في اكثر من مناسبة بادر رئيس الحكومة سعد الحريري الى الطمأنة بان حكومته وضعت امامها اولوية حماية ​الصناعة​ الوطنية والحد من المنافسة غير المتكافئة، بالحدود التي تسمح بها التزامات لبنان الدولية والاتفاقيات التي وقعها . موقف الرئيس الحريري هذا لا يأتي فقط كردة فعل على ما يشكو منه الصناعيون اللبنانيون الذين يدقون ناقوس الخطر محذرين من تداعيات سقوط هذا القطاع الذي يسمح بتكبير حجم التوظيفات حيث انكل وظيفة في القطاع الصناعي توفر 2.2 فرصة عمل في القطاعات الاخرى وفق ما يذكره رئيس جمعية الصناعيين الدكتور فادي الجميل بل لانه اكثر من ذلك ،الصناعة تحرك وتشغل سائر القطاعات التجارية والخدماتية والنقل على مختلف المستويات، لاسيما البري والبحري الذي يفرض كلفة مرتفعة، والمصارف وشركات الاعلان وغيرها...اضف الى ذلك، الى دور القطاع في تخفيض العجز في الميزان التجاري والذي لولاه كان ليرتفع من 19 مليار دولار الى 22 مليارا تقريباً.

منذ اكثر من 5سنوات والصناعة بدأت المعاناة بعد تراجع قيمة الصادرات خلال السنوات الأربع الماضية من 4.4 مليار دولار الى 2.8 مليار دولار، وارتفاع الواردات الى حدود الـ 19 مليار دولار.واللافت ان تم الاستيعاض عن تصدير البضائع والمنتجات بتصدير الشباب اللبناني المتعلم بعدما وصلت نسبة البطالة الى 36%.

وكما يشكو الصناعيون، تشكو وزارة الصناعة أيضاً من صلاحياتها المحدودة جداً في المعالجة.

وزير الصناعة حسين الحاج حسن يقر بالتنسيق الدائم والتعاون الوثيق القائم مع الوزراء المعنيين، سيما وان الحلول للمطالب الصناعية تبقى أكثر في نطاق صلاحيات وزارات المالية والاقتصاد والتجارة والصحة.

ويحدد ان الهدف الذي يعمل على تحقيقه هو تخفيض الواردات 2 مليار دولار، وزيادة الصادرات بالقيمة ذاتها. ان فرض الرسم النوعي هو الحل. ولقد تقدّمت وزارة الصناعة بالتنسيق مع الجمعية بـ 15 ملفاً لدعم 15 سلعة وطنية تتعرض للاغراق والمنافسة غير المشروعة. وهناك 5 ملفات اضافية قيد التحضير.

كما هو واقع الحال ، الصناعة ليست بخير في هذه المرحلة . ولكنها اثبتت دورها القوي في انقاذ الاقتصاد بغياب القطاعات الاخرى في حقبات عدة.

ومع أنه لا يجوز الزعم بأن الدولة لا تولي الصناعة اهتماماً فإن هذا الاهتمام ما زال دون المستوى المطلوب. وكانت السياسة المعتمدة شبه محايدة باعتبار أن الصناعة هي شأن القطاع الخاص والمبادرة الفردية. إلا أن التحديات والتهديدات الناجمة عن الحرب وغيرها فرضت على الدولة عبر الوزارات المختلفة وخصوصا ً وزارة الصناعة اتخاذ جملة من التدابير الداعمة للصناعة، إن عبر تأهيل وبناء بعض مشاريع البنى التحتية، أو المسح الصناعي، والعمل على تخفيض بعض الرسوم الجمركية على الواردات الصناعية، وتقديم بعض الدعم للصادرات الصناعية والمساعدة في تأمين بعض القروض، ومشروع دعم الفوائد بنسبة 5%، وتقديم بعض الخدمات الاستشارية وكفالة بعض القروض للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. إن هذه التدابير تعزز وضع الصناعة لكنها غير كافية في ظل التغيرات المعاصرة واتساع حدة المنافسة في العالم وفي داخل لبنان.

لبكي

الصناعة اللبنانية عاشت العصر الذهبي ما بين الاعوام 1965 و1975 . وهناك عدة عوامل ساهمت في هذه الثورة وفق ما قال دكتور العلوم الاقتصادية بطرس لبكي لـ"الاقتصاد" اهمها:

- التحوّل التدريجي في استبدال المستوردات الصناعية بالصناعات المحلية بعد تحسن النوعية.

- اغلاق قناة السويس وارتفاع اسعار المستوردات من الدول الاوروبية الى دول الخليج بسبب ارتفاع اسعار النقل مما افسح في المجال امام المنتوجات اللبنانية لتحقيق المنافسة والدخول بسهولة الى هذه الاسواق.

- ارتفاع حجم فاتورة الاستيراد من قبل الدول العربية المصنعة للنفط للمنتوجات اللبنانية بعد ارتفاع مداخيلها بفعل ارتفاع اسعار النفط .

واذ لفت الى التحوّل العكسي واهمها ارتفاع تعرفة النقل البحري بعد تعثر النقل البري واقفال المعابر بفعل الحرب السورية الى جانب تراجع قيمة مستوردات بلدان الخليج بفعل انخفاض سعر برميل النفط ، اشار لبكي الى سلة اجراءات للنهوض بالقطاع تتلخص ب:

توسيع السوقين الداخلية والخارجية.

- وتخفيض كلفة الإنتاج، وتحسين النوعية.

التحسين النوعي والكمّي للعمالة اللبنانية.

توفير التسليف المناسب للمؤسسات الصغيرة وتلك التي في الأطراف.

- وتوفير دعم خاص لبعض الصناعات كتلك التكنولوجية والغذائية والمبنية على الذوق الرفيع.

ولم يغفل لبكي تداعيات الوجود السوري في لبنان على الصناعة اللبنانية وهو سيف ذو حدين حيث انه الى جانب المنافسة الشديدة وغير المشروعة من قبل النارحين السوريين عن طريق إنشاء مؤسسات صناعية غير شرعية واغراق السوق اللبناني بالمنتجات السورية ، فضلا عن إبعاد اليد العاملة اللبنانية لصالح اليد العاملة بأجور ادنى فإن بعض الصناعات استفاد من هذا الواقع .ويشار هنا الى انه وفق رئيس اتحاد الغرف اللبنانية رئيس غرفة بيروت وجبل لبنان محمد شقير ثمة 12 مصنع محارم ورقية و 50 مطبعة انشأها السوريون بشكل غير شرعي في لبنان.

" اليوم لن نسكت على موت بطيء يضرب جسد قطاعنا الصناعي، لن نسكت عن مسلسل اقفال المصانع، لن نسكت عن استمرار تراجع الصادرات الصناعية، لن نسكت عن تقلص حصة الصناعة الوطنية في السوق الداخلية. ولن نسكت عن مؤسسات غير شرعية تفرّخ كالفطر في المناطق كافة من قبل النازحين لتحل مكان مؤسساتنا الشرعية التي بناها اجدادنا وآباؤنا بعرق جبينهم، لتموت في ليلة ظلماء. لم يعد بمقدورنا السكوت عن دول شقيقة أو صديقة لا تعاملنا بمثل ما نعاملها، فأبواب لبنان مفتوحة لاستيراد منتجاتهم فيما صناعتنا تواجه بعراقيل لا تنتهي" .

هذه الصرخة اطلقها الجميل مؤخراً بحضور الوزيرين الحاج حسن ورائد خوري وزير الاقتصاد واضعا رزمة اجراءات ملحة، تسريع تطبيقها ينقذ القطاع وهي تتلخص ب:

فرض رسوم حمائية على السلع المنافسة للمنتجات اللبنانية، لاسيما وان هكذا قرار لا يتعارض مع الاتفاقات التجارية الموقعة مع لبنان.

رفع نسبة الرسوم الجمركية المعمول بها راهنا قبل الانضمام الى منظمة التجارة العالمية.

- بدء مفاوضات جدية مع الشركاءالتجاريين الاساسيين الذين يستورد منهم لبنان بمليارات الدولارات فيما لا يصدر اليهم سوى عشرات الملايين، لإعطاء المنتجات الوطنية الأفضلية لزيادة الصادرات الى اسواقهم.

- اجراء مفاوضات مع الدول الشقيقة والصديقة التي تربطها بلبنان اتفاقيات تجارية وكذلك علاقات تجارية قوية، لجهة تنفيذ كل مقتضيات هذه الاتفاقيات وعدم الاستنسابية التي تحرمه الكثير من الميزات التجارية التي تتضمنها هذه الاتفاقيات.

- المباشرة فورا بإقفال كل المصانع غير الشرعية التي انشأها النازحون السوريون في كل المناطق اللبنانية.

- مطالبة المنظمات الدولية وكل الجهات التي توفر الامدادات للنازحين السوريين ان يعطوا الاولوية في مشترياتهم للمنتجات اللبنانية، بدلا من استيراد معظم هذه السلع من الخارج.

- المباشرة فورا بخطة لتحفيز الصادرات الصناعية لإستعادة ما تمت خسارته من صادرات في السنوات الاخيرة والتي وصلت الى نحو مليار و200 مليون دولار...

كلها اجراءات كفيلة بمهمة الانقاذ، ولكن فعاليتها تبقى بسرعة تطبيقها كرزمة واحدة ضمن ارادة سياسية جامعة مساعدة على بقاء الصناعي في ارضه وعلى توفير فرص عمل جديدة ، فلا تبقى الصناعة حسرة الماضي وصرخة الحاضر و غصة المستقبل .