بعد مرور ثلاثة أيام على قطع عدد من البلدان العربية علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، لا يبدو أن الأمور تسير نحو الحل بل إنها متجهة إلى التصعيد، وخاصة بعد فشل الوساطة الكويتية، فقد أكد وزير خارجية البحرين خالد آل خليفة أن جميع الخيارات واردة الآن في التعامل مع قطر، مشيراً إلى أن "الدوحة لم تعط أي فرصة لنجاح وساطة أمير الكويت وهي تتحمل المسؤولية كاملة عن ذلك".

ومع كل هذه التطورات، حصل ما كان متوقعاً، فخفضت وكالة "ستاندرد آند بورز" تصنيفها الائتماني للديون القطرية الطويلة الأجل درجة واحدة إلى "AA-" من "AA" ووضعتها على قائمة المراقبة الائتمانية ذات التداعيات السلبية، وهو ما يعني أن هناك احتمالا كبيرا لخفض جديد في التنصيف.

وأضافت قائلة "نتوقع أن يتباطأ النمو الاقتصادي ليس فقط من خلال تراجع التجارة الإقليمية بل أيضا تضرر ربحية الشركات بسبب توقف الطلب الإقليمي وتعرقل الاستثمارات وضعف الثقة بالإستثمار".

وبانتظار ما ستأتي به الأيام القادمة، وخاصة مع بوادر تحالفات جديدة، حيث اتفقت قطر مع إيران وتركيا على استيراد المنتجات الغذائية والماء، بالإضافة إلى ترحيب إيران منذ اليوم الأول للأزمة باستخدام الخطوط الجوية القطرية لأجوائها، ولمعرفة المزيد من التفاصيل كان لـ"الإقتصاد" هذا اللقاء مع رئيس الرابطة العالمية لخبراء الإقتصاد في لبنان وعميد كلية إدارة الأعمال والإقتصاد في جامعة الحكمة، البروفيسور ​روك أنطوان مهنا​:

- ما هي التداعيات الإقتصادية المتوقعة في الأيام المقبلة على قطر بعد قطع العلاقات؟

بالتأكيد إن الهدف من قطع العلاقات مع قطر هو الحصار الإقتصادي، وتأثيره سيكون بمليارات الدولارات. عدا قطع العلاقات الإقتصادية وإغلاق المنافذ البرية والبحرية، إذا ألقينا نظرة على التبادل التجاري بين قطر ودول مجلس التعاون الخليج فإنه يشكل نسبة 12%، أي حوالي 10.5 مليار دولار من إجمالي حجم تبادل قطر التجاري مع دول العالم و84% من التبادل التجاري مع البلدان العربية، بحسب أرقام العام 2016.

تستورد قطر بحوالى تسعة عشر مليار دولار من البضاعة الخليجية، ومعظمها من السعودية والإمارات. ومعظم المنتوجات التي تستوردها قطر من هذه البلدان هي منتجات غذائية وحيوانات حية ومعدات وآليات. أما صادرات قطر لدول مجلس التعاون الخليجي فهي أقل، حيث تصل إلى حوالى 5.3 مليار دولار وتشكل 9% من إجمالي صادراتها إلى دول العالم، وتنتج عنها 12% من مجمل إيرادات قطر، لكن الملفت أن 65% من صادرات قطر للدول العربية تتجه إلى السعودية والإمارات.

من خلال الأرقام، يمكننا الجزم أن السعودية هي المنفذ الأهم لقطر على الأصعدة كافة: الأفراد، والشركات والمؤسسات التجارية، فعلى سبيل المثال، معبر أبو سمرا الحدودي الذي يقع بين السعودية وقطر يقطعه حوالي سبع مئة شاحنة يومياً بالإضافة إلى آلاف الزوار.

ولا يمكن أن لا نرى تأثير هذه الإجراءات على الخطوط الجوية القطرية التي بدأت باستخدام الأجواء الصومالية والإيرانية التي ستزيد تكلفتها، بالإضافة إلى إلغاء الرحلات للدول المقاطعة، والأمر نفسه بالنسبة إلى السفن، ما سيؤثر على التنافسية.

وتتضمن التداعيات هبوط البورصة القطرية بشكل أكبر، ما سيؤثر على التصنيف الإئتماني للشركات القطرية وعلى التصنيف السيادي. وفي النهاية، نرى أن الحصار الإقتصادي السياسي يضع قطر في عزلة عن جيرانها وسيكلفها مليارات الدولارات.

- في عدة حالات سبقت كهذه لم يؤدي الحصار الإقتصادي إلى النتائج المرجوة كما كانت الحالة مع روسيا، إلى أي مدى ترى أن قطر ستتمكن من التكيف مع هذا الحصار؟

إن تداعيات هذا الحصار على قطر كبيرة، مهما كان إقتصادها قوياً، مردّ ذلك إلى أن منفذها الأساسي هو السعودية، أي أن موقعها الجغرافي مع هذه المقاطعة سيؤثر جداً على مبادلاتها التجارية وتنافسية منتوجاتها وخدماتها. هذا حصار سياسي إقتصادي بامتياز، وإذا طال ستكون آثاره كبيرة.

- هل ترى أن الأزمة ستطول لتؤثر على تحويلات اللبنانيين أو حتى على وظائفهم؟

طبعاً إذا طالت الأزمة، الإقتصاد القطري سيتأثر ما سيؤدي الى تراجع تحويلات اللبنانيين. برأيي الشخصي، إن قطر لن تصمد كثيراً أمام هذا الحصار إلا في حال نشأت تحالفات جديدة مع إيران أو الصين، خاصةً أن الخطوط كانت مفتوحة من قبل. وفي حال لم تتمكن قطر من ذلك فإن إقتصادها سيضعف، وستضطر الى تقليص عدد الموظفين والبداية ستكون مع غير المواطنين بالتأكيد، ما يشكل خطراً على وظائف اللبنانيين وأعمالهم.

أما على لبنان بشكل عام فذلك لن يؤثر، لأن التبادل التجاري مع قطر ليس على رأس القائمة، ولكن هذا لا يعني أنها ليست شريكاً تجارياً. وحتى اليوم لبنان لم يأخذ أي طرف، والتزم الحياد في هذه الأزمة.