لاشك إن الاطماع التي تحيط بالمياه وشحّ مصادرها وضعف تقنياتها تستدعي اعلان حالة طوارئ واعداد دراسات عاجلة على مستوى توحيد الرؤية والقرار.

والغريب انه رغم تسارع الدول الى استيعاب خطر شح المياه وتداعياته على مستوى عقد قمم ومنتيات دولية ينهمك المسؤولون في لبنان في الاستعداد للبحث عن ثروة نفطية بعدما تفوّقوا في هدر ثروة مائية يمتلكونها.

تكمن ازمة المياه في لبنان في ضعف الإدارة السليمة لهذه الثروة الحياتية، وفي تضارب المصالح الفردية والسياسية في اعداد المشاريع. والاخطر ان تلوث المياه اليوم المنتشر اصبح مصدراً لكثير من الامراض السرطانية.

ومع الغياب الرسمي المتمادي عن اهمية ودقة هذا الملف ، علم ا ن مجموعة تضم 45 رجل اعمال في ملتقى التأثير المدني قد مولت دراسة هي بمثابة مشروع قانو ن اعدت بمساعدة نقابة المحامين في بيروتوهي تتناول انشاء مؤسسة عامة ترعى شؤون المياه في لبنان بكل جوانبها ،سيتم تقديمها الى مجلس النواب الجديد المرتقب.

كلفة الدراسة هي بحدود ال 200 الف دولار وهي تشمل توحيد مصادر المياه في لبنان و مصالحها المتعددة .

على صعيد المصادر، هناك عدة مصادر للمياه في لبنان اهمها متساقطات الامطار بنسبة 90%. ووفق الارصاد تقدر هذه المتساقطات ب 10مليارات متر مكعب سنوياً ، لا يتم استهلاك سوى نسبة 30% منها والباقي يذهب الى البحر. فيما انه في اسرائيل يتم استهلاك 80 % من منها من اصل 7 مليارات متر مكعب سنويا من المتساقطات .

واذا كان الحل بإنشاء السدود فان اللجوء اليها في لبنان وفق بعض المصادر المطلعة لا يتم بشكل علمي وواف خصوصا وان قسما ً منها يهدد البيئة والتربة معاً.

كما هناك قسم من المياه يذهب الى المجارير بعيدا عن الصرف الصحي .فمن المعلوم ان مصادر المياه في لبنان تعرضت لكل أنواع التلوُّث بسبب غياب شبكات الصرف الصحي عن مناطق وجودها. وفي حال تم تنفيذ البعض منها فإن انعدام أعمال صيانتها ومراقبتها بالإضافة إلى عدم ربطها بمحطات التكرير يزيد من أسباب التلوث بالإضافة إلى المكبّـات العشوائية واستخدام الأسمدة والمبيدات ورمي الزيوت والمحروقات في طبقات المياه الجوفية والأنهار والبحر.

ترشيد الاستعمال وإشراك القطاع الخاص

وتركز الدراسة على اهمية ترشيد استعمال المياه عبر تركيب العدادات التي تراعي حاجة كل مستهلك .

كما تلفت الى اهمية اشرك القطاع الخاص في اعمال الاستثمار والرقابة على المياه، حيث هناك عدد كبير من الشركات الكبير ة التي تبدي رغبتها في الاستثمار في قطاع المياه.

من المتعارف عليه ، إن النمو السريع للسكان سوف يؤدي إلى الضغط على الموارد المائية وإلى اختلال التوازن بين الموارد المتاحة، والطلب عليها ما سيشكل انخفاضا في نصيب الفرد من الموارد المائية في لبنان مثلا من 1533 مترا مكعبا سنة 1990 إلى 767 مترا مكعبا سنة 2025 في عجز مائي كبير حسب دراسة وضعتها منظمة الاسكوا.

وان الإحصاءات الرسمية الأخيرة تحدِّد عدد السكان المقيمين في لبنان للعام 2005 بحوالى 4.8 ملايين نسمة مع نسبة النمو السكاني السنوي التي تقدَّر بحوالى 2.7%، فيما يقدَّرمجموع كمية الطلب على مياه الشرب والصناعة وفق المعايير المعتمدة من قبل وزارة الطاقة والمياه وتقارير البنك الدولي بـ 300 ليتر /نسمة/يوم. أما بالنسبة إلى الطلب على مياه الري فإن المساحة المروية العام 2008 هي 100.000 هكتار بحسب إحصاءات منظَّمة الاغذية والزراعة ووزارة الزراعة، بالاضافة إلى أن المساحة المتوقّع ريّها حتى العام 2050 هي 280.000 هكتار.

كيف تتم المواجهة على المستوى الرسمي؟

من جهتها ، حددت وزارة الطاقة والمياه الحاجة إلى مياه الريّ بما فيها الهدر في شبكات الجر والتوزيع كالآتي:

10.000 متر مكعب للهكتار في السنة للعام 2000

8.000 متر مكعب للهكتار في السنة للعام 2015

6.000 متر مكعب للهكتار في السنة للعام 2020

وإستنادًا إلى هذه المعطيات، عمدت إلى احتساب الميزان المائي في لبنان وإدارة الطلب لسنة 2005 و2030 لمجمل القطاعات كالآتي:

العام 2005 : ري : 900 مليون م3

صناعة : 150 مليون م3

شفة : 501 مليون م3

المجموع : 1.55مليار م3/سنة

العام 2030 : ري : 1800 مليون م3

صناعة : 293 مليون م3

شفة : 975 مليون م3

المجموع : 3.068 مليار م3/سنة

بالنظر إلى العجز الكبير الذي يشهده لبنان حاليًا والأرقام والوقائع المبينة للعجز المستقبلي (العام 2030) والذي قدر بـ 1660 مليون م3، وضعت المديرية العامة للموارد المائية والكهربائية في وزارة الطاقة والمياه خطة عشرية ترتكز على تأمين موارد مائية إضافية من خلال بناء السدود والبحيرات الجبلية وبتغذية المياه الجوفية بالإضافة إلى اعتمادالتقنيات الحديثة. وكانت المبرّرات الانمائية لانشاء السدود والبحيرات هي الآتية:

1. تخزين الكميات الممكنة من مياه السيلان السطحي في فصل الغزارة وتقدّر بحوالى مليار متر مكعب في السنة نظرًا إلى الطبيعة الجغرافية والطوبوغرافية والجيولوجية اللبنانية، لاستخدامها في فترات الشحائح ، وبالتالي التخفيف من استعمال مخزون المياه الجوفية الذي يجب أن يبقى مخزونًا استراتيجيًا يستعمل في حالات الحاجة الاستثنائية فقط.

2. زيادة نسبة تغذية الطبقات الجوفية من مياه السيلان السطحي.

3. ترشيد استخدام مصادر المياه والتخفيف من كلفة الطاقة المستعملة في الضخ.

4. اعتماد تقنيات الري الحديث مثل التنقيط أو الرش بغية ضبط الهدر وإيجاد وفر في كمية المياه المستعملة، واستعمال العدَّادات وقساطل في تنفيذ مشاريع الري.

5. إعادة استعمال المياه المبتذلة بعد تكريرها (تكرير كيميائي) لأغراض الري.

6. إدارة المياه بمفهوم الإدارة المتكاملة وإعادة تنظيم المؤسسات المائية وفق هذا المفهوم الجديد.

7. إستعمال المياه بالتقنيات غير التقليدية في بعض المناطق اللبنانية، وذلك بتخزين الثلوج في المناطق الجبلية ودرس إمكان تحلية مياه البحر واستعمال الينابيع العذبة التي تنبع في بعض المناطق اللبنانية، من دون اللجوء إلى كلفة إضافية بالضخ.

8. إيجاد مصادر للمشاريع العديدة المنفَّذة بكلفة باهظة من دون تأمين المصادر مسبقًا.

9. اعتماد نظام معلوماتي لقياس كمية تصريف مياه الأنهر في لبنان والأحواض الجوفية.

10. ضبط الفيضانات على المجاري المائية الرئيسة والتخفيف من الأضرار الناتجة عن

وفي خطوة خجولة لتداعيات التغيّر المناخي العالمي التي تؤثر على كمية المتساقطات السنوية ما وسّع فترات الشح على مدى الفصول الاربعة وساهم في انخفاض نسب تدفق الينابيع والآبار الجوفية، اقرت الحكومة اللبنانية بتاريخ 9/3/2012 الاستراتيجية الوطنية لقطاع المياه تحت شعار "المياه حق لكل مواطن وثروة لكل الوطن"، التي أعدّتها وزارة الطاقة والمياه على عهد الوزير جبران باسيل. وأطلقت هذه الاستراتيجية مبادرات عدة لادارة قطاع المياه أهمها:

- الاستفادة من الينابيع المتجددة بطريقة مثلى عن طريق تحسين كفاءة هذه الينابيع بقيمة100 مليوندولار.

- التغذية الاصطناعية للطبقات الجوفية وهي ممكنة من الناحية التقنية في مواقع كثيرة في البلاد بقيمة130 مليون دولار.

- التخزين السطحي: عن طريق تحديد 46 موقعا مناسبا للتخزين السطحي في المناطق اللبنانية. وقد انطلق تنفيذ السدود كسدّ المسيلحة وبلعا وبقعاتا وجنة والقيسماني، وسيوفر التخزين السطحي وفق الوزارة اكثر من 500 مليون مترا مكعبا تضاف الى المخزون المائي الوطني بقيمة 2 ملياردولار.

- استبدال أنظمة نقل وتوزيع مياه الشفة التي تعدت عمرها الافتراضي وأصبحت تسبب هدرا تقنيا يصل في بعض الأحيان الى 40% وبناء خزانات جديدة بالاضافة الى تنفيذ مشروعي جرّ الأولي - بيروت وخط الـ 800 بقيمة مليار و700 مليون دولار.

-اصلاح واستبدال منظومات وشبكات الري واضافة 15000 هكتار من المساحات المروية عبر مشاريع ري البارد والعاصي ويونين والجنوب والبقاع بقيمة370 مليوندولار.

- تنفيذ المخطط التوجيهي للصرف الصحي عبر جمع ومعالجة ما لا يقل عن 90% من المياه المبتذلة بحلول عام 2020 بقيمة ملياري دولار.

في الخلاصة ، يعتبر حجم الانفاق على المياه ا كثر من جدوى اقتصادية، خصوصاً وان التاريخ سجل في صفحاته ان الاستيلاء على مصادرها كان ابرز اسباب الحروب ومطامع الشعوب قبل ان يستجد موضوع النفط . ولكن ضعف الرؤى الاستراتيجية والفساد الغبي حوّل الاهتمامات بثروات مائية اكيدة الى ثروات اخرى نفطية دفينة، بعد فشل في ادارة الاولى والحفاظ على الذهب الازرق .

فكيف ستنجح السلطات في ادارة الثروة النفطية بعد فشلها في مسك الثروة المائية؟