يأتي قطع العلاقات الديبلوماسية بين قطر ودول عربية ليُعقّد الوضع الإقتصادي في ظل تراجع أسعار النفط وتراكم العجز في موازنات هذه الدول. فكيف سيتفاعل الإقتصاد القطري مع قطع العلاقات مع هذه الدول؟

إنها قمّة التشرذم العربي إضعاف للأمّة العربية وزيادة الرهان على الغرب، هكذا يُمكن وصف التصعيد الديبلوماسي بين قطر والدول الخليجية. هذا التصعيد يُضعف كل الإقتصادات العربية دون إستثناء بحكم أن الإندماج لإقتصادات الدول العربية في الإقتصاد العالمي سيكون عاموديًا مما يعني جعل هذه الإقتصادات عرضة للأزمات الإقتصادية والمالية العالمية.

هذا الإنقسام في العالم العربي يقترح "بلقنة" الدول العربية حيث أن مجلس التعاون الخليجي كان يُشكّل القطب العربي الوحيد المُتجانس إقتصاديًا وجيوسياسيًا.

الأن وقد حصل هذا الإنقسام يُطرح السؤال عن مدى التأثيرات على الإقتصاد القطري؟

التأثيرات على الإقتصاد القطري

قطر هي دولة عربية تقع في الخليج العربي ويبلغ تعداد سكانها 2.235 مليون شخص ينتشرون على مساحة 11610 م2. وتمتلك قطر ثروة غازية هائلة لناتج محلّي إجمالي بقيمة 165 مليار دولار أميركي بنمو 3.55% (2015). وتحتل قطر المراتب الأولى من ناحية الناتج المحلّي الإجمالي للفرد مع 74 ألف دولار أميركي للشخص الواحد.

وتُصدّر قطر ما قيمته 77.3 مليار دولار أميركي من البضائع و15 مليار دولار أميركي من الخدمات، ويأتي النفط والغاز ليُشكّل أكثر من 88% من مُجمل الصادرات يليها الصادرات الصناعية بـ 10%. وتحتل اليابان المرتبة الأولى كوجهة للصادرات القطرية مع 16.8 مليار دولار يليها كوريا الجنوبية مع 11.5 مليار دولار أميركي ثم الهند مع 9.9 مليار دولار أميركي، الصين مع 5 مليار دولار أميركي والإمارات مع 4.5 مليار دولار أميركي.

أمّا على صعيد الإستيراد، فتستورد قطر ما يوازي 32.6 مليار دولار من البضائع و30.8 مليار دولار من الخدمات. وتأتي الولايات المُتحدة الأميركية في المرتبة الأولى مع 13.7%، فرنسا مع 10.1%، بريطانيا مع 9.1%، الإمارات العربية مع 7.9%، ألمانيا مع 7.7%، الصين مع 7.4%، اليابان مع 5%، والسعودية مع 4.4%.

وتبلغ قيمة الإستثمارات الأجنبية المُباشرة في قطر 1.1 مليار دولار أميركي مقارنة بإستثمارات قطرية في الخارج بقيمة 4.03 مليار دولار أميركي (حجم الإستثمارات القطرية في مصر 14 مليار دولار أميركي!).

علاقة عضوية نابعة من الجغرافيا

وتعتمد قطر على وسيلتين أساسيتين لتصدير بضائعها: بحرية عبر خليج العرب وهي التي تملك سفن كارغو هائلة (804 DWT in 2015)، والثانية بريّة عبر المملكة العربية السعودية وبالتحديد معبر سلوى.

وتبلغ قيمة الإستيراد القطري من دول الخليج 5.1 مليار دولار أميركي (2015) مقارنة بصادرات بقيمة 6.5 مليار دولار أميركي.

قيمة الخسائر على الإقتصاد القطري

إذا نتيجة المُقاطعة العربية لقطر هي خسارة مباشرة بقيمة 6.5 مليار دولار أميركي إضافة إلى الخسارة الناتجة عن الضغط العربي على الريال القطري والذي خسر أكثر من 10% من قيمته ليصل إلى أدّنى مُستوى له في 11 عامًا. هذا الأمر سيُكلّف البنك المركزي القطري أموالًا للدفاع عن العملة القطرية وبالتالي قد تصل قيمة الخسارة على المدى القصير إلى بضعة مليارات من الدولارات.

أضف إلى هذه الخسارة، الخسارة الناتجة عن حركة النقلّ الجوية التي ستزيد حكمًا الأعباء على الشركة القطرية بحكم زيادة كلفة النقل وهذه الخسائر من الصعب تقديرها الأن إلا أن عدّة مليارات سنويًا هو تقدير مقبول.

وبالتالي فإن حجم الخسائر المباشرة وغير المباشرة قد يصل إلى حدود الخمسة عشر مليار دولار أميركي سنويًا.

كيف ستُعوّض قطر الخسائر؟

عمدت قطر منذ الإستقلال إلى وضع إستراتيجية إقتصادية مبنية على تنويع الماكينة الإقتصادية وإستثمرت أموالًا طائلة في البنى التحتية، الرياضة، الصحة والتعليم والرياضة. هذه الإستثمارات لم تسمح بتنويع الإقتصاد القطري الذي ما زال يعتمد بنسبة كبيرة على الغاز، إلا أن المداخيل الناتجة عن هذا الأخير تمّ إستثمار قسم كبير منها في صندوق سيادي من المُتوقّع أن تُموّل عائداته الموازنة القطرية بالكامل في الأعوام القادمة.

وبالتالي نرى أن الإقتصاد القطري سيتأثر بشكل جزئي ستُحاول قطر تعويضه من خلال زيادة التبادل التجاري مع إيران وتركيابالدرجة الأولى، كماوالكويت، العراق وغيرها من الدول الإقليمية الأخرى.

وإذا كان العلاقة التركية – القطرية علاقة متينة تاريخيًا وسيكون هناك تعاون حتمّي على الصعيد الإقتصادي، والعلاقة الإيرانية – القطرية هي علاقة مبنية على التوحّد ضدّ خصم مُشترك وسيكون هناك حتمية للتعاون الإقتصادي، إلا أن العلاقة القطرية مع الدول الإقليمية الأخرى سيتمّ مواجهتها سياسيًا وإقتصاديًا من قبل الدول العربية وبالتالي سيكون هناك تعقيدات وضغوطات على عدّة دول.

إقتصاديًا زيادة التعامل مع إيران لن يدرّ نقدًا على قطر بحكم أن إيران ونتيجة العقوبات الدولية عليها، تفتقد إلى النقد الصعب. وبالتالي فإن أي تصدير لقطر بإتجاه إيران سيكون ثمنهحصص في الغاز المُشترك بين الدولتين.

وبإعتقادنا، فإن قطر ستعمل ايضًا علىتعويض الخسارة الناتجة عن المُقاطعة العربية عبر زيادة التعاون التجاري مع دول مثل الهند، والصين وحتى روسيا مع كلفة نقل أكبر بحكم أن المسافة الجغرافية أبعد.

يبقى القول أن الدول الخليجية إستخدمت مبدأ العقوبات الإقتصادية الذي تستخدمه الولايات المُتحدة الأميركية مع مفعول مضاعف ناتج عن عنصر المُفاجئة لحجم هذه العقوبات. وبإعتقادنا، الخاسر الأكبر من هذه العقوبات يبقى العالم العربي أجمع لأنها بداية تفكّك جديد للأمة العربية قد يصل إلى حدّ خلق مواجهة عسكرية بين الدول الخليجية من جهة ومحور إيران – قطر – تركيا من جهة أخرى.