إذا أردنا تقييم الأداء الإقتصادي في لبنان خلال النصف الأول من العام 2017، نرى أنه بعد انتخاب رئيس للجمهورية، شهدنا تسجيل مؤشرات إيجابية، أولها ارتفاع أسهم "سوليدير"بنسبة 30%، ونمو الحركة في "مطار بيروت الدولي" بشكل ملحوظ. لكن البلد لم يستفد للأسف من الصدمة التي أحدثها العهد الجديد، وبات الوضع الإقتصادي يعيش في حالة حرجة، والتعويل اليوم هو على قانون الإنتخابات الذي ينتظره اللبنانيون من أجل تحقيق التغيير المنتظر.

ولكن خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري، حصلت بعض الأمور الإيجابية مثل إقرار عدد من المراسيم المتعلقة بملف النفط والغاز، وتحسن القطاع السياحي بنسبة حوالى 17.5%،ووصول حجوزات الفنادق إلى 65%. ومن ناحية أخرى، شهدنا استقراراً أمنياً واضحاً، كنا قد افتقدناه في المرحلة الماضية. كما احتلّ لبنان المرتبة السابعة في المنطقة،في توقعات البنك الدولي للنمو الإقتصادي للعام 2017، بحيث بلغ معدل نمو الناتج المحليالإجمالي الحقيقي المتوقع 2.5% متفوّقاً على كل من الأردن وتونس والإمارات. كما توقع البنك أن تتسارع وتيرة النمو الحقيقي في لبنان الى 2.6% في 2018 و2019.

وبالتالي هناك بعض الإيجابيات، ولكن إذا تمت مقارنتها مع السلبيات، نجد بأنها لا تكفي؛ فتراجعت رخص البناء، واستقر الوضع المالي والنقدي، وانخفض الإحتياطي الأجنبي من 41.5 مليار دولار إلى 39 مليار دولار، وتراجعت القيمة التداوليّة للأسھم في بورصة بيروت بنسبة 22% سنويا لغاية أيار 2017. كما أن الإرتفاع في العجز التجاري هو مؤشر خطير، حيث تجاور عتبة الـ5.40 مليار دولار خلال أول أربعة أشھر من 2017. من جهة أخرى، انخفض الدين العام الاجمالي بحوالي 256.5 مليون دولار الى 76.92 مليار دولار خلال نيسان 2017، من 77.17 مليار دولار في آذار. أما على صعيد سنوي، فقد ارتفع الدين العام الاجمالي بـ5.25 مليار دولار مقارنة بالمستوى الذي كان عليه في نيسان 2016 والبالغ حينها 71.68 مليار دولار. كما انخفضت قيمة الشيكات المتداولة الى42.386 مليار ليرة خلال أول خمسة أشهر من العام الحالي، مقابل 42.445 مليار ليرة خلال الفترة نفسها من العام المنصرم.

لكن التفاؤل عاد إلى حد ما، إلى الأجواء اللبنانية،بعد الاتفاق شبه النهائي حول اعتماد القانون النسبي على أساس خمس عشرة دائرةإنتخابية، وبالتالي فإن إقرار قانون إنتخابي عصري جديد يؤمن تمثيلا صحيحاً، سينعكس إيجاباً على الثقة بلبنان وبإقتصاده وقدرته على التقدم.

فكيف كان أدء الإقتصاد الوطني خلال النصف الأول من العام 2017؟ وإلى أين نتجه في النصف الثاني؟ وما هي الإيجابيات الإقتصادية للإتفاق على قانون إنتخابي جديد؟ هذه الأسئلة وغيرها أجاب عليها وزير المالية السابق، د. ​جورج قرم​ في هذه المقابلة الخاصة مع "الاقتصاد":

كيف تقيم الأداء الإقتصادي في لبنان خلال النصف الأول من العام 2017؟

الأداء الاقتصادي متباين بطبيعة الحال، لكن المؤشرات تختلف حسب القطاعات؛ حيث أن هناك مؤشرات إيجابية، وفي المقابل هناك أيضاً مؤشرات سلبية.

لكن المؤشرات الإيجابية بالإجمال أتت أقوى من السلبية، نذكر منها كالعادة زيادة الحركة في "مطار بيروت الدولي"، والحركة السياحية في البلد، ونسبة إشغال الفنادق التي ارتفعت بشكل جيد. بالإضافة إلى ارتفاع نسبة تحويلات المغتربين أيضاً ، وتحسن ميزان المدفوعات. وبالتالي فإن هذه المؤشرات تعطي الثقة.

أما في ما يتعلق بالمؤشرات التي تدل على الضعف،فنرى حركة السوق العقاري، مع العلم أن هناك تحسن في عمليات البيع والشراء العقارية بالمقارنة مع العام 2016. لكن رخص البناء تتراجع بسبب "التخمة" الموجودة في القطاع، والتي ستحتاح إلى سنوات عدة لكي تذوب.ولكن هذا التراجع لا أعتبره مؤشراً سلبياً، بل يدل على تحسن السوق من ناحية استيعاب جزء من المخزون الكبير الذي يتبقى من الفورة العقارية من العام 2008 حتى العام 2014.

هل أتت الحركة الإقتصادية على قدر التوقعات مع العهد الجديد والأجواء الإيجابية التي كانت سائدة في البلد؟

لدي دائما التحليل ذاته، وهو أن لبنان في ظل ظروف المنطقة ككل، والمحيط الذي نعيش فيه، إذا سجل معدلات نمو تترواح مابين 1% و3%، تعتبر معدلات جيدة، ولا يمكن توقع أفضل من ذلك.

وعلى الرغم من إيجابية قدوم العهد الجديد، إلا أن قضية القانون الإنتخابي أضفت على الوضع الاقتصادي نوعاً من الترقب، خاصة مع نهاية ولاية المجلس النيابي.

ما رأيك بتوقعات البنك الدولي حول تسجيل معدل نمو الناتج المحليالإجمالي في لبنان 2.5% في 2017؟

التقديرات الصادرة عن البنك الدولي أو أي جهة أخرى حول نمو الناتج الوطني هي غير مبنية على محاسبة وطنية، بل هي مجرد تقديرات. وأنا لطالما رأيت أن هذه التقديرات هي أقل من الواقع، لأن الأرقام تتأثر بالمناخ السياسي في البلد ومناخ المنطقة. وبالتالي فإن المؤشر الأفضل في لبنان هو مؤشر البنك المركزي أي ما يسمى بـ"coincident indicator"، وهو مؤشر مركّب من مؤشرات عدة، ويعطي دائما نسبة دقيقة أكثر من التقديرات الصادرة من الجهات الخارجية أو الداخلية.

إلى أين يتجه الإقتصاد اللبناني خلال النصف الثاني من العام 2017؟ وما هي إيجابيات الإتفاق على قانون إنتخابي جديد من الناحية الإقتصادية؟

عشنا فترة من الترقب والحيرة والإنتظار، وفي النهاية اتفقت القوى السياسية الطائفية في البلد على قانون إنتخابي. ولا شك في أن التجاذبات الحاصلة تؤثر سلباً على الوضع الإقتصادي. لكن إذا اتفقوا،وشهدنا اطلاق العملية الانتخابيةفعلاً، فستزيد الثقة من الناحية الإقتصادية.

ولا بد من الاشارة إلى أننا نشكر الله لأننا انتهينا من الخلافات ما بين 8 و14 آذار، وبالتالي ستكون الحملات الإنتخابية اليوم أقل حدة. كما أن إعادة تنظيم الحياة السياسية في البلاد سيكون لها أثرٌ ايجابيٌ من هذه الناحية، أي من ناحية كسر الثنائية الحدة بين 8 و14 آذار.