عقد في مقر الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان ندوة تحت عنوان "دفاعا عن ​الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي​، وحماية حقوق المضمونين"، في حضور عدد كبير من رؤساء الاتحادات والنقابات وممثلين عن قوى سياسية وحضور لافت لعدد من موظفي الضمان الاجتماعي وعدد كبير من العمال والمهتمين.

واشار بداية رئيس الاتحاد الوطني للنقابات النقابي كاسترو عبد الله، الى أن "الضمان الاجتماعي أنشئ وتحقق بتضحيات ونضالات العمال ومن نقابيين سابقين دفعوا عرقا ودما وجهدا من أجل إنجازه. وهو ما زال يتعرض، ومنذ تأسيسه لأكبر هجمة شرسة من أجل تخريبه وإفلاسه وإقفاله لصالح الشركات الخاصة وشركات التأمين"، آملين أن تكون هذه الندوة "خطوة نحو إطلاق الإنذار الأول لعملية المواجهة والتي ستكون طويلة دفاعا عن المضمونين وأمنهم الاجتماعي والاقتصادي والصحي".

وفي ما يتعلق بالأمن الاجتماعي والصحي للمضمونين، فقد اعتبرالعضو السابق في مجلس إدارة الصندوق النقابي جهاد المعلم، أن "أهم ركيزة من ركائز الاستقلال الوطني هو المحافظة على مؤسسة اسمها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وبالتالي فإن الكلام عن مؤسسة الضمان الاجتماعي اليوم، يوازي الكلام عن الاستقلال الوطني بكل معانيه. لأن الإنسان الذي ليس لديه استقرار اقتصادي واجتماعي، لن يتمسك ببلده ولن يدافع عنه ولن يشعر بالانتماء الحقيقي له".

وتابع: "وفي سياق تاريخي، لظروف تأسيس الضمان الاجتماعي والمراحل التي قطعها، والعراقيل التي واجهته، وقبيل تأسيسه رسميا، كان هناك أشكال عدة سابقة على قانون الضمان الاجتماعي، تمثل بإنشاء العمال لجمعيات تعاونية في مؤسساتهم، كما نجد أيضا في المرسوم الاشتراعي رقم 25/أ.ت/43 اجازة دفع التعويضات العائلية للعمال وآليات هذا الدفع. وبفضل دور الاتحاد العام لعمال لبنان برئاسة رئيسه مصطفى العريس، وبنضالات الطبقة العاملة التي طرحت شعارات الضمان الاجتماعي وقانون العمل أعلن عن تأسيس الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، الذي تضمن فروعا ثلاثة، (التعويضات العائلية، تعويض نهاية الخدمة، المرض والأمومة)، أما فرعي التقاعد والحماية لتطبيق طوارئ العمل، فلم ينفذا حتى الآن رغم الوعود الجدية والكثيرة. وبهذا يكون قد شكل إقرار قانون الضمان الاجتماعي وإنشائه، خطوة متقدمة نحو تحرر العمال من سلطة صاحب العمل وقفزة نوعية باتجاه منحهم حيزا من الحرية بعيدا عن سلطة صاحب العمل وبتعزيز الحريات النقابية والانخراط في صفوفها".

واضاف: "ولليوم، ومع تعاقب العهود الرئاسية والحكومات، ترك كل عهد فيها بصمة سلبية تصيب العصب الأساس لهذه المؤسسة الوطنية الكبرى، فلا يكاد يمر عهد رئاسي أو حكومة إلا وكان من بين أولويات بيانهم الوزاري، كيفية تآكل جزء من هذه المؤسسة؛ إن وقف مساهمة الدولة في تمويله، وعدم دفع مستحقات الدولة عن أجرائها، أو بإعفاء المؤسسات من رسوم التأخير والاشتراكات، وعدم احترام القوانين وتعطيل وضرب بعض المواد القانونية ذات الصلة، أو بتشغيل الأموال بفائدة 0%... حتى وصلت الأمور الى آخر حصن من حصون لضرب التوازن المالي فيه، وهو إعفاء المؤسسات من موجب "براءة الذمة" إلا في حالات استثنائية جدا، يسهل تجاوزها والتهرب منها بسهولة".

وختاما حيا المعلم، "الاتحاد الوطني على مبادرته ودوره في حين تخلى العديد من الاتحاد العمالي العام عن هذا الدور، وإننا بما نمثل وما نمثل، نعاهد العمال والمضمونين والشعب اللبناني، بأننا سنكون معهم والى جانبهم، دفاعا عن الضمان الاجتماعي وحقهم بالعيش بكرامة".

أما عضو مجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي فضل الله شريف، فقد بدأ مداخلته بالقول: "ننطلق في منهج عملنا على قاعدة توفير مزيد من العدالة الاجتماعية، ونضع في رأس هذا المنهج وضع قانون للضمان الاجتماعي على مراحل".

ثم توقف في حديث مطول ومسهب عند "بعض المحطات التاريخية لتأسيس الضمان الاجتماعي وظروف نشأته، وبدايات ومراحل التآمر عليه، وآليات العمل الممنهج لضربه وإلغائه، كما أساليب الدفاع عنه، مرورا ببعض المواقف المشرفة لعدد من رؤساء الجمهورية السابقين، فؤاد شهاب، الذي وضعت في عهده النواة الأولى لهذا القانون عام 1961، أما الرئيس الياس سركيس الذي أقرت أيضا بعهده آلية صارمة لتحصيل أموال الضمان، باعتبارها ديونا ممتازة، فكان لهذا الأثر الإيجابي على حصانة هذه المؤسسة، وديمومة عملها حتى اليوم. الى حين وضع التساؤلات، علانية، بعدم جدوى وجود الضمان وضرورة إلغائه، لصالح الشركات الخاصة وشركات التأمين المملوكة بمعظمها من أهل السلطة، والأخطر ما في الموضوع الآن، هو أن هذه الآلية الصارمة لتحصيل ديون الضمان الممتازة، هي نفسها المادة 65، التي تدرس في مشروع قانون موازنة العام 2017، وستلغى بموجبها وبقانون صادر عن مجلس النواب؛ آلية تحصيل ديون الضمان الممتازة، وليسقط معها آخر معقل من معاقل الحصانة الاجتماعية للمواطنين".

وختم: "هناك خطورة حقيقية تهدد الضمان الاجتماعي، وتهدد معه الأمن الوطني والسلم الأهلي، وضرورة التحرك بسرعة لإنقاذه، وكل كلمة أعني بها صدقا ومسؤولية، وهي موثقة رسميا، إن كان بالمحاضر الرسمية، أو المعايشة اليومية، التي شاءت الظروف أن اشهد على معظم فصول المؤامرات التي تحاك ضده، وبالتسلسل التاريخي الممنهج لكل خطوة من شأنها إلغاء الضمان الاجتماعي، إن هناك عقلا شيطانيا يعشش في وزارة المال وفي السراي الحكومي، صدقا ما نلمسه فعليا، أن هناك كرها للفقراء وحقدا وضغينة عليهم، وأنه لا تجوز عليهم العناية الطبية والاجتماعية، أو معاملتهم على أساس المواطنية والإنسانية"، ودعا الى "ضرورة التحرك الضاغط والسريع لإنقاذ هذه المؤسسة، فسقوط الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي هو سقوط لآخر معاقل الأمن الاقتصادي والاجتماعي لهذا الوطن".

بعد ذلك، كان نقاش معمق وتفصيلي من الحضور. 

وفي الختام، وبعدما اتضح وجود مخاطر حقيقية داهمة، لا بد من التصدي لها بكافة الأساليب والأشكال المتاحة، تعهد الاتحاد الوطني بالأخذ بحيثيات ما ورد في هذا اللقاء، ووعد بتكرار هذه اللقاءات وتزخيم عملية المواجهة وتفعيلها.