يوم، كما أن المعيشة في لبنان مرتفعة، والبلد بأكمله يعاني من صعوبات إقتصادية كبيرة، مما يشكل صعوبة أيضا بالنسبة لي.​​​​​​​

لكنني لطالما وجدت إلى حد اليوم، وسيلة لإيجاد مصدر يساعدني على الإستمرار، وأنا أشكر الله على هذه الإستمرارية.

هل تعتبرين المنافسة عاملاً ايجابياً في مجال الأعمال؟

المنافسة إيجابية حتماً، لكن لا يوجد منافس لي في لبنان، لأن لا أحد يقوم بهذا العمل من الألف إلى الياء. إنما أنا شخصياً أحب المنافسة، وأعتبرها عاملاً صحياً، فلا أحد يشبه الآخر، حتى لو عمد إلى تقليده. وبالتالي أفرح بوجودها لأنها تدفعني إلى الأمام، وإلى العمل على تقديم الأفكار الجديدة.

​​​​​​​

ما هي مشاريعك وطموحاتك المستقبلية على الصعيد المهني؟

أسعى إلى بناء متحف ومدرسة لتعليم أصول صناعة المجوهرات، لأن هدفي هو تعليم هذا الجيل كيفية العمل بيديه، بدلاً من تضييع الوقت على الهواتف الذكية والتطبيقات؛ وبالتالي أنا أريد تقديم جيل حرفيّ مثقّف.

من ناحية أخرى، سأستمر في عرض المجموعات المتنوعة والمميزة في "Patrizia". ومن الممكن أيضاً أن أتوسع إلى خارج لبنان، ولدي مشاريع مستقبلية عدة في دبي والولايات المتحدة.

​​​​​​​

هل تمكنت من تحقيق التوازن بين عملك وحياتك الخاصة؟

أحيانا لا أحصل على الوقت الكافي من أجل الإهتمام بحياتي الخاصة، بل أعمل ليلاً نهاراً، خاصة خلال مواسم الضغط، مثل عيد الأم، وعيد الميلاد، وعيد العشاق، ومواسم الأعراس،...

لكنني بالعادة أسيطر على ما أقوم به، وأخصص بعض الوقت لنفسي.

برأيك، هل تقدمت المرأة في سوق العمل اللبناني؟

نعم بالطبع، فمن خلال الجوائز التي تنظمها جهات عدة، نرى أن المرأة اللبنانية باتت تعمل في المجالات كافة، وقد تقدمت وتطورت إلى حد كبير.

بالإستناد إلى تجربتك المهنية الخاصة، ما هي الرسالة التي تودّين إيصالها إلى المرأة؟

أنصح المرأة أن تؤمن بنفسها، لأن كل واحدة منا، تتمتع فعلا بقوة خارقة معينة. لذلك عندما تحلم بهدف معين، لا يجب أن تخاف أو تيأس، بل عليها دراسة خطواتها، والإنطلاق الى عيش شغفها.

فالمرأة متعددة المهام، نظامية، وفعالة في العمل، لذلك إذا آمنت أنها تستطيع، ستنجح حتماً.