لايزال القطاع المصرفي اللبناني يشكّل الداعم الأكبر للإقتصاد اللبناني، فبعد كل العواصف التي شهدتها المنطقة تمكن هذا القطاع من تحقيق الأرباح والحفاظ على ثقة العملاء.

وفي هذا السياق، سجّلت المصارف اللبنانيّة الستّة المدرجة أسهمها على بورصة بيروت، وهي: "عوده"، و"لبنان والمهجر"، و"بيبلوس"، و"بنك بيروت"، و"بيمو"، و"اللبناني للتجارة"، زيادةً سنويّةً بنسبة 2.20% في أرباحها المجمّعة إلى 315.68 مليون دولار خلال الفصل الأوّل من العام 2017، مقارنةً مع 308.89 ملايين دولار في الفترة نفسها من العام 2016.

ولمعرفة المزيد من التفاصيل حول أداء هذا القطاع وأمور أخرى عديدة كان لـ"الإقتصاد" هذا اللقاء مع كبير الإقتصاديين ورئيس قسم الأبحاث في "بنك عوده"، د. ​مروان بركات​:

- بدايةً، كيف تقيّم أداء القطاع المصرفي في الخمسة أشهر الأولى من العام 2017؟

إن آخر الإحصاءات المصرفية المتوافرة تشمل الفصل الأول من العام 2017 وهي تظهر نشاطاً جيداً للقطاع المصرفي. باختصار، شهد نشاط القطاع المصرفي نمواً مُرضياً في الفصل الأول من السنة مستفيداً، من جهة، من التحسّن النسبي للمناخ السياسي وانعكاسه على الثقة إنما مسجّلاً، من جهة أخرى، مراوحة على مستوى أحجام التسليفات المصرفية في ظل فرص تسليفية ضئيلة.

إنودائع الزبائن، التي تشكّل المحرّك الرئيسي للنشاط المصرفي وتستأثر بنسبة 80% من مجموع الميزانية، حقّقت نمواً سليماً في الفصل الأول من السنة، حيث ازدادت بقيمة 1.9 مليار دولار في الفصل الأول من العم 2017 بعدما كانت قد ارتفعت بقيمة 857 مليون دولار في الفصل الأول من العام 2016. ويُعزى نمو الودائع بنسبة 94% إلى نمو الودائع بالعملات الأجنبية، ما رفع نسبة دولرة الودائع إلى 66.1% في آذار 2017، وهي الأعلى منذ ثلاث سنوات.

وعلى صعيد السيولة المصرفية، وبعدما بلغت السيولة الأولية لدى المصارف الأجنبية مستوى متدنّياً لا يتعدّى 8.5 مليار دولار في آب 2016 (8.3% من الودائع بالعملات الأجنبية)، ارتفعت مجدداً لتتجاوز المستوى الذي عرفته قبل عمليات المقايضة وتصل إلى 13.1 مليار دولار وهو أعلى مستوى منذ ثلاثة أعوام (12% من الودائع بالعملات الأجنبية) في آذار 2017.

في موازاة ذلك، تراجع تعرّض المصارف للمخاطر السيادية بالعملات الأجنبية بالقيمة المطلقة والحصة النسبية منذ بدء عمليات المقايضة التي أجراها مصرف لبنان في منتصف العام 2016. فقد انخفضت نسبة محفظة سندات اليوروبوند السيادية المملوكة من المصارف إلى الودائع بالعملات الأجنبية من 19.7% في حزيران 2016 إلى 15,2% في آذار 2017. ونتج ذلك عن بيع المصارف سندات يوروبوند إلى المستثمرين الأجانب أكثر من أربعة مليارات دولار، بحيث تضاعفت تقريباً محفظة هؤلاء خلال الأشهر التسعة الماضية.

وعلى مستوى نوعيّة الموجودات، لا تزال نسبة التسليفات المشكوك بتحصيلها إلى إجمالي التسليفات مقبولة جداً كونها لا تتعدّى 3.7%، علماً أن تغطية هذه الديون المشكوك بتحصيلها بمؤونات قد تعزّزت هذه السنة لتصل نسبتُها الى 72%، والنسبتان ملائمتان بالمقارنة مع المتوسطات الدولية. في موازاة ذلك، لا تزال رسملة المصارف اللبنانية سليمة، إذ وصلت نسبة الملاءة لديها وفق معايير بازل 3 إلى 14,6% في حزيران 2016 وهي نسبة أعلى من الحدّ الأدنى المطلوب من قبل السلطات النقدية.

باختصار، فإن القطاع المصرفي اللبناني قد شهد تحسناً في النمو هذا العام مع تعزيز لمؤشرات المكانة المالية بشكل عام.

- هل سيستمر تأثير انخفاض أسعار النفط بعد اتفاق "أوبك" الأخير على تحويلات المغتربين التي انخفضت بنسبة 2.3% في العام 2016؟

إن إحصاءات التحويلات المالية للمغتربين اللبنانيين في الخارج باتجاه لبنان ليست دقيقة. وإنما الإحصاءات الدقيقة تعود لمجمل حركة الأموال الوافدة التي تجمع إجمالي تحويلات المغتربين والإستثمارات الأجنبية المباشرة والإتثمارات الخارجية بالأوراق المحلية بالإضافة إلى الإيرادات السياحية. في الفصل الأول من العام 2017، بلغت الأموال الوافدة تلك 4.8 مليار دولار وقد عوّضت عن العجز التجاري المتنامي، ما حوّل ميزان المدفوعات من عجز بقيمة 644 مليون دولار في الفصل من العام 2016 إلى فائض بقيمة 555 مليون دولار في الفصل الأول من العام 2017.

إن توقعاتنا للعام 2017 ككل تشير إلى نمو في حركة الأموال الوافدة بنسبة 20%، ونمو في الكتلة النقدية بنسبة 7%، بالتوازي مع نمو في الودائع المصرفية بقيمة عشرة مليار دولار، مع الإشارة إلى أن نتائج الفصل الأول من هذا العام تتماشى مع هذه التوقعات السنوية عند التصحيح من العوامل الموسمية.

- توقع "البنك الدولي" أن يسجّل لبنان نموّاً بنسبة 2.5% في العام 2017، هل ترى هذه الأرقام واقعية؟

نرى أن هنالك فرصاً لتحقيق تحسن صافٍ في نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي هذه السنة وأن نتائج الفصل الأول من العام تتماشى مع هذا الإتجاه. فقد شهد الإقتصاد اللبناني تحسناً طفيفاً في الأشهر الأولى من العام 2017 إنطلاقاً من قاعدة متدنية، كمايؤكده نمو أسرع في المؤشر الاقتصادي العام الصادر عن مصرف لبنان والذي يشير إلى تحسن في نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي هذا العام. فقد نما متوسط المؤشر الاقتصادي العام بنسبة 4.3% في الفصل الأول من العام بالمقارنة مع الفصل الأول من العام 2016، مقابل نمو بنسبة 2,6% في الفترة ذاتها من السنوات الثلاث السابقة.هذا ويشير نموالواردات الحقيقية بنسبة 8 في الفصل الأول من العام، والمصحّحة من تقلبية أسعار العملات وأسعار النفط، إلى بعض التحسنفي الطلب الإجمالي على السلع. في الواقع، يبيّن تحليل مؤشّرات القطاع الحقيقي أنها ارتفعت بأكثريتها في الفصل الأول من العام 2017،إذ ارتفعت تسعة مؤشرات من أصل أحد عشر مؤشّراً للقطاع الإقتصادي الحقيقي.

إن تحسن النمو الإقتصادي قد يكون مدفوعاً بشكل رئيسي بحركة الإستثمار الخاص التي شهدت حالة من الترقب على مدى السنوات القليلة الماضية، والتي كانت قدأدت إلى انخفاض تدريجي في معدل تكوين رأس المال من 31% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 23% في العام الماضي. إن توقعاتنا للعام 2017 تفترض نمواً في الإستثمار الخاص بنسبة 15% مدفوعاً بتحسن في بنية المخاطر السياسية للبلاد، والتي من شأنها رفع معدل تكوين رأس المال مجدداً بحيث أن اللبنانيين قد يتخذون المزيد من المبادرات الاستثمارية التي كانت قد تأجلت خلال السنوات القليلة الماضية.

هذا وإن تحسن مناخ الإستثمار قد يترافق مع نمو لافت في حركة الإستهلاك الخاص والمدفوع بنمطاستهلاكي أفضل من جانب اللبنانيين المقيمين، وبتوافد متزايدللبنانيين غير المقيمين، إضافةً إلى تحسن تدريجي مرتقب في الموسم السياحي بشكل عام. على هذا النحو، فإن الاستهلاك الخاص قد ينمو بنسبة 7% سنوياًبالقيم الإسمية ليستحوذ على الجزء الأكبر من تكوين الناتج المحلي الإجمالي.

من هنا، وفي حين أن تحقيق مثل هذا السيناريو يمكن أن يكون عرضة لبعض المخاطر الكامنة، إلا أننا نعتقد أن هذه المخاطرقد تقلّصت مؤخراً وأن الفرص الماكرو اقتصادية تتجاوز التهديدات المحتملة في الأفق المنظور، ما قد يمهد الطريق لتجسيدٍمحتمل للتوقعات الإقتصادية العامة.

- أطلق "بنك عوده" يوم أمس بالتعاون مع "جمعية تجار بيروت" و "MIT Enterprise Forum" مسابقة"Grow My Business" للشركات الصغيرة والمتوسطة، إلى أي مدى يسهم هذا النوع من الشركات في الإقتصاد اللبناني اليوم وما هي الأهمية التي توليها المصارف في لبنان له؟

يأخذ التمويل المصرفي للقطاع الخاص حيزاً مهماً في لبنان، خصوصاً في ظل العلاقة العضوية الوثيقة بين النمو الإقتصادي الفعلي ونمو محافظ التسليف، حيث إن معامل الإرتباط بين نمو محفظة التسليف والنمو الفعلي للنتاج المحلي الإجمالي يفوق 60%، ما يظهر أهمية موجات التسليف المصرفي والتي تشكل الشريان الحي للدورة الإقتصادية في لبنان. من هنا، فإن السيولة الفائضة بالليرة التي خلفتها الهندسات المالية الأخيرة من قبل مصرف لبنان وفّرت المناخ الملائم لتحفيز النشاط التسليفي بشكل عام، لاسيما التسليف بالليرة اللبنانية الذي يسهم في إعادة دور الليرة اللبنانية كأداة إقراض بعد أن استعادت أدوارها الأخرى كأداة تداول ووحدة محاسبة وأداة ادخار. واللافت في هذا السياق تسليف المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي لا تتمتع بتغطية مصرفية مرتفعة وهي التي تشكل زهاء 90% من عدد مجموع المؤسسات والشركات العاملة في لبنان وتسهم بحوالى 82% من الوظائف وفرص العمل المُتاحة، وبالتالي من شأن دعم هذه المؤسّسات أن يساعد في تطوير أعمالها وضمان استمراريّتها، ما يؤدّي إلى استحداث فرص عمل وإلى ازدهار هذه الفئة من الأعمال بمختلف قطاعاتها.

في هذا السياق، وفي إطار سعي بنك عوده الدائم لتلبية حاجات عملائه ودعم نشاط المؤسسات والشركات العاملة في لبنان وتعزيزها،وتوفير الخدمات المناسبة لها، حظيت الشركات الصغيرة والمتوسطة مؤخراً بمنتجات جديدة طوّرها بنك عوده تمحورت بشكل خاص حول توفير قروض بقيمة إجمالية تناهز 1,000 مليار ليرة، وهي تشمل كل أنواع الأعمال من الحرف التقليدية إلى المهن الحرة والشركات الناشئة المتخصصة بالتكنولوجيا الرفيعة مروراً بقطاع الأغذية والمشروبات وغيرها. ومن شأن هذه المبادرة أن تسهم وفق تقديراتنا بنسبة لا تقل عن 0.5% في النمو الإقتصادي اللبناني، وخلق ما يقارب 5000 فرصة عمل، ناهيك عن المساهمة في خفض نسبة دولرة التسليفات بشكل عام.