توقع مدير المالية العام آلان بيفاني "أن يرتفع النمو الإقتصادي إلى 2.5% هذه السنة"، وأن يبلغ العجز نحو 8.5%، وكشف في ندوة أقامتها جمعية "الصوت الثالث لأجل لبنان" في فندق "سوفيتيل لو غابرييل" في الأشرفية مساء أمس، أن الفصل الأوّل من السنة "شهد رصيدا إيجابيا في ميزان المدفوعات بقيمة 550 مليون دولار"، وأن "ثمة مؤشرات إلى إمكانية عودة تدفقات الأموال باتجاه لبنان إلى مستويات ما قبل الأزمة السوريّة مع دخول ملياري دولار" خلال الفترة نفسها، مشيراً إلى أن "مستويات البطالة تتراوح بين الـ20 والـ22 في المئة لدى الشباب".

وبعد كلمة ترحيبية لرئيس "الصوت الثالث" جهاد فغالي، تولّى العضو المؤسس في الجمعية سيرج شوليكا التعرّيف بأهدافها وأنشطتها، وقال إن هذه الندوة تندرج ضمن سلسلة ندوات "الصوت الثالث".

ثم تحدث بيفاني عن "وقع السياسة المالية على النمو والاقتصاد"، فقال إن "المكوّن الأول لتقييم للوضع السيادي اللبناني هو المكوّن السياسي، وفي هذا المجال خطَا لبنان خطوات كبيرة في إعادة تكوين الدولة والسلطات، فعاد الحديث عن الموازنة العامة والحسابات المالية وكل ما يفترضه الدستور اللبناني".

وأضاف: "أما في ما خص وضع الاقتصاد الكلّي، فإنّ النمو في لبنان محدود رغم أنه سيرتفع إلى 2,5 في المئة هذه السنة. ومع أن نسبة النمو أفضل من العام الفائت، يبقى هذا النمو منحسراً مقارنة مع نمو الدين ومستوياته والعجز الذي نراكمه من دون أن تكون لدينا القدرة على الدخول في مرحلة مستدامة من الفوائض الأوّلية". ولاحظ أن "النمو الذي شهده لبنان في الأعوام 2008 و2009 و2010، وبلغ نسبة 8 و9% سنوياً، لم يثمر تحقيق أكثر من نصف بالمئة زيادة فرص عمل، مما يدل على مشكلة إنتاج فرص عمل في الاقتصاد اللبناني وتمركزه في قطاعات قليلة جداً وعدم إمكان تحفيز الاستثمارات في قطاعات معيّنة بحيث تتيح خلق فرص عمل وعدم إمكان جلب استثمارات خارجية لهذه القطاعات".

وتابع بيفاني: "أنظمتنا تحفّز أحياناً الريع على حساب الاستثمار. فمثلاً الضريبة على الفائدة هي 5 في المئة والضريبة على الأرباح الاستثمارية هي 10 في المئة، وبالتالي هذا يحفّز الأشخاص على ألاّ يستثمروا أموالهم. وإذا استثمر شخص في قطاع منتج وخلق فرص عمل وقيمة مضافة في السوق يدفع 15 في المئة ضريبة دخل و10 في المئة ضريبة توزيع، أما إذا اشترى بالأموال نفسها عقاراً وباعه، فلا يدفع أيّ ضريبة".

وشدد على ضرورة "تطوير إمكانات الاستثمار والخروج من كل ما يعاقب العمل والاستثمار مقارنة مع الريع".كذلك دعا إلى "تفكيك العوائق أمام الاقتصاد وإعادة إمكان نمو هذا الاقتصاد بشكل مستدام وعادل. وهذه العوائق هي شبكات الأمان الاجتماعية الضعيفة والبنى التحتية غير المتوافرة لمواكبة هذا النمو كوضع الكهرباء والاتصالات وغيرهما... وكل ذلك يتطلّب إيجاد حلول من أجل تأمين نمو مستدام بدلاً من نمو ظرفي يخلق فرص عمل ظرفيّة". وأضاف: "في الوقت الراهن، مستويات البطالة في لبنان تتخطى في بعض الحالات وخصوصاً لدى الشباب الـ20 والـ22 في المئة وهو رقم كبير".

وأشار إلى أن "الوضع المالي للخزينة أو للدولة، يُسجّل سنة بعد أخرى مستويات عجز عالية، ويتوقع أن يبلغ العجز هذه السنة نحو 8.5% من الناتج القومي وهي نسبة مرتفعةً". وأوضح أن "هذا العجز مرتبط بنيوياً بتركيبة الموازنة العامة، إذ أن شكل هذه الموازنة العامة لناحية الإيرادات يقوم على ضريبة أساسية هي الضريبة على القيمة المضافة، يتبعها رسم الاتصالات وبعده ضريبة الدخل ورسوم الإستهلاك والجمارك. وبالتالي فإنّ الثقل الضريبي الأساس هو على الاستهلاك والثاني هو على المداخيل والثالث شبه المعدوم هو على الثروات".

ولاحظ أن "نحو 74% من النفقات هي إما للرواتب والأجور والتعويضات أو لخدمة الدين أو للمساهمة في تمويل كهرباء لبنان". وأضاف: "في العنوان الأوّل، أي الرواتب والأجور والتعويضات، فإنّ القطاع الخاص لم يعد قادراً اليوم على إنتاج فرص عمل بالحجم اللازم، وهذا ما أدى إلى خلق فرص عمل في القطاع العام، قد يكون بعضها مجدياً وبعضها الآخر غير مجدٍ".

وفي ما يتعلق بالتحويلات إلى مؤسسة كهرباء لبنان وما تسببه من عجز، اعتبر أن مؤسّسة كهرباء لبنان "لا يمكنها أن تؤثر على هذا الوضع، لأنّ ليس لديها القرار في إيراداتها ونفقاتها". واعتبر أن "سياسة دعم تعرفة الكهرباء التي تعتمدها الدولة تنعكس مباشرة عجزاً على الكهرباء ولكن هو فعلياً عجز على الدولة والمالية العامة".

واعتبر بيفاني أن "شيئاً لن يتغير"، سواء تمت خصخصة أي قطاع أو تأميمه، أو اعتماد الشراكة بين القطاعين العام والخاص، "ما لم تقم الدولة بواجباتها ويتم احترام الأصول والقوانين وتفعيل عمل البنى التحتية".

وقال بيفانمي أن "هذه العناوين الثلاثة تبيّن أنّ ثمة مشكلة ويجب أن تتّخذ قرارات اساسيّة في كلٍ منها". وأضاف: "في ما خصّ التوظيف، يجب حتماً ألاّ يكون القرار وقف التوظيف كما حصل في أوائل التسعينات، لأن الإدارة أصبحت مليئة بالمياومين والمتعاقدين غير الخاضعين لقانون الإدارة".

وتحدث عن الوضع النقدي والوضع الخارجي للحسابات اللبنانيّة، فأكّد قدرة الدولة على تأمين التمويل "في المدى المنظور" رغم انخفاض النمو الاقتصادي وعجز المالية العامة. وأضاف: "الدليل على ذلك أنّ كل التمويل الذي نحتاج إليه يتأمّن من دون أيّ مشكلة وآخر إصدار قمنا به في الأسواق كان مريحاً جداً للدولة اللبنانيّة فقد طلبنا ملياراً ونصف مليار دولار وحصلنا على ثلاثة مليارات، علماً أن الطلبات التي قدمت بلغت نحو 17.8 مليار دولار". وتابع: "أصدرنا سندات على 10 سنوات بفائدة نسبتها 6.85 في المئة وعلى 15 سنة بنسبة 7 في المئة وهي نسب تحلم بها اقتصادات أوروبية كثيرة رغم أن تصنيفنا الائتماني متدنٍ جداً".

ثم تناول بيفاني العوامل الخارجيّة المؤثرة إيجاباً أو سلباً على النمو، وأوّلها الأزمة السوريّة، مع وجود مليون و700 ألف سوري في لبنان "لا تستوعبهم سوق العمل". وأشار إلى أن من نتائج وجود هذا العدد من النازحين "تدهور الوضع البيئي بكلفة تزيد على 3.7 مليار دولار سنوياً"، و"تدهور البنى التحتيّة". وكشف أن حجم الإنفاق الإضافي على الكهرباء بفعل وجود هذا العدد من السوريين في لبنان بلغ 480 مليون دولار.

وقال إن التشريعات الأجنبيّة تؤثر بدورها على الوضع في لبنان، مؤكداً في هذا المجال أن "جهداً كبيراً يبذل بنجاح كي يبقى القطاع المالي والمصرفي اللبناني متواصلاً مع العالم ويتابع عمله بشكل طبيعي". وأضاف: "في ما يتعلق بالشفافيّة الضريبيّة على مستوى العالم، مررنا في مرحلة خطر، بسبب تعطل المؤسّسات الدستوريّة وإمكانيّة التشريع، وكان لبنان على وشك أن يُدرَج ضمن اللوائح السوداء لأنّه لم يكن على المستوى المطلوب لناحية الشفافيّة. ولكن حالياً تمّ حلّ هذا الوضع كلّياً، والشهر المقبل سنذهب إلى بنما لاستكمال البحث مع المنتدى العالمي في هذا الشأن ونتخطّى المسألة نهائياً".

وعن التشريعات التي تصيب لبنان مباشرة كالقانون الأميركي المتعلّق بحزب الله في لبنان، وإمكان وجود قوانين جديدة قد تصدر على هذا الصعيد، قال بيفاني: "الوضع تحت السيطرة وثمة وعي كافٍ لدى كل الأطراف لحسن إدارة الموضوع وتجنّب المخاطر في هذه المسألة".

واعتبر بيفاني أن وجود النفط والغاز في البحر الأبيض المتوسّط "يشكّل صدمة خارجية إيجابيّة" للبنان. لكنّه نبّه إلى أن الثروة النفطية في المياه اللبنانية "قد تكون نعمة أو لعنة". وأضاف: "هذه الأصول ستكون نعمة (...) في حال تمت إدارتها بشكل صحيح، وذلك يكون يتحويل الأصول الماليّة المتأتية من هذا النفط إلى صندوق سيادي يستثمر، والمداخيل المتأتية من الاستثمارات هي التي تصبح مداخيل للبلد"، مشدداً على ضرورة أن "تستفيد منها الأجيال الصاعدة". ودعا إلى اعتماد "الخيارات الصائبة" في التصرف بالإيرادات النفطية المرتفبة، محذراً من أن "سوء استعمالها يؤدي إلى ما يسمّى "الداء الهولندي"، ومن عوارضه "التضخّم وانعدام الإنتاجيّة واتساع الفوارق في المجتمع".

ثم دار حوار بين بيفاني، وشرح رداً على أحد الأسئلة، حقيقة التوجه إلى زيادة الضريبة على القيمة المضافة، فقال: "منذ سنوات لم تتحرك الإيرادات، إذ هي تزيد ولكن لا تتغير بنيوياً بسبب توقف الموازنات. ووصل انحدار الإيرادات بالنسبة إلى الناتج القومي من 23 في المئة إلى 17 في الئة في عشر سنوات. وعندما طرحت سلسلة الرتب والرتب أثير موضوع قدرة الدولة على تمويلها، وعندها سنحت الفرصة لإعادة النظر في العديد من الضرائب بشكل بنيوي". وأضاف: "ما حاولنا أن نفعله هو الاستفادة من الفرصة لإعادة تصحيح مسار الضرائب وسدّ عدد من الثُغر، ومنها عدم وجود ضريبة على الأرباح الرأسمالية على المبيعات العقارية للأفراد، والتفاوت والتمييز بين الضرائب".

بعد بيفاني، ثم تحدث الدكتور في العلوم الاقتصاديّة بطرس لبكي، فعرض بالأرقام لتراجع القطاع الصناعي، ولأسباب هذا التراجع، مقارناً الأرقام الحالية بأرقام الحقبات السابقة، مشيراً إلى أن يشكل راهناً ما بين 10 و12 في المئة من الناتج، ويعمل فيه نحو 130 ألف شخص، مشيراً إلى عدد المصانع تراجع إلى 1377 مصنعاً، أي أن 11 في المئة من المصانع أقفلت في السنوات الخمس المنصرمة، مما انعكس تراجعاً للصادرات.

ودعا لبكي إلى العمل على سبعة محاور للخروج من المأزق، ومنها توسيع السوقين الداخلية والخارجية، وتخفيض كلفة الإنتاج، وتحسين النوعية، والتحسين النوعي والكمّي للعمالة اللبنانية، وتوفير التسليف المناسب للمؤسسات الصغيرة وتلك التي في الأطراف، وتوفير دعم خاص لبعض الصناعات كتلك التكنولوجية والغذائية والمبنية على الذوق الرفيع. واقترح لبكي مجموعة إجراءات تفصيلية في كل من هذه المحاور السبعة.

أما عالم الاقتصاد اديب طعمة، فعرض لمراحل نشوء الدين العام في لبنان وكيفية تطوره، وطرح مجموعة أفكار متعلقة بمستقبل هذا الدين وبطريقة معالجته. وسأل: "هل هذا الدين يظهر أن الإقتصاد يسير بطريقة جيدة؟". وقال: "في مقابل تطور القطاع المصرفي نلاحظ تراجعاً اقتصادياً". ورأى أن "الدين يتنامى بشكل غير متناسب مع الناتج المحلي، بل مع أصول المصارف". وأضاف: "80 في المئة من هذا الدين مصدره المصارف اللبنانية، ونسبة واحد في المئة من الحسابات تملك 50 في المئة من هذا الدين، وبالتالي ثمة غياب كبير للمساواة، إذ توجد عملية انتقال ثروة من أناس إلى أناس آخرين". واعتبر أن "الدين غير الشرعي هو الذي تنتفع منه قلة من الناس على حساب كل الآخرين". وختم قائلاً: "نحن حالياً نستدين لنسدد فوائد هذا الدين، لا لتمويل إنتاج يتيح تسديد الدين نفسه".